تشييع جثمان الرفيق الراحل شعيب الريفي أحد قادة حزب التقدم والاشتراكية عبد الواحد سهيل في الكلمة التأبينية باسم الديوان السياسي للحزب: كنت مثالا للوفاء والالتزام والشجاعة، مسخرا كل حياتك من أجل حزبك وشعبك ووطنك.. شيعت جنازة المناضل شعيب الريفي عن عمر يناهز 79 سنة، أحد القادة المؤسسين لحزب التقدم والاشتراكية وأحد أبرز قيدومي النضال الديمقراطي بالمغرب، بمقبرة الرحمة بالدارالبيضاء، عصر أول أمس الأربعاء بحضور أفراد عائلة الفقيد وعشرات من المناضلين وأصدقاء الفقيد ومعارفه، في مقدمتهم أعضاء الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وأعضاء اللجنة المركزية ومناضلي الحزب القادمين من مختلف المدن المغربية بالإضافة إلى فعاليات سياسية ونقابية وجمعوية وفنية. وألقى الأستاذ عبد الواحد سهيل، عضو الديوان السياسي للحزب، كلمة تأبينية في حق الفقيد "ننشر نصها الكامل ضمن مواد هذه الصفحة"، وقف فيها على الخصال الحميدة التي ميزت الفقيد خلال حياته كقائد للحزب على مستوى الدارالبيضاء أو على المستوى الوطني لمدة فاقت نصف قرن من الزمن، حيث ساهم الفقيد في إغناء أدبيات الحزب على المستوى النظري والسياسي. وكانت حياة الفقيد شعيب الريفي حافلة بالعطاء خصوصا في المجال السياسي والنقابي، حيث التحق بالحزب الشيوعي المغربي في غضون الخمسينات من القرن الماضي، وساهم في تأسيس حزب التحرر والاشتراكية، وبعده حزب التقدم والاشتراكية، كما عرف بنضاله في صفوف الإتحاد المغربي للشغل في إطار عمله داخل مكتب التسويق والتصدير، حيث كان له الفضل في تكوين وتأطير خلايا الحزب وعملها داخل هذه المؤسسة العمومية، كما يعود له الفضل في بناء اللبنات الأولى لتوحيد أحزاب اليسار خلال فترة السبعينات، حيث ترأس إلى جانب الشهيد عمر بن جلون مهرجانا شعبيا بسينما الكواكب بالدارالبيضاء سنة 1975، في إطار عمل وحدوي بين حزبي التقدم والاشتراكية والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وأجمع رفاقه في حزب التقدم والاشتراكية، الذين عاشروه عن قرب، أو كان له الفضل في التحاقهم بالحزب، في شهاداتهم ل "بيان اليوم"، على أن الفقيد كان من طينة الرجال الكبار، وأنه كان متميزا بقدرته على إنتاج الأفكار البناءة، وكان جريئا في التعبير عما يخالجه وما يفكر فيه، ومساهما بشكل قوي في التحليل النظري وفي بلورة المواقف السياسية للحزب على مدى سنوات متعددة. وفي هذا السياق، قال الأستاذ سيمون ليفي في تصريح لبيان اليوم: "لقد كرس شعيب الريفي كل حياته للحزب وللدفاع عن القيم النبيلة التي انبنت عليها مبادئه. كنت أعرف شعيب الريفي قبل التحاقه بالحزب، كإنسان مترفع عن الذاتية، محب للناس وللوطن. لم تتغير خصاله وقناعاته سواء طوال سنوات النضال إلى جانب رفاقه أو بعد اتخاذه قرار الانزواء بعيدا، تعبيرا منه عن رفض، لم يغير من قناعاته ولا من تعلقه بالحزب شيئا. وكانت آخر مضامين النقاش الذي دار بيني وبينه متعلقا بحال الحزب ومساره وكيفية الرفع من أدائه وجعله يحتل المكانة اللائقة به كما كان في أحلك فترات تاريخه. وأضاف سيمون ليفي قائلا: "سبق لي أن قلت لشعيب الريفي بالحرف الواحد، تعال. سنقاتل سوية لإنقاذ الحزب وإعادة قطاره إلى السكة الصحيحة"• فكان جوابه ملخصا في أربع كلمات لم يضف إليها حرفا واحدا• "لن نقوم بذلك الآن"• وللأمانة التاريخية كانت كلمة الآن "تعني أن الرجل رفض إعادة فتح الباب الذي أغلقه من قبل حين فضل المتابعة من بعيد. أما الأستاذ عمر الفاسي، عضو الديوان السياسي للحزب، فقد وصف الراحل شعيب الريفي بالمتفاني في حب وخدمة الوطن والشعب، وبكونه "رجلا شعبيا" ومن الرعيل الأول ومن المناضلين الذين سخروا وضحوا بالغالي والنفيس وكرسوا وقتهم وصحتهم وكل ما يملكون من مخيلة مدهشة للتفكير وإنتاج الأفكار في سبيل القضية الوطنية وخدمة للحركة التقدمية. وأضاف عمر الفاسي في اتصال ببيان اليوم" ..يمكن اعتبار شعيب الريفي المثال الساطع الذي ينبغي على شباب اليوم أن يتخذوه قدوة لهم والمنار الذي نتمنى أن يسير على هديه رجال الغد وأجيال المستقبل المطالبين بالعمل من أجل خدمة البلاد وعصرنتها وإشاعة أفكار التقدم والحداثة. فليرحم الله شعيب الريفي الشعلة الوضاءة التي أنارت درب النضال إلى جانب رفاقه الأحياء منهم والأموات.". *** عبد الواحد سهيل يلقي الكلمة التأبينبة باسم الديوان السياسيلحزب التقدم والإشتراكية صديقي ورفيقي العزيز سي محمد شعيب الريفي أمام مصاب رحيلك، من أين آتي بالكلمات وبالعبارات لأقول في حقك بعض من شهادتي، في هذا الموقف الرهيب، ونحن نودعك إلى مثواك الأخير، إلى دار البقاء، إلى صحبة الخالدين من المناضلين والقادة الذين أنجبهم هذا الشعب وضمتهم الأرض الطيبة• هل أتكلم عن استماتتك ورباطة جأشك وأنت تواجه القمع والتسلط في تلك الليالي الحالكة من سنوات الرصاص؟ أم أبدأ من خصالك الانسانية وروحك المرحة ووفائك لشعبك ووطنك ولحزبك ولرفاقك؟ أم استهل كلامي بالتذكير بحنكتك كقائد لحزبنا على مستوى الدارالبيضاء، وعلى المستوى الوطني وأحد ألمع رموزه لمدة فاقت نصف قرن من الزمن! وهل أعرج على انتاجك الفكري ومقالاتك على أعمدة المكافح والكفاح الوطني والبيان؟ أو أسهب في الكلام عن قدرتك الفائقة على التحليل السياسي العميق والدقيق أو عن دورك كمرب ومكون لأجيال من المناضلين كنت أحدا منهم• رفيقي سي محمد شعيب، لقد اقترنت حياتك بفترة عصيبة ولكن خصبة من نضال شعبنا، من أجل الاستقلال الوطني والوحدة الترابية والحريات الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وحقوق الشغيلة فكنت منذ شبابك في وسط معمعة هذه الكفاحات واضطلعت بدور قيادي في حزبك، الحزب الشيوعي المغربي وكنت احد اثنين عند تأسيس حزب التحرر والاشتراكية وكنت احد مؤسسي حزب التقدم والاشتراكية وكلفك ذلك شهورا من السجن إلى جانب رفيقك السي علي• وفي كل هذه المراحل، كنت مثالا للوفاء والإلتزام والشجاعة غير مذخر ما رزقت من ذكاء ومثابرة، مسخرا كل ذلك من أجل حزبك ومن أجل شعبك ووطنك، زاهدا في كل متاع الدنيا• لقد كنت دائما متواضعا أنيقا في فكرك وتعاملك مع الآخرين لبيبا عفيفا، كما كنت إنسانا بكل تجليات هذا المعنى اشتراكي، تقدمي، ديمقراطي، مغربي، وأممي حتى النخاع! تعشق الحرية والحياة وتبدي سعادة الأطفال أمام ما يبهرك من جمال في هذه الحياة كما كنت ترفض الظلم والقهر وتكره الاستبداد، وتغضب لكل ما تعتبره مخالفا للقيم التي كنت تؤمن بها والتي طبعت مسيرتك النضالية والإنسانية وبقيت متشبثا بها إلى آخر رمق من حياتك• رفيقي العزيز•• لقد عشت متواضعا وشامخا لم يكن يبهرك ذلك البريق الكاذب لهذه الدنيا والذي غوى الكثيرين إلى درجة أنك كنت حين لا يعجبك شيء ما تبتعد عنه و تخلو إلى نفسك وأهلك وأصدقائك وتلك طريقتك للتعبير عن رفضك له• وقد كان لك دور بارز في التطور الذي عرفه الحزب في المجال الفكري والسياسي وبرز منذ الإستعدادات للمؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي وما عرفته هذه الفترة والفترات التي أعقبته من ثراء في التحليل النظري وبلورة المواقف السياسية لحزبنا وقد كنت أحد أبرز محرري عدة وثائق صادرة عن مؤتمرات حزبنا ولجنه المركزية وتصريحات ديوانه السياسي• كما كنت مناضلا ملتصقا بالشغيلة في إطار عملك داخل مكتب التسويق والتصدير فكونت وأطرت خلايا الحزب وعملها داخل هذه المؤسسة العمومية التي أسدت الكثير للاقتصاد الوطني في فترة عصيبة وكنت أحد أطرها الملتزمين• وكنت من الرفاق الذين يحضون بكامل ثقة رفاقك وحزبك أمين، منضبط يحفظ السر ويراعي مصلحة الحزب ووحدة صفوفه وتدافع عنهم بدون هوادة وفي كل الظروف، كما كنت متشبعا بالروح التضامنية والأممية في كل المحافل الدولية التي ساهمت فيها ويشهد لك التاريخ أنك مع رفاقك في وفد حزبنا إلى مؤتمر موسكو للأحزاب الشيوعية والعالمية وفقتم في موقفكم المبدئي من القضية الفلسطينية وأثرتم انتباه العالم بأنها قضية شعب وليست قضية لاجئين• رفيقي العزيز سي شعيب لقد تشرفت بصداقتك وتمكنت من معرفة بعض خصالك، فأنت إنسان شهم ذي عزة لا تبغض ولا تحقد على الناس وكاظم للغيض لا ترمي باللائمة على الآخرين، وعندما كنت أسعد بلقائكم في هذه السنين الأخيرة كانت أول أسئلتك هي كيف حال الحزب وكيف حال الرفاق قبل أن نمر للحوار إلى أشياء أخرى، وأعلم أنك كنت ابنا بارا وأبا طيبا وجدا رائعا وزوجا مخلصا لرفيقة حياتك• سي شعيب لا أتصورك غائبا ولن أتخيلك إلا حاضرا حضور المناضل الصلب الثابت على المبادئ والقيم الاشتراكية، حضور الرفيق والصديق العزيز الجميل حضور الشهداء والأخيار والناس الإستثنائيين، شكرا لك على ما منحتنا من سعادة لقائك والسير إلى جنبك في صف حزبنا ووسط معارك شعبنا وبلدنا• جزاك الله خيرا على ما قدمت وما ضحيت، فرحمة الله عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا•