إن الحق في الصحة حق يجب أن ينعم به كل إنسان بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه - المادة 12 من العهد الدولي لحقوق الإنسان - ويقتضي التمتع بهذا الحق توفر نظام الحماية الصحية يستفيد منه الجميع على نحو متكافئ مما يستدعي وجود القدر الكافي من المرافق والرعاية الصحية والخدمات والبرامج بطريقة متاحة لكل أفراد المجتمع دون تمييز تحظى بالقبول وتضمن الجودة حسب المضمون المعياري الوارد بالتعليق العام رقم 14 للجنة الأممية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذا ما يتنافى مع واقع الحال، فقطاع الصحة بالإقليم الذي يعرف وضعا متخبطا منذ إنشاء المستشفى الإقليمي بجماعة لعوينات الذي اخذ اسما أكثر من حجمه لان جاهزيته لاستقبال المرضى غير ممكنة وذلك في غياب طواقم طبية متخصصة كما أن بعده عن المجال الحضري يسبب عناء كبيرا لدى عموم المرضى من اجل الوصول إليه لتلقي العلاجات التي كانوا يتلقوها في المستشفى السابق (ابن رشد) داخل المدينة. وفي ظل غياب آلية للتنقل من والى المستشفى خصوصا وأننا نعرف الوضع المادي المزري لجل ساكنة الإقليم حضريا وقرويا،والذي يبقى لوحده عائقا في وجه المرضى فأصبح بذلك معه العلاج شبه مستحيل بعد فرض تأدية رسوم الفحص.هذه العوامل تسببت في حدوث خروقات خطيرة عرضت حياة المواطنين إلى أقصى حدود الخطر، خاصة فيما يتعلق بصحة الإنجاب (النساء الحوامل) وطب الأطفال مع بعض حالات الطب العام. طبعا كل هؤلاء هم ضحايا: أولا:لفشل السياسة المنتهجة في تسيير القطاع الصحي بالإقليم (نقص الطواقم الطبية، ضعف التجهيزات، قصور في الطب المتخصص، النقص الحاد في الأدوية، الاهتمام بالشكليات على حساب الضروريات، ياب رؤية واضحة لمستقبل الصحة بالإقليم، سوء تدبير الموارد البشرية، محاولة إغلاق مستشفى ابن رشد... ثانيا: يبقى المرضى تحت رحمة مزاجية بعض الأطباء والممرضين من عدم احترام اوقات العمل، التعسف على المرضى، سوء المعاملة، غياب ثقافة الواجب، نقص المردودية لالتزام بعض الأطباء العمل في مصحات مدينة وجدة،سيادة مبدأ "خلص عاد شكي"، الزبونية... وفي ما يخص فكرة التخلي عن مستشفى ابن رشد المخصص للرعاية الطبية لمرضى السيليكوز، والمحدث في إطار الاتفاقية الاجتماعية بين الحكومة والنقابات - بتاريخ 17 فبراير 1998 على اثر إغلاق المنجم والمذكرة الوزارية رقم 44/م م ع م 20/23 - نعتبر هذا المستشفى حالة لا تخضع للنقاش ولا للمساومة على اعتبار أن هذا المستشفى المكسب الوحيد والضروري لضمان استمرارية لحياة هؤلاء العمال وكذا استيعاب آلاف الشباب العاملين في آبار الفحم.إن هذه الممارسات التي تعكس الصورة القاتمة التي يعيشها الإقليم على جميع المستويات عموما، والصحة بصفة خاصة توضح القصور المعرفي الذي يتمتع به بعض المسؤولين في الإقليم ، طبعا على حساب انتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين كالحق في الصحة والتنمية والشغل والعيش الكريم. إن مستوى الخدمات الصحية على العموم تسير عكس ما يروجه الخطاب الرسمي، فان الحق في الصحة لدى صناع القرار في المغرب ظل ولا زال يعتبر مجالا ثانويا. والوزارة الوصية تخلت عن مسؤولياتها الرئيسية في ضمان الحق في العلاج المجاني، وتوفير الأدوية اللازمة والكافية لكافة المواطنين، إذ أصبح الحصول على الرعاية الصحية متوقفا على قدرة الفرد على دفع تكلفتها، وتحول المرضى من مواطنين لهم الحق في التطبيب المجاني إلى زبناء وأرقاما يتاجر بصحتهم.