قطاع مهدد بالاختراق» وأزمة غرامات بدفتر تحملات غامض في 8 ماي 2007، عقد اجتماع «طارئ» في الصخيرات ضم كلا من وزير الداخلية ووزير المالية والخوصصة، ووزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر،والوزير المكلف بالإسكان والتعمير، والوزير المكلف بالتكوين المهني، وعدد من الجمعيات المهنية التي تمثل مختلف «الحساسيات» التي تخترق «باطرونا» التعليم الخصوصي. والنتيجة: التوقيع على اتفاق إطار ولد ميتا بين الحكومة وممثلي جمعيات مهنية تمثل قطاعا حساسا يعيش «الفوضى» ويحتاج إلى قرارات كبيرة لإعادة هيكلته وتحويله إلى قطاع مشغل بدفتر تحملات واضح، ومراقبة حازمة.. تخوفات من «الاختراق» في عز انتشار ما كان يعرف، منذ سنوات، ب«أنفلونزا الخنازير» اضطرت بعض الأكاديميات بتنسيق مع وزارة الصحة إلى إغلاق مؤقت لمدارس خصوصية انتشر فيها الوباء. وبعيدا عن تداعيات ما أحدثه هذا الوباء من رعب في أوساط التلاميذ وأولياء أمورهم، لم يُسمع أن وزارة التربية الوطنية أو النيابات التابعة لها، قد عمدت في يوم من الأيام إلى إغلاق مدرسة خصوصية لأنها لم تنضبط لدفتر التحملات الذي يفرض على هذه المدارس الالتزام به. مصدر مسؤول قال إن السلطات المعنية بالقطاع لا تراقب عادة هذه المؤسسات التعليمية، وما تقدمه من برامج تربوية للأطفال. وقد أثير عدد من القضايا عبر الصحف الوطنية لها علاقة بالمقررات الدراسية في عدد منها، لكن دون أن تحظى بالمتابعة من قبل المسؤولين، الذين لا يستطيع بعضهم الاقتراب من «باطرونا» يعرف جزء منها كيف يدافع عن نفسه وله علاقات نافذة. المصدر نفسه استغرب وجود «تراخ» في مراقبة قطاع حساس أكثر أهمية، بالنظر إلى أنه يرتبط بصنع أجيال، وله علاقة مباشرة بالقيم والهوية. وفي غياب هذه المراقبة الصارمة، يورد المصدر، تمكن عدد من أصحاب «الشكارة» من الذين لا يهمهم من القطاع سوى ما يجنونه من أرباح، من خلق مدارس خصوصية. ويتخوف المصدر من أن يؤدي هذا التراخي إلى فتح المجال أمام مبيضي الأموال بمختلف أصنافهم ل«اختراق» هذا المجال، ما سيؤدي به إلى الهاوية، لأن الاستثمار فيه سيشكل بالنسبة إليه واجهة فقط، ما سيضر بالتنافسية بين المؤسسات التعليمية، وسيساهم في تخريب منظومة التربية والتكوين في بلادنا. تشير ديباجة الاتفاقية التي وقعتها الحكومة مع جمعيات قطاع التعليم الخصوصي، التي جاءت في سياق مبادرات لتحريك عجلة تفعيل «ميثاق التربية والتكوين»، إلى أن الحكومة لديها إرادة لتعبئة إمكانات النمو الكامنة لدى القطاع الخاص والدفع به نحو تعزيز قدرة دعمه للمجهود العمومي في مجال التربية والتكوين. وضمن ما تم الاتفاق عليه، تنويع التكوينات بشكل يتلاءم مع الحاجات الاجتماعية للبلاد، وتشجيع مؤسسات القطاع على تبني معايير الجودة، وإنعاش التشغيل في هذا القطاع، عبر تحسيس أعضائه بضرورة توفير مدرسين قارين تتناسب أعدادهم ومؤهلاتهم مع نوع ومدة التكوينات الملقنة من جهة، وتنظيم دورات لاستكمال الخبرة لفائدتهم من جهة أخرى. كما تم الاتفاق على مواصلة إعادة تنظيم القطاع، ووضع مدونة للأخلاقيات المهنية بتنسيق مع الإدارات المعنية. والتزمت الحكومة، من جهتها، بأن تطالب المؤسسات باحترام دفتر التحملات، ووضع معايير تحديد برامج التعليم، وتطابق التسميات مع مستويات وأنواع التكوين واحترام قواعد الإشهار، والالتزام بمدونة الشغل، وتأمين التلاميذ والطلبة والمتمرنين. وتقرر، حسب الاتفاقية، اتخاذ إجراءات تحفيزية لفائدة المستثمرين في هذا القطاع، ومنها إعفاءات جمركية وضريبية، وتمكين أرباب المؤسسات من الاستفادة من صناديق إنعاش الاستثمار، وإقرار آلية للتمويل المشترك بين الدولة والأبناك، والولوج إلى رأسمال المخاطرة وبعض خطوط التمويل الخارجي، وتعبئة العقار، ومساعدة تقنية ودعم تربوي وإداري. ويستفيد المغرب من الإعفاء من الرسوم الجمركية بموجب اتفاق منظمة اليونسكو، الذي انخرطت فيه بلادنا منذ تاريخ 3 أكتوبر 1963. ونص المشروع على أن يتم تمديد هذه الاستفادة إلى مؤسسات القطاع الخاص. كما تقرر إلغاء الرسم على مؤسسات التعليم الخاص المستحق المتعلق بضرائب الجماعات المحلية. وجاء في النقطة المتعلقة ببرامج التشغيل أن الحكومة ستتدارس كل الوسائل الكفيلة بتمكين القطاع من الاستفادة من برامج التشغيل، ومنها برنامج مقاولتي وبرنامج إنعاش وتحفيز التشغيل المأجور والبرنامج الوطني للرفع من إمكانية التشغيل، الذي يعرف ببرنامج «تأهيل». وتم الاتفاق على أن تساعد الإدارات المعنية أرباب المؤسسات التعليمية تقنيا لتجديد مشاريعهم، ودعمهم من الناحية التربوية والإدارية. وقبل أن يتفرق هذا الجمع الهام، تم الاتفاق على إحداث لجنة خاصة لدى الوزير الأول تكلف بتتبع تنفيذ هذا الاتفاق العام، وتكوين لجن على صعيد كل إدارة معنية تضم مسؤولين بهذه الإدارة وممثلين للقطاع الفرعي المعني، على أن تنجز هذه اللجان تقارير دورية وتوصيات تساهم في النهوض بهذا القطاع. بعد مرور حوالي 4 سنوات على هذه الاتفاقية، بدأت بعض الجمعيات المهنية التي مثلت هذا القطاع أثناء التوقيع على هذه الاتفاقية، في دق ناقوس الخطر حول وضعية قطاع حساس ينتظر منه أن يساهم في تربية النشء، وصنع أجيال المستقبل، ومن هذه الجمعيات رابطة التعليم الخاص بالمغرب، التي عمدت إلى إصدار بيانات نارية، والدخول في يوم دون دراسة في مؤسسات التعليم الخاص بمدينة فاس، قبل أن تقرر تنظيم وقفة احتجاجية أمام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أزمة في مقابل التحفيزات التي تحدثت عنها الاتفاقية، تقول الرابطة إن إدارة صندوق الضمان الاجتماعي استهدفت، في السنوات الأخيرة، المدارس الخاصة ونزلت عليها بذعائر أقرب إلى الخيال، دون أن تراعي خصوصية الاستثمار في القطاع. وانتقدت الرابطة اعتماد الصندوق على وثائق غير قانونية، كالبنية التربوية التي يستصدرها مفتشوه من نيابات التعليم، إذ الأصل في هذه الوثائق أنها تصورية فقط، واحتساب أجرة بعض ممن غادروا المؤسسة ومنهم من التحق بالقطاع العمومي أو غادر التراب الوطني، كما اعتمد مفتشو الصندوق، حسب هذه الرابطة، إدماج المنح المخولة لواجبات الأكل والتنقل للمستخدمين في الأجر ليخلصوا إلى أرقام وصفها بيان للرابطة بالفلكية «يضربونها في أرقام أخرى ويرسلون المبلغ إلى مدرسة لو بيعت جملة لما وفت بالمبلغ المطالب به من طرف الصندوق». وانضافت إلى هذه الغرامات، مخلفات ضرائب الجماعات المحلية، التي ألغتها الاتفاقية، تحت طائلة حجز ممتلكات المؤسسات. و«قد صارت جل المدارس اليوم تقضي وقتها في استقبال ممثلي هذه الإدارة والأعوان القضائيين عوض التفرغ لتربية التلاميذ». وتحدث إعلان قضائي عن بيع قضائي في المحجز البلدي لفاس لفائدة الخازن العام للمملكة، لسيارتين محجوزتين ضد مؤسسة تعليم خصوصي في المدينة. وطلب من صاحب هذه المؤسسة إحضار المنقول وإلا سيكون المفوض القضائي مضطرا لتحرير محضر بعدم الإحضار، وإحالته على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بفاس قصد تسخير القوة العمومية لإدخال المنقول المحجوز إلى المحجز البلدي. تهرب في نظر مسؤولي صندوق الضمان الاجتماعي فإن المقاربة مختلفة. فمفتشوه لا ينظرون عادة بعين الثقة إلى عدد من المستثمرون، ولذلك، فإنهم يلجؤون إلى جميع المؤسسات التي يتعامل معها هؤلاء المستثمرين للحصول على وثائق وبيانات مؤسساتهم، ومنها، بالخصوص، ما يتعلق بالمستخدمين. وقد مكنت الحملة التي قادها الصندوق، في هذا الصدد، في السنوات الأولى من سنة 2009، من تسوية وضعية حوالي 40 ألف مستخدم مقارنة بمتم يوليوز من سنة 2008 والتي سوى فيها وضعية حوالي 19 ألف مستخدم. وتضطر المؤسسات التي يقصدها مفتشو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بموجب القانون، إلى تزويده بالوثائق التي يطلبونها، ومنها حتى إدارة الضرائب بالرغم من أن واجب التحفظ يهيمن على القوانين المنظمة لهذه الإدارة. وتشير تصريحات مسؤولين في الصندوق إلى أنهم يضطرون إلى اللجوء إلى نيابات التعليم في مراقبة المدارس الخاصة، لأنهم يعتبرون أنها محطة ضرورية لهذه المؤسسات، التي يفرض عليها القانون أن تضع رهن إشارتها «وثائق الهوية» وعدد ساعات العمل... ومكنت هذه المراقبة، في متم شهر ماي من سنة 2010 من تسوية وضعية حوالي 39.977 مستخدم، ما يعني، بالنسبة إلى هذه الإدارة، وجود تهرب من الالتزامات الاجتماعية لفائدة المستخدمين سواء الدائمين أو العرضيين، كما وقف الصندوق على وجود حالات من التصريح برواتب أقل من الرواتب الحقيقية. ارتباك في 1 نونبر 1999، توصل مسؤولو نيابات التعليم بمذكرة من الكتابة العامة لوزارة التربية الوطنية، تخبرهم فيها بأن أصحاب المؤسسات الخصوصية المتوفرة على النقل المدرسي مطالبون بصباغة العربات باللون الأصفر مع شريط أفقي وفي مؤخرته عبارة «النقل المدرسي» باللغتين العربية والفرنسية، وأن تكون مرسومة بمواد عاكسة حتى يتسنى رؤيتها بالليل والنهار. ويجبر القانون أصحاب المؤسسات على الحصول على ترخيص يمنح من قبل الجهات المختصة بناء على معاينة، وتمتد صلاحية هذا الترخيص للسنة الدراسية، ويتم تجديده قبل بداية الموسم الدراسي الموالي. وينص القانون على أن النقل المدرسي يجب أن يتوفر على جميع ضمانات الراحة والسلامة، وأن يكون جميع الأطفال في وضعية جلوس مريحة، ويجب على السائق ألا يدخن أثناء السياقة، وأن يرتدي زيا موحدا، وأن يكون مرافقا أثناء جولاته بمؤطرين بالغين. ويعتبر النقل المدرسي جزءا أساسيا من المنظومة التربوية، وهو خدمة أساسية، بالنظر إلى انشغال الآباء، وعدم قدرتهم على التفرغ لنقل أبنائهم، ويعتمد أكثر من ثلثي التلاميذ المتمدرسين في قطاع التعليم الخصوصي على النقل المدرسي، ويقدمه البرنامج الاستعجالي كوسيلة للمساهمة في الهدر المدرسي. وفي الوقت الذي تطالب فيه السلطات أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة باعتماد معايير الجودة والراحة لفائدة التلاميذ، فإن أصحاب هذه المؤسسات، من جهتهم، يشتكون من ضعف ثمن واجب النقل المدرسي، ويقولون إن اعتماد هذه الإجراءات من شأنه أن يؤدي إلى إثقال كاهل أولياء التلاميذ بنفقات إضافية، ما سيضطرهم إلى المغادرة، وسيدخل القطاع في أزمة لا تنتهي. كما يشتكي العاملون في القطاع من ارتفاع سيارات النقل المدرسي الجديدة والمستعملة، وارتفاع كلفة النقل (بنزين وواجبات الفحص..) وعدم صلاحية الطرقات وتعطل إشارات المرور أحيانا وتسيب السائقين وضيق الممرات داخل الأحياء... وينتقدون الوزارة الوصية على «سرعة التحول» في إصدار مذكرات مجددة لشكل مقاعد السيارة واتجاهها، مما يقلص حجم الطاقة الاستيعابية ويرفع كلفة النقل. ويطالب أصحاب المدارس الخصوصية بالتشاور معهم قبل اتخاذ أي إجراءات في المجال، وتمكينهم من اقتناء سيارات بثمن تفضيلي مدعم من قبل وزارة النقل، وتخفيض كلفة التأمين وغيرها من الرسوم المفروضة على هذا النوع من السيارات. إقبال أصبحت المدارس الخصوصية ملاذ جزء كبير من الفئات المتوسطة لتوفير التعليم اللائق لأبنائها، بما يجعلهم يكتسبون مهارات لغوية وثقافية وتقنية تؤهلهم للاندماج في محيطهم الاجتماعي والاقتصادي في ظل أزمة ثقة تستفحل تجاه التعليم العمومي. وقال أحد المستثمرين في المجال إن المدارس الخاصة، في المراحل الأولى من التعليم، تحظى بإقبال يزداد في الاتساع، ما سيحوله، في حال وجود إرادة لهيكلة القطاع، إلى مجال واعد ليس فقط للتربية والتكوين، وإنما لخلق فرص الشغل وامتصاص نسبة كبيرة من المعطلين الحاصلين على شواهد جامعية. أطر تنتظر «الهجرة» إلى «الضفة الأخرى» في ظل أزمة البطالة المنتشرة في أوساط الحاصلين على الشهادات الجامعية، يضطر عدد من الشبان والشابات إلى طرق أبواب المدارس الخصوصية بحثا عن فرصة عمل. ويوفر هذا الجيش من المعطلين لأصحاب المدارس الخصوصية إمكانيات هائلة لانتقاء أطر التدريس، وفي حالات عدة بأبخس الرواتب، دون أي إجراءات لحماية المستخدمين اجتماعيا وتوفير الظروف الملائمة التي تضمن لهم الاستقرار الاجتماعي. ويتكيف الشباب المعطل مع هذا الوضع، في ظل غياب البديل، في انتظار اتضاح الصورة. وبينت تقارير نشرت بناء على زيارات ميدانية لأطر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن الراتب المتوسط المصرح به من قبل حوالي 240 مدرسة خاصة في نهاية شهر نونبر من سنة 2010، يتراوح ما بين 300 و1900 درهم. ويراكم عدد منهم تجارب مهمة في المجال البيداغوجي، وهو ما يؤهلهم عادة للمشاركة بتميز في مباريات التوظيف المباشر التي تلجأ إليها وزارة التربية ل«سد الخصاص» في الموارد البشرية في عدد من الأكاديميات. لكن هذا التوظيف، وبنفس القدر الذي يفتح فيه أبواب الاستقرار الاجتماعي لهؤلاء المدرسين، فإنه يغضب أصحاب المدارس التعليمية، الذين يحتجون على «سرقة» أطر تدريس مؤسساتهم التعليمية، وإفراغها من المربين، ما يجعلهم يواجهون غضب أولياء التلاميذ الذين لا يولون أي اهتمام لتفاصيل المشاكل التي يمر منها القطاع، ويتمسكون بحق أبنائهم في تعليم جيد يوازي ما يؤدونه من مستحقات نهاية كل شهر. لكن الوضع في بعض المدارس الخصوصية ليس بهذه القتامة في التعامل مع الموارد البشرية، إذ إن الرواتب التي تصرفها لمدرسيها تفوق بكثير الرواتب التي تصرف لرجال التعليم في القطاع العمومي، وترافقها عدة امتيازات، منها توفير وسائل للتنقل، وتعويضات عن القفة، وتمكين الأبناء من التمدرس بالمجان...تحتد المنافسة بين مؤسسات التعليم الخصوصي في بعض الحالات على عينات من المدرسين والمدرسات، خصوصا منهم المدرسون المتخصصون في تدريس اللغات. وتحتدم المعارك بين مؤسسة وأخرى، وقد تصل إلى حد القطيعة بسبب اتهامات متبادلة ب«سرقة» الأطر. وتضطر بعض المدارس إلى الاستعانة برجال التعليم في القطاع العمومي لتدارك النقص الحاصل في أطر بتكوينات جامعية معينة. وقال صاحب مؤسسة تعليمية إن فتح قنوات للتواصل بين وزارة التعليم العالي ووزارة التشغيل وبين قطاع التعليم الحر حول هذه التكوينات من شأنه أن يؤدي إلى المساهمة في التخفيف من ارتفاع أفواج المعطلين الحاصلين على الإجازات في المغرب.