"البعد الأندلسي للمغرب" هو موضوع الندوة الوطنية التي احتضنها مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة يوم الخميس 25 يناير 2012. وحسب ما جاء في الكلمة الافتتاحية للدكتور عبد الرحيم بودلال مدير المركز، فإن التنصيص على المكون الأندلسي للهوية المغربية ضمن الدستور المعدل أخيرا يعتبر نقلة نوعية على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي. و قد صادف هذا الحدث الدستوري ذكري مرور ثلاثة عشر قرنا على فتح الأندلس. إن التأكيد على البعد الأندلسي للمغرب سيؤدي إلى مد جسور التواصل بين ضفتي المتوسط، وخصوصا مع الدول الإيبيرو أمريكية ، ما يؤهل المغرب ليكون مرجعا ومقصدا لكل المهتمين بالتاريخ الأندلسي. الدكتور عبد الله المرابط الترغي من تطوان تناول موضوع "التراث الثقافي الأندلسي، بعض الأسر العلمية نموذجا" ، فأكد أن الباحثين تعودوا أن نتحدث عن الأندلس في فترة حياتها، أي من الفتح إلى النكبة والسقوط. لكن المطلوب اليوم الحديث عن الأندلس ما بعد السقوط. فجال في تاريخ مجموعة من الأسر النازحة من الأندلس إلى المغرب. بعض هذه الأسر التي كان لها عطاء فكري وعلمي بالمغرب، كان لها حضور علمي متميز في الأندلس. مثل عائلة ابن الجد الفهري، التي ستغير اسمها وتصبح الأسر ة الفاسية. و من أعلامها محمد العربي الفاسي و الشيخ عبد القادر الفاسي وأبناؤه وأبو مدين الفاسي. وكذلك أسرة ابن سودة التي كان لها صيت وشهرة علمية وأدبية في الأندلس ومنهم الشيخ التاودي بن سودة، مشيرا إلى كتاب"الأنباء المنشودة في مآثر أبناء بن سودة" من تأليف الشيخ محمد العابد بن سودة. ثم أسرة بلحاج شهرت في العلم والتصوف و أسرة لوقاش في تطوان و أسرة السقاط و السراج والبياضي والبيطار والقادرية التي نزلت في غرناطة قادمة من المشرق...و أسرة الغرنيط وهو من الغرناطي و ظهرت في عهد المولى إسماعيل، حيث كان الشيخ الهادي غرنيط كان ناظرا للأحباس و آخرهم محمد بن لمفضل غرنيط له مؤلفات كثيرة. و من جهته، تناول الأستاذ محمد القاضي "الامتداد الأندلسي في المغرب: شفشاون نموذجا" . فكان حديثه بمثابة رحلة في مدينة صغيرة جدا وأندلسية جدا، بأحيائها القديمة وتقاليدها وألوانها. تختزل خمسة قرون . مشيرا أنه وجدت 52 كتابا إسبانيا وبرتغاليا عن هذه المدينة ولم أجد إلا أربعة كتب بالعربية. جاء تأسيس هذه الإمارة لمواجهة البرتغاليين قبل سقوط غرناطة ب 21 سنة وعرفت 3 هجرات. و من مظاهر الثقافة الأندلسية في المدينة ارتداء المرأة الشفشاونية للبلغة السوداء حزنا على سقوط غرناطة. ومنها أن بعض السكان لا زالوا يحملون مفتاح منازلهم بالأندلس، وأن أزيد من 100 اسم لأسر مغربية لازالت تعيش في شفشاون. و في مجال المعمار يراعى في بناء المنازل اتجاه القبلة وأخذ نصيبها من الشمس. وخاصة منطقتي أخماس واغمارة حيث مظاهر العمران الأندلسي في المدينة كنظام السواقي في الدروب والأزقة والحمامات والفنادق والأفران. و صناعة الدباغة والحرير والدرازة والفسيفساء....و الحفاظ على مجوعة من الأكلات وعلى نوبات الموسيقى الأندلسية وتنظيم مهرجان الموسيقى الأندلسية الذي يعقد كل سنة إلى الآن. الدكتور بدر المقري من جانبه، ألقى مداخلة بعنوان " الأندلس وقضية المثاقفة" ، تناول فيه التبادل الثقافي الدائم والمستمر بين المنكون الأندلسي والمكون المغربي. باعتبار الأندلس رسالة حضارية كانت تحكمها الأخلاق. مشيرا أن الأندلس لم تسقط نهائيا سنة 897هجرية، بل استمر البعد الأندلسي في المغرب والبعد المغربي في الأندلس إلى الآن. ثم استعرض الباحث جملة من المظاهر الثقافية الأندلسية المتجذرة في وجدة. فعلى مستوى التقاليد الأندلسية مثلا نجد بعض الوجديين يمنعون الصابون وإشعال النار أيام عاشوراء. بل كانوا يلبسون الأسود حزنا على آل البيت، في حين نجد سكان الغرب في المملكة يحتفلون بعاشورء، أسوة بالأمويين. ومن آثار الثقافة الأندلسية على أهل وجدة، حسن التدبير وإعادة تشكيل الأشياء و تقاليد الطبخ مثل الكعك و المقروط والزلابية... ناهيك عن مظاهر المثاقفة اللغوية. وفي الجانب التاريخي، عرج المحاضر على هجرة يهود إشبيلية واستقرارهم بمدينة دبدو. ومن المراجع التي تناولت الموضوع، كتاب مهم للدكتور علي المنتصر الكتاني و كتاب 'خر للدكتور عبد السلام الهراس حول الصحوة الإسلامية في الأندلس. في حين نجد بيار ريشار الباحث الفرنسي يقول : التراث الثقافي الأندلسي هو ما أنتجه عقل إغريقي روماني بلغة عربية فقط. ولهذا التمس المحاضر من المسؤولين العمل على بل إعادة الاعتبار إلى البعد المغربي في الأندلس حيث هناك إقبال كبير على الإسلام والعمل على مركز ثقافي مغربي في إسبانيا. اليوم الدراسي تميز كذلك بمداخلات السادة الأساتذة مولاي أحمد الكامون وخالد شيات وحسب بوتكة و أحمد حدادي. و تميز النقاش بإثارة الأسئلة التالية: ما طبيعة الدور الأندلسي في المغرب و ما طبيعة الدور المغربي في الأندلس؟ وما آثار الهجرة الأندلسية للمغرب على النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي للبلاد؟ وما هي الدلالات السياسية والقانونية للتنصيص الدستوري على البعد الأندلسي للهوية المغربية؟