.............................................................................. مرة أخرى تطبق آبار الفحم صخورها على اضلع الكادحين... عامل آخر لفظ أنفاسه في أعماق الأرض ينضاف إلى لائحة الشهداء المفتوحة,شهداء لقمة العيش الملطخة بالعرق,الدم,و الدمع... ومن وراء شهادته لوائح مفتوحة للمزيد من الأيتام و الأرامل و الثكالى,فكيف تراق دماء الكادحين بالمدينة؟ من القاتل؟ من يرعاهم, دماء أبناء المدينة؟ من وفر شروط وحسن ظروف جرائمهم؟ من يرعاهم, يحميهم و يدافع عن مصالحهم من غضب و سخط ضحاياهم ؟ في هده المقالة سنحاول عرض أهم عناصر إحدى أكثر الصور بؤسا و مأساة بالمدينة المنجمية و نعد القارئ بأنها ستكون بداية لسلسلة من المقالات والتحقيقات الموثقة و المصورة لمدينة أريد لها أن تكون عنوانا للقهر والنهب و الاضطهاد الطبقي السائد في البلاد ... مدينة راكمت الملايير في جيوب الملاكين و بقايا الإقطاع محليا ومركزيا و حصدت الماسي و الدموع والآلام في صدور أبنائها الكادحين . -أكذوبة الإغلاق: عندما بدأ الحديث في منتصف التسعينات عن إغلاق مناجم الفحم بالمدينة كانت الخطابات المؤطرة لهده الأكذوبة /حدث الإغلاق تنطلق من إدعاء _سيتبين لاحقا زيفه _ مفاده "نفاد الفحم " , و ترتكز على شعار "رفاهية المدينة و أبنائها و تنميتها و نهضتها بعد الإغلاق " ,شعار أطلقه نظام القهر و الاستبداد و التقطته الأحزاب و القيادات النقابيات و روجت له بتفان وإتقان مضيفة تنميقات و مساحيق تجميل لتعزيز عملية استيطان مخطط الإغلاق في وعي العمال و حلفائهم الكادحين بالمدينة كاعتبار الإغلاق "نهاية" لعهد امتد لسنين من ألام وماسي الساكنة جراء التبعات الصحية و الاجتماعية . للعمل المنجمي و نهاية لكوابيسه المزعجة "داء السيليكوز الفتاك" "حوادث الشغل القاتلة" ' إلا أن بمجرد توقيع إغلاق شركة المناجم في فبراير 98 ,شرعت الدولة باعتبارها أداة قمع طبقية ,في يد تحالف بقايا الإقطاع و الملاكين الكبار و طفيليات البرجوازية بتوزيع الخريطة المنجمية للمدينة على حفنة من الملاكين و تمتعيهم برخص استغلال الفحم و تسويقه , و تستمر بالنتيجة _ خلافا لكل الإدعاءات التي روجت سابقا _العمل المنجمي و استخراج الفحم من طرف الألف من العمال الكادحين سواء أولئك الدين تم تسريحهم من شركة المفاحم , وفق مخطط الإغلاق ممن حافظوا على البعض من قوة عملهم أو أبناء الدين فقدوا كل قوة عملهم و بالتالي مصادر عيشهم إضافة إلى العديد من الشرائح الشعبية التي كانت مرتبطة معيشيا بدخل المال في الشركة , مهنيين, تجار صغار ..... وأفلسوا نتيجة إغلاق الشركة , وكدا عموم شبيبة الإحياء المهشمة و من ضمنهم العديد من حاملي الشواهد العليا المعطلين, بسواعد هؤلاء العمال يستمر العمل المنجمي بنفس الطاقة الإنتاجية أو أكثر,لكن بهمجية أكثر و استغلال طبقي أكثر و دموي أكثر مما كان عليه الحال في عهد شركة المفاحم _سياق و ظروف الإغلاق_ لقد وقع مخطط الإغلاق في سياق عالمي و وطني اتسم بهجوم كاسح على القلاع العمالية و على مكتسباتها , فعمال شركة المفاحم الدين قدروا بعشرات الآلاف, شكلوا حركة نضالية قوية و متجدرة نضمت موقعا متميزا في مجرى الصراع الطبقي بالبلاد و لعبت الحركة العمالية أدوارا طلائعية في أهم المحطات النضالية التي عرفها المغرب, بدأ بعهد الاستعمار المباشر مرورا بكل مراحل الاستقلال الشكلي ولقد مكنت طيلة مسارها النضالي و لحكم موازين القوى في منتصف القرن الماضي الذي عرف خلال منحى المد الثوري تقدما واسعا في العالم تمكنت من انتزاع العديد من الحقوق و المكتسبات, كتحديد ساعات العمل, التحسين النسبي للأجور الاستفادة من انضمت الحماية الاجتماعية و التغطية الصحية إلى جانب مكتسبات أخرى كمجانية السكن و التعليم و التطبيب و التنقل للعمال و غوائلهم . إلا انه انهيار تجربة البناء الاشتراكي الرائدة في الاتحاد السوفياتي و ما رافق دلك من تراجع للمد الثوري العالمي و في سياق هجوم البورجوازية العالمية و طفيلياتها التبعية على مكتسبات و حقوق الشعوب كان النظام الطبقي القائم في المغرب باعتباره تلميذا نجيبا لمراكز القرار الامبريالي سباقا للستراد مخططات النهب و التصفية بحدافرها و تصريفها بؤسا و جوعا على كاهل الشعب المغربي بعماله و كادحيه , و تصدير ثرواته و خيراته إلى مراكز النهب الامبريالي , فكانت الضربات تلو الضربات والغارات الطبقية تشن بشكل كثيف و متواصل على امتداد خريطة البؤس بالبلاد و من ضمنها مدينة جرادة و عمالها الدين تكثف مسلسل الإجهاز على مكتسباتهم بالنظر لكون الحركة العمالية كانت هنا متجدرة بحكم موقعها الاقتصادي القوي ,و تاريخها النضالي و التصاقها العضوي بمجموعة الحركة الجماهيرية محلي و وطنيا ,و شكلت شوكة في حلق النظام و حجرة عثرة أمام كل مخططاته بتصديها بشكل قوي و فوري لكل من كان يحاك ضد العمال المنجميين محل ي و ضد حلفائهم و رفقائهم وطنيا , و فجرت أقوى المعارك في كل المحطات النضالية التي شهدها الصراع الطبقي بالبلاد (63-65-71-76- 81-84-85- 89-91-97. ..) بغم الخيانات الملازمة للقيادات البيروقراطية في إطاراتها النقابية . و أمام إصرار التحالف الطبقي السائد على تمرير مخططات أسياده و الإجهاز على حقوق و مكتسبات الشع ب الكادح. انطلق مسلسل القضاء النهائي على أساس وجود حركة العمال محليا و فعلها النقابي من خلال إغلاق الشركة نهائيا و تسريح عمالها مقابل تعويضات هزيلة تبخرت بسرعة فائقة أمام ضغط الواقع المعيشي و و غلائه و انضاف العمال المسرحون إلى رفاقهم المطرودين سابقا ليشكلوا مع أبنائهم و أبناء حلفائهم الكادحين من تجار صغار و مهنيين ,جيشا من المعطلين المهمشين المستعدين لبيع قوة عملهم بأبخس القيم و في أسوأ الشروط و لو كانت شروط القنانة!! ! -عودة القنانة – يقوم عاملين منجميين بحفر بئر يتراوح عمقه ما بين 12م و50متر و قطره يبدأ بمتر واحد و ينتهي ب 50سنتم لمدة قد تصل إلى 3أشهر في عمل يومي شاق و متواصل بمعدل 10سعات في اليوم و طيلة هذه المدة العمل غير مدفوع الأجر و قوة العمل مجانية بالكامل كما أن تجهيزات الحفر و إمكانيات العمل محدودة جدا و مخاطر كثيرة أمام غياب شروط الوقاية و طبعا لن نكرر أن حقوق العمال منعدمة منذ هذه المرحلة من مسار العمل, و عند الوصول إلى طبقات الفحم أو على كمية قليلة و بجودة رديئة و غر مقبولة و في أحيان أخرى يفاجئ العمال بالمياه تتسرب إلى أبارهم من الفرش المائية الباطنية ,مما يحول دون أمكانية العمل في استخراج الفحم فتتكرر المحاولة مرات عديدة في أبار لأخرى إلى أن يحاف الحظ العمال بالوصول إلى طبقات الفحم المناسبة لاستمرار العمل , بعد ذلك تنطلق المرحلة الموالية من العمل , حيث ينضاف 5 عمال آخرين ليصبيخ العدد 7 عمال لكل بئر منجمي داخل الأنفاق لحفر الطبقات الفحمية و واحد في ملتقى الأنفاق أسفل البئر يقوم بجر القفة المملوءة بالصوبة عبر حبل إلى أن يصل إلى موقعه يحث يتم ربطه بحبل أخر مشدود إلى بكرة في الأعلى ليقوم عاملين آخرين بجره وإيصال المنتج إلى الخارج و إلى جانبهم يقوم عاملين 2بتصفيته و عزل الفحم عن خامه ثم سحقه و غربلته و ملئه في أكياس يزن كل واحد منها 75 كلغ , هكذا يستمر العمل لمدة تفوق 10 ساعات يوميا في ظروف جد بدائية , ظروف تنعدم فيها كل مقومات الحد الأدنى من السلامة الصحية ,وسائل الفحم التي كانت في ظل شركة المفاحم , عربات و سكك و كابلات حديدية مشغلة بالكهرباء أصبحت اليوم حبال و سواعد العمال . وسائل الوقاية التي كانت مشكلة سابقا من بذل خاصة العم ل و قفازات و واقي مصفي للغبار يوضع على وجه العامل و نظارات خاصة أصبحت كلها في خبر كان , يواجه العامل أو القن الحديث طبقات الأرض في الباطن و غبا الفحم الكثيف silice المسبب لداء "السيليكوز" معزولا بالكمال و الأنفاق التي كانت مسنودة سابقا بأنظمة و ركائز مانعة لانهيار طبقات الأرض داخل البئر أصبحت اليوم مشدودة بأعمدة خشبية ومهيأة للانهيار في كل لحظة أما التهوية داخل الأنفاق التي كانت خاضعة لنظام خاص لمرور التيارات الهوائية ومرفوقة بعمليات متواصلة من رش واقع العمل بالماء لمنع انتشار غبار السيليس أصبح اليوم مقتصرا فقط على إحداث ثقب بين بئرين متجاورين لضمان وصول الأوكسجين أما غبار السيليس فينتشر بكثافة و يغطي كل لفضاء العمل و يتم استهلاكه بالنتيجة بأضعاف مضاعفة عما كان الحال عليه سابقا . ينطلق العمل الساعة الخامسة صباحا و لا ينتهي إلا حدود الخامسة مساء في عمل متواصل يتم بعده استخراج كميات من الفحم الحجري حجمها يختلف حسب مهارة المنجمين و قوة عملهم و حسب عمقا البئر و طبيعة و نوع الفحم , و تتراوح عموما الكمية بين 5طن و 10طن في شكل صوبات (خليط الفحم و خامه ) حيث تخضع لعملية التصفية خارج البئر بوسائل بدائية ليستخلص منها صافي الفحم بنسبة الخمس أي في كل 10أطنان من الصوبة يستخرج طنين من الفحم الصافي فيصبح فحم صافي المستخرج يتراوح بين طن واحد وطنين . في الخارج تنتظر شاحنات ملاكي الأراضي المنجمية لسلب قوة عمل الكادحين حيث يباع الكيس من الفحم ب 25درهم أي 0.33 سم للكلغ أو 330 درهم للطن و بتقسيمه على عدد العمال يصبح أجر العامل يتراوح مابين 50درهم و 100درهم في اليوم و بحسبان الحساب لمدة 3 أشهر التي يصلها العمل في حفر البئر قبل استخراجه و التي تكرر مرارا و في العديد من الحالات و تبذل فيها قوة العمل بالمجان وبالنظر لكون مدة الاستغلال قد لا تتجاوز في أحيان كثيرة 3أشهر و في استثناءات قليلة سنة أي بمعدل 6 أشهر عمل و بتقسيم مجموع الدخل اليومي لمدة 6 أشهر على 9 أشهر كمعدل يبين أن دخل العامل اليومي لا يتجاوز في الأصل 33 درهم في 10ساعات من العمل الشاق اليومي و المميت . أما القيمة التي يباع بها الفحم من طرف الملاكين أصحاب رخص الاستغلال و التسويق فهي أكبر ب10 مرات يشتري به من العمال المنجميين . فالكيس الذي يشتري ب25درهم من العمال يبيعه الإقطاعي الجديد ب300درهم أو الطن الذي يحصل العمال على 330درهم مقابل قوة عمل استخراجه يباع 3500درهم بمعنى آخر في كل 100فيالمائة من قوة العمل التي يبذلها المنجمي يحصل منها فقط على قيمة 10في المائة من قوة عمله و 90في المائة غير مدفوعة الأجر أو في كل 10ساعات عمل يحصل العامل على قيمة ساعة عمل واحدة بينما يشتغل 9ساعات لحساب الملاكين الكبار , و بالنظر لآلاف العمال الذين يشتغلون وفق هدا النمط الجديد/القديم في الإنتاج يتبين حجم الشراء الذي يتراكم في جيوب اللصوص و البؤس في صفوف الكادحين . هذا عن جانب النهب و السلب الفظيع الذي يباشره بقايا الإقطاع و الملاكين الكبار في حق ألاف من الكادحين تحت رعاية الدولة بكل مؤسساتها و أجهزتها و أمام صمت و تواطؤ الأحزاب السياسية أما الجانب الأفظع و الأخطر و الأكثر دموية فهي ظروف و شروط العمل المنجمي الجديد . فظروف هذا العمل التي بينا سابقا ,طبيعتها المأساوية تؤدي بالعمل المنجمي الجديد إلى الإصابة بدءا السلكوز القاتل في أوقات قياسية و بنسب عالية حيث أن نسبة 25في المائة من الإصابة بهذا الداء و التي كان يصلها العامل في ظل الشركة سابقا خلال مدة عمل تفوق 10سنوات يصلها الآن القن الجديد في وقت أقل من سنتين عمل . و بما أن طبيعة مرض السيليكوز تجعل من نسبة الإصابة به ترتفع رغم توقف العامل عن العمل –فإن بلوغها 100 % أي تدمير الرئتين كليا و الوفاة بالنتيجة و التي كان يستغرق أكثر من 20سنة عند عمال الشركة سابقا بحكم استفادتهم من التغطية الصحية و التطبيب المجاني , أصبح في حالة العمال الأقنان الجدد تصل نهايتها في سنوات جد قليلة ,حيث يتوفى العديد من العمال و البقية تجر أحياءها المنهوكة بالداء في مشهد فضيع يتكرر يوميا في محل أحياء المدينة ,مشهد عهدناه في المدينة مند في المدينة منذ اكتشاف المناجم بها ,لكن بفارق مهم هو أن مرض الأمس لا يصلون هذه الحالة المأساوية في الغالب إلا بعد سن التقاعد و يستفيدون لذلك من أنظمة تمكنهم من مقاومة المرض و لو في حدود دنيا ,أما مرض اليوم فهم في الغالب شباب لم يتجاوزوا سن 30 و يصارعون الموت و أبنائهم اليتم و الجوع و التشرد يهدد عائلاتهم بدون أدنى تعويض عن هذا المصير المأساوي إلى جانب ذلك تتكرر باستمرار حوادث انهيار الأرض تحت الآبار أحيانا كثيرة تطبق الأرض على العمال فيموتون في الحين و أحيانا أخرى يتم إنقاذهم من الموت فقط عبر تدخل رفاقهم في الشغل بإمكانيات جد محدودة إلا أن هؤلاء لن يخرجوا من البئر بدون عاهات مستديمة كقطع الأرجل أو الأيد أو يكسر العمود الفقري فيصبح العامل في هذه الحالة في وضع أسوأ من الموت وأبناؤهم أسوء حلة من الأيتام . و بقية الإشارة في الأخير لتكتمل صورة الوقاحة العلنية في تحالف مصاصي الدماء مع ممثلي أجهزة الدولة محليا و إقدام هذه الأخيرة على تفويت منشآت و أوراش و مباني تقدر بملايير الدراهم كانت تابعة لشركة المفاحم سابقا إلى هؤلاء الملاكين و طبعا لن يكون نصيب أبناء الكادحين الجوعى و المهمشين أكثر من القمع و الاعتقال إذا ما رفعوا صوتهم عاليا ضد الجوع و القهر ,ضد السلب و النهب.