بقلم: محمد طارق السباعي تعتبر ظاهرة الموظفين الأشباح من أبرز مظاهر نهب وتبذير المال العام ، فهي جريمة اقتصادية تعرقل التنمية وتؤثر على مردوديتها ، وتستوجب معالجة صارمة وبإرادة سياسية قوية ، فظاهرة الموظفين الأشباح لم تكن معروفة ببلادنا الا بعد انتشار استغلال النفوذ ، والمحسوبية والرشوة وغياب المساءلة ، يستفيد من ريعها المطبعون مع الفساد والمطمئنون على افلاتهم من العقاب ، وهي ظاهرة تنمو مع غياب الديمقراطية والشفافية . الممتهنون للمهنة الشبحية لا يخشون قانونا ولا يعرفون مكارم الأخلاق من عدل وأمانة وطهر وصدق ، فهي بالنسبة لهم احاديث خرافية يتسلي بها السذج , فهم لا يخشون الله رغم بروز الزبائب علي الجباه ويمتاز هؤلاء بأن لهم مخارج من الوقوع في قبضة القانون بواسطة قريب في السلطة او الحزب او الرشوة للمسؤول . وقد استحدث هؤلاء مفاهيم للكسب الحرام بكل السبل , فأضحت مهنتهم الشبحية لا تثير غرابة ولا تحرك استنكارا , فأصبحت شيئا مألوفا بحكم العادة , وأصبح الفاسد او المفسد يُكافأ بترقيته في الوظيفة . والأدهى والأمر فالموظف الشبح يستطيع ببلادنا عزل مهندس للقناطر والطرق من المنصب ،لأنه فضح وزارة بأكملها ،ولا زال سيده يرفض ارجاع المهندس الذي انفقت عليه الدولة الملايين لعمله رغم صدور حكم نهائي وغرامة تهديدية قدرها 2000 درهم عن كل يوم تأخير في التنفيذ. وهناك من يرفض ان يكون موظفا شبحا كحال القائد يونس فنيش . الى متى ستستمر الظاهرة ؟ لقد طرح هذا المشكل إبان حكومة جطو و أكد الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة آنذاك أنه منكب على محاربة هذه الظاهرة الخطيرة بوضع بعض الإجراءات كإحداث سجل مركزي عام بكل الإدارات و إنشاء لجنة خاصة في الموضوع، وقد بلغ آنذاك عدد الموظفين الأشباح 80 ألف موظف شبح. ورغم صدور مذكرة عباس الفاسي في أكتوبر 1999 لما كان وزيرا للتشغيل المتصدية لهذه الظاهرة ، سرعان ما توقفت الإجراءات والتدابير التي اتخذها في هذا المجال بمجرد ما أصبح وزيرا أولا ،لاعتبارات يعرفها وحده . كما إن المغادرون طوعيا لم يكونوا أبدا من الأشباح . ويمكن تشخيص الظاهرة من خلال تقرير المجلس الأعلى للحسابات ، المتعلق بالجماعات المحلية والذي جاء بعدة ارقام ونماذج صارخة ،كما لاحظ في تقاريره عدم إعمال الإجراءات القانونية في حق موظفين يتغيبون بدون عذر وذلك بعدم اتخاذ الإجراءات التأديبية الواجبة في حقهم طبقا للقانون رقم 18-12 بشأن الاقتطاعات من الرواتب والمراسيم التطبيقية . ولذلك فقد تراوحت فترات الغياب بالجماعة القروية سيدي العايدي مابين 64 يوما على الأكثر وسبعة ايام ونصف اليوم على الأقل. وبلغت نسبة الغياب 20في المائة بالجماعة القروية لأهل انجاد –وجدة وبلغ عدد الموظفين الأشباح التابعين للجماعة الحضرية لمراكش 90 موظفا وعونا أغلبهم أقرباء للمنتخبين السابقين ومسؤولين بالمدينة. فعد م ضبط العدد الحقيقي لموظفي الجماعة الحضرية للرباط جعل 703 موظفا تتحمل ميزانية الجماعة رواتبهم في عهد البحراوي ، كما تم ضبط ممارسة 177 موظفا وعونا بإدارات أخرى غير تابعة للجماعة بشكل يخالف المقتضيات القانونية الجاري بها العمل . كما أن مهندسا باحدى الجماعات قدم استقالته سنة 2005 وغادر العمل دون موافقة وزير الداخلية في حين مازال يتقاضى راتبه من ميزانية الجماعة رغم أنه لا يقدم لها اية خدمة . ويوجد أكثر من 190 موظف شبح بالجماعة الحضرية بتطوان، يتلقون شهريا رواتب من مالية الجماعة، بعضهم خارج أرض الوطن منذ أكثر من 5 سنوات، و تم وضع 18 موظفا وعونا جماعيا رهن مصالح أخرى غير تابعة للجماعة الحضرية لعين تاوجدات.وبلغ مجموع الراتب الشهري لهؤلاء 76354.37 درهم مما يؤكد غياب التأطير بشكل قانوني . ان فضيحة تطوان لازالت اصداؤها تتردد في جميع الاصقاع دون عقاب المسؤولين عنها ، فظاهرة الموظفين الاشباح تكلف بتطوان وحدها مليار سنتيم سنويا، تمنح كرواتب شهرية لهؤلاء الموظفين الأشباح واللائحة تضم زوجات مسؤولين وقواد وباشا، وأقرباء وقريبات لبعض نواب الرئيس، وأخوات لرؤساء المصالح، وآخرون يزعمون انتسابهم لنقابات محلية و فرق رياضية، بالإضافة إلى موظفين أشباح يتواجدون خارج التراب الوطني، في كل من إسبانيا،وسويسرا، وآخرون خارج تراب مدينة تطوان. لقد حان الوقت لفتح ملف الموظفين الأشباح في جميع الإدارات العمومية والذي يعتبر استخلاص رواتبهم شهريا "نهبا فظيعا للمال العام" فوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي تؤدي أجور( ألفي إطار2000 ) لا يؤدون عملهم ، ويتقاضون الأجور "بلا حشمة أو حياء"، والهدر المدرسي سائر في الاستفحال ولازلنا في القرن الواحد والعشرين ننتظر حلولا لمشكلة الفقر. ان معدل التوظيف بالجماعات وصل إلى 5000 موظف في السنة، ويعرف الزبونية وبيع المناصب، وعدم تنظيم المباريات. ولهذا لا نستغرب وجود العديد من الموظفين الأشباح بالجماعات المحلية. وقد سبق لوزيرة الشبيبة والرياضة نوال المتوكل ، أن طالبت من العدائين والعداءات السابقين، الذين يشغلون مناصب إدارية في الوزارة بأن يلتحقوا بأماكن عملهم، أو يقوموا بإجراءات إدارية إما لوقف صرف رواتبهم، أو الاستقالة أو الالتحاق بالجمعيات الرياضية. طبقا لمذكرة وجهتها الوزيرة، في هذا الصدد و حسب هذه المذكرة، اعتراف صريح بوجود موظفين أشباحا في وزارة الشبيبة والرياضة، حيث يتلقون رواتبهم الشهرية دون الحضور إلى الوزارة وأداء مهامهم. فأكيد أن الدولة لها إحصاءات مدققة عن عدد الموظفين الأشباح و المجلس الأعلى للحسابات ضبط عددا من المستفيدين من أجرين من مالية الدولة، وهو ما يتناقض مع القوانين التي تمنع الجمع بين أجرين، وقد كانت وزارة الشبيبة والرياضة تقوم بتوظيف العدائين كنوع من الدعم لهم في بداية مشوارهم الرياضي، لكن كثيرا من هؤلاء أصبحوا فيما بعد أثرياء ويصنفون في خانة رجال الأعمال. حالة الموظفين الأشباح بالأقاليم الصحراوية؟ إن معالجة ملف الصحراء المغربية كان فيه خلل منذ البداية. فالمغرب بعد استرجاع صحرائه وقع في عدة أخطاء، فأول عامل بالصحراء قال امام الملأ بفندق باردور:( من اراد أن يبقى من الصحراويين فأهلا وسهلا ومن أراد الرحيل فان أرض الله واسعة ) واستمر مسلسل الأخطاء ،والتي كانت سائدة بالمغرب المستقل ، بشراء النخب وتدجينها والاعتماد عليها في تسيير شؤون البلاد دون تطبيق معايير الكفاءة والجدارة ، وتم تأسيس مجالس صورية ولدت ميتة وبتكلفة عالية منهكة لخزينة الدولة ، فالتوظيفات كان يطبعها جبر الخواطر دون دراسة للمردودية ، حيث ظل العديد من الموظفين لا يتقنون الا التسكع والاهمال. وانتشرت مخيمات الوحدة وظلت لسنوات دون طائل تصرف عليها الدولة ازيد من 64 مليار سنتيم سنويا، وهي اموال تهدر من أجل تربية مواطنين مغاربة على الاتكال والكسل بالإضافة الى العواقب الوخيمة التي نتجت جراء ايقاف هذا الكرم الحاتمى الذى راكم بموجبه مسؤولون ونخب صحراوية ثراء فاحشا وبلا سبب . ولقد كان إدريس البصري حريصا على الابقاء على هذه البقرة الحلوب.والصحراويون يعيشون على اوهام عطايا البصري وزبانيته في حين تم تهميش حملة الشهادات الجامعية ،فأزيد من 64 مليار سنتيم سنويا كانت تصرف في مواد استهلاكية على آلاف المغاربة الذين لا يعملون أي شئ وشغلهم الشاغل هو انتظار ما سيتوصلون به من طرف الدولة ليأكلوا نصفه ويبعوا النصف الاخر فمنذ سنة 1990 والدولة تبذر هذه الاموال وتربي روح الاتكال والخمول في نفوس جزء من المغاربة فباسم الوطنية تهدر اموال المغاربة ولا مسؤول واحد يقول:" اللهم ان هذا منكر. أين صرامة القانون؟ حان الوقت لمعالجة ظاهرة الموظفين الأشباح بالقانون فظاهرة الموظف الشبح' بالمفهوم الإداري ليست إلا تركا للوظيفة بالنسبة للموظف المعني بالأمر دون أي مبرر قانوني. وبالنسبة لموظفي الجماعات المحلية التي تتمتع كما هو معروف باستقلال إداري ومالي فإن الآمرين بالصرف لهم كامل الصلاحية لتطبيق المساطر القانونية في هذا الباب للتصدي لهذه الظاهرة، ويلاحظ أن المغادرة الطوعية لم يستفد منها الموظفون الاشباح ، ويمكن للجماعات المحلية أن تسير بربع موظفيها حاليا، على اعتبار أن ثلاث أرباع الموظفين لا يجدون مكاتب وكراسي كما قال شكيب بنموسى في احدى مداخلاته بالبرلمان . فاذا كان المغرب موحدا فلا مجال للقول بالخصوصية ، ان خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال 34 للمسيرة الخضراء واضح ولا غبار عليه فقد ولى زمن ازدواجية المواقف ، فإما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي، فلا منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن". ولذلك فمن يدعو للسكوت على هذه الآفة المستشرية لايمكن وصف سكوته الا بالشيطان الأخرس بل بالمارق والفاسد ،وخائن الأمانة وعلى الدولة والسلطات محاسبته طبقا للخطاب الملكي فاكبر خصم للديمقراطية ببلادنا هو من يدعو إلى استمرار تكريس ظاهرة الموظفين الأشباح فتلك هي الخيانة العظمى . فظاهرة الموظفين الأشباح والامتيازات والإكراميات واقتصاد الريع كارثة وطنية تتعارض مع ما صادق عليه المغرب من اتفاقيات دولية وخاصة منها اتفاقية الأممالمتحدة لمحاربة الفساد ومدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين والتي تنص مادتها الأولى على أن الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، في جميع الأوقات، يجب أن يؤدوا الواجب الذي يلقيه القانون على عاتقهم، وذلك بخدمة المجتمع وبحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية، على نحو يتفق مع علو درجة المسؤولية التي تتطلبها مهنتهم. الموظفون الأشباح أعداء للديمقراطية ومالهم سحت ظاهرة الموظفين الأشباح مرتبطة بغياب الديمقراطية فحينما يقبل السياسيون الظاهرة باستفادة اتباعهم من مناصب شبحية يصبحون عاجزين عن معالجة الظاهرة وهذا هو التواطؤ المكشوف وفي ذلك أكبر خيانة للوطن ، وبالرجوع لمقتضيات الفصل 7 من مدونة سلوك الموظف العمومي الملحقة باتفاقية الاممالمتحدة لمحاربة الفساد حيث جاء فيه :"يمتنع الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين عن ارتكاب أي فعل من أفعال إفساد الذمة. وعليهم أيضا مواجهة جميع هذه الأفعال ومكافحتها بكل صرامة" فحينما تعلم الحكومة والبرلمان ، بأنهما يغذيان الآلاف من الموظفين الأشباح من أموال الشعب ، وعندما يتحقق لهما العلم اليقيني بأن ذلك فيه حرمان للملايين من حقوقهم في العلاج والسكن اللائق والعمل فتلك هي الخيانة العظمى وعدم الولاء للشعب الذي ائتمنهما على تسيير شؤونه ،وحينما تعلم الحكومة بأن الموظفين الأشباح ناهبون للمال العام ، ولم تطبق في حقهم صرامة القانون يستوجب الامر تقديم الاستقالة أو الاسقاط عبر ملتمس للرقابة أو حل البرلمان اذا عجز عن القيام بمهامه . ان الموظفين الاشباح يأكلون المال السحت يقال مال فلان سحت أي لا شئ على من استهلكه، و دمه سحت أي لا شئ على من سفكه، و اشتقاقه من السحت و هو الإهلاك و الاستيصال، و السحت : الحرام الذي لا يحل كسبه.ننتظر أن يأتي يوم نقول فيه للموظفين الأشباح: استعدوا يا أشباح هذا الوطن فنهايتكم إن شاء الله ستكون قريبة . رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب