الحديث عن تفشي الرشوة في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص، لم يعد حديث المعارضة والصحافة، بل صار جزءا من الخطاب الرسمي للدولة، وهكذا، أعلن الملك محمد السادس عن الحاجة لمحاربة الرشوة والفساد والريع، في خطابه الأخير، كما أقدم على تعيين أحد مؤسسي جمعية ترانسبارانسي المغرب رئيسا لهيئة محاربة الرشوة. ومع تزايد معدلات الرشوة في المغرب، تراهن جمعيات المجتمع المدني على الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة، التي تم تعيين عبد السلام بودرار رئيسا لها، لتلعب دورا في الحد من الظاهرة. وحسب رشيد الفيلالي المكناسي، رئيس جمعية ترانسبارانسي المغرب، فإن المغرب لم يختر النموذج الأفضل لمحاربة الرشوة، والمتمثل في إحداث هيئة مستقلة لمحاربة الرشوة على غرار بعض الدول المتقدمة مثل بريطانيا وهونغ كونغ، حيث تسند إليها «دور التقصي والمتابعة القضائية، ويعترف لها بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي»، ومع ذلك، قال الفيلالي ل«المساء» إن التجربة التي اختارها المغرب يمكنها أن تثمر نتائج إيجابية إذا تم تفعيلها، خاصة أنه رغم أنه ليس للهيئة حق التقصي إلا أنها يمكن أن تجمع المعلومات بشكل إجباري من الإدارات، وقال: «الهيئة ليست عبارة عن مكتب لتلقي الشكايات، بل هي عبارة عن مكتب للدراسات حول الرشوة، وتلعب دور التحسيس واقتراح البرامج على الحكومة»، وأكد الفيلالي أن جمعيات المجتمع المدني يمكنها أن تلعب دورا من داخل الهيئة، من خلال تمكنها من قناة لإيصال شكاوى المواطنين، وطلبها معلومات من الإدارات من خلال الهيئة». ومن جهته، أكد طارق السباعي، رئيس جمعية حماية المال العام، أن الهيئة الجديدة لها فقط صبغة استشارية، ولا يمكنها أن تتدخل في القضايا المرتبطة بالمتابعة في قضايا الرشوة، لكنه قال: «نعول على رئيس الهيئة المعروف بتجربته الجمعوية في مجال محاربة الرشوة من أجل تفعيل ثقافة حماية المال العام»، وأَضاف: «أول شيء سنقوم به في الهيئة هو مطالبتها بإجراءات لحماية كاشفي الرشوة والفساد، لأن التجربة بينت أنه كلما كشف أحد الموظفين عن الفساد فإنه يتعرض للعقاب» أما عن دور الهيئة، فقال السباعي: «سيكون على الهيئة إصدار تقرير وتوصيات، ولذلك فإن على الحكومة الامتثال لهذه التوصيات وخاصة وزارة العدل، كما ستكون الإدارات العمومية في المحك في ما يخص مد الهيئة بالمعطيات». ويؤثر انتشار الرشوة سلبا على النمو الاقتصادي، فحسب الفيلالي، فإن باحثا أمريكيا أجرى دراسة مؤخرا أظهرت أن المغرب يضيع حوالي مليار ونصف مليار دولار بسبب الرشوة، أي ما يمثل 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام. ولمعرفة حجم تأثير الرشوة على الاقتصاد، يفيد خبراء منظمة ترانسبارانسي بأنه إذا انتقل تنقيط المغرب من 3.5 على عشرة إلى 4.5 أو 5 على عشرة، فإنه يمكن للناتج الداخلي الخام أن يزيد بما بين 1.5 نقطة ونقطتين. وحسب البنك العالمي، فإن غياب الحكامة التي يؤشر عليها استفحال الرشوة واستغلال النفوذ يفقد البلدان ما بين 1.5 و2 في المائة من دخلها القومي. ويحتل المغرب مراتب متأخرة في ما يخص الرشوة، ففي سنة 2005، احتل المغرب الرتبة ال78 ليحصل على 3.2 على عشرة في الترتيب الذي تضعه منظمة ترانسبارانسي الدولية حول الرشوة في العالم، وتبوأ الرتبة ال79 وحصل على 3.5 على عشرة في سنة 2006. العدل والصحة والدرك الأكثر رشوة حسب رشيد الفيلالي، رئيس ترانسبارانسي، فإن القطاعات الأقل شفافية وغير الخاضعة للمراقبة تكون عادة مرتعا للفساد والرشوة، مثل قطاع الجيش والمرافق السيادية، لكن بعيدا عن هذين المجالين، قامت ترانسبارانسي بدراسة شملت 1000 رب أسرة وجه إليهم سؤال حول ما إذا كانوا هم أو عائلاتهم أعطوا رشوة خلال 12 شهرا الماضية، فكان جواب 60 في المائة منهم إيجابيا، وكانت القطاعات التالية هي الأولى في الترتيب، وهي: العدل، الصحة، الدرك، الشرطة، المصالح البلدية. وذكر 64 في المائة من أرباب الأسر الذين شملهم التحقيق أن وضعية الرشوة لم تعرف أي تغيير بالمغرب، واعتبر87 في المائة من أرباب الأسر أن الرشوة تعتبر إحدى الظواهر التي يعاني منها المغاربة، بعد البطالة وتكلفة المعيشة. وفي استطلاع لأرباب العمل، أجاب 30 في المائة منهم بأنهم لا يشركون في الصفقات العمومية بسبب الرشوة المنتشرة. ويرى أرباب المقاولات أن الرشوة تأتي في المرتبة الثانية بعد الضريبة في سلم العوائق أمام التنمية الاقتصادية. ويعزو بعض المغاربة الرشوة إلى غياب العقاب والرغبة في جمع الأموال بسرعة، ويردها البعض الآخر إلى تدني مستوى أجور موظفي المصالح الإدارية.