أدت ثمنها بعد 12 سنة من الانتظار والعذاب والمعاناة بوجدة "إن هؤلاء المسؤولين يتلذذون بتعذيبنا ويتغذون من معاناتنا وآلامنا... إن هؤلاء سادِيُون بمعنى الكلمة وبدون مبالغة، ويتلاعبون بأرزاقنا وبمشاعرنا وأطفالنا وعجائزنا..." بهذه العبارات وصف أحد المحتجين الواقفين وضعيتهم وهو يصرخ ضمن مجموعة من السكان المتضررين من عبث قرارات المجلس البلدي للجماعة الحضرية لمدينة وجدة، ثم يضيف قائلا:" لقد كذبت علينا رئاسة المجلس البلدي بعد أن وعدتنا بكل شيء إلا بإنهاء أشغال إدخال شبكة الماء وشبكة الكهرباء للعمارة؛ رغم أننا أدينا كل ما علينا وغرقنا في القروض البنكية وما زلنا نكتري بيوتا خربة ونكتوي بواقعنا المُر منذ أكثر من 11 سنة..."، ثم يصيح مواطن آخر " إنها جريمة ترتكب في حق 63 أسرة بحي التقدم بوجدة... ولم يبق لنا الآن إلا أن نوجه نداءنا لصاحب الجلالة محمد السادس بعد الله، هو الوحيد الذي يمكن أن ينصفنا إذ لا نطلب شيئا إلا استلام شققنا التي اقتنيناها بعرق جبيننا على حساب قوتنا اليومي وقوت أسرنا...". أما عجوز تجاوز عمرها الثمانين فلم تعد قادرة على الكلام، بل حتى على المشي لكن حضرت جالسة على كرسيها لتحتج وتستنكر، موجهة أصبعها إلى السماء مرددة بصوت خافت " الله يأخذ فيهم الحق ويخلصهم..." فيما كانت تردد أخرى "الله يخلصهم ... عيينا عيينا، مشيت حتى الرباط وما كين والو ... جبنا دوزيم وما كاين والو، ولكن كاين الله... كاين الله... كاين الله...". قام مجموعة من السكان أصحاب شقق العمارة حديثة البناء المتواجدة بحي التقدم بمدينة وجدة، منهم نساء وعجائز ورجال وأطفال، في حدود الساعة الثالثة من عشية يوم الأحد 7 شتنبر الحالي، بتنفيذ وقفة احتجاجية بعد أن يئسوا من التماطل والتجاهل والوعود الكاذبة التي أمطرتهم بها رئاسة الجماعة الحضرية لمدينة وجدة، بعد أن كانت التزمت بها في عدة مناسبات أمام التلفزة، وأمام السلطة المحلية وأمامهم لكن بدون نتيجة، حيث ما إن تنته من وعودها حتى تغيب وتتنصل منها بل تتنصل حتى من التزامات المجلس البلدي مع المقاول صاحب مشروع بناء العمارة والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والمكتب الوطني للكهرباء، كما لم تستطع السلطة المحلية فعل شيء رغم اطلاعها على الملف واطلاعها على الوضعية المزرية للمنتظرين من أصحاب الشقق" المصادرة" من طرف المجلس البلدي بدون وجه حق، ورغم الوعود المقدمة على حل المشكل بصفة نهائية بعد شهرين في ماي الماضي، ورغم الوقفات الاحتجاجية ورغم التوسلات والاستعطافات ورغم الطلبات ... لاشيء ولاشيء... تدخل العمارة في إطار مشروع " تنمية 2" الذي أعطيت انطلاقته سنة 1996 بحي التقدم/ سيدي إدريس القاضي بوجدة، وهو المشروع الذي تم بموجبه إنجاز 63 شقة في إطار السكن الاجتماعي بكلفة 1600 درهم للمتر المربع الواحد، استفاد منها 63 مواطنا منهم من ذوي الدخل المحدود، من شقق تراوحت مساحتها ما بين 71 مترا مربعا، و96 مترا مربعا. انتهت الأشغال وأنجزت العمارة بشققها ال63 ولا ينقصها إلا الربط بشبكة الماء وشبكة الكهرباء، لكن هي الآن مغلقة وممنوعة على أصحابها الذين أدوا ثمنها بعد أن اقترضوا مبالغ مالية يؤدونها على مدى سنين طويلة من قوت أسرهم. يرفض المقاول صاحب المشروع تحريرها وتسليم المفاتيح لأصحابها رافضا ربط العمارة بشبكتي الماء والكهرباء بعد أن طالبته الوكالة المستقلة للماء والمكتب الوطني للكهرباء بتحمل تكاليف دراسة مشروع الربط، وإقامة الجهاز الموزع الكهربائي بالحي لكونه لم يتم الاتفاق على ذلك مع المجلس البلدي، مع العلم أن المجلس البلدي للجماعة الحضرية لمدينة وجدة هو الذي يُعدُّ الراعي للمشروع بحكم مسؤولية المجلس البلدي الطرف البائع للشقق، والذي ينص على ذلك في عقد البيع المحرر بين الأطراف الثلاثة المبينين" رئيس الجماعة الحضرية لوجدة والمواطن المقتني للشقة والبنك". " من يتحمل المسؤولية ؟ كيف يُطلب منا أن نتحمل بأنفسنا تكاليف ذلك وهي بعشرات الملايين من السنتيمات.. .إنهم يريدون مصادرة أرزاقنا وإعدامنا، وإعدام أسرنا ضداًّ على القوانين والأعراف..." يصيح أحد المتضررين ثم يستطرد قائلا " واش هذا معقول ومنطقي أن ننتظر 12 سنة أو أكثر حتى نتسلم شققنا مع أننا أدينا الثمن بعد أن اقترضنا المبالغ من الأبناك وما زلنا نكتري بيوتا جد متواضعة، وكاين اللي باع حوايجو؟". كان من المفروض الانتهاء من الأشغال بعد سنتين، أي مع نهاية سنة 1999 وتسليم الشقق لأصحابها الذين اقترضوا من الأبناك عشرات الملايين من السنتيمات تقتطع من أجورهم البسيطة، إذ أغلبهم من ذوي الدخل المحدود، مع العلم أنهم احتفظوا ببيوت الكراء أملا في إنهاء المعاناة بعد السنتين؛ لكن المجلس البلدي للجماعة الحضرية بمدينة وجدة الساهر على مصالح السكان، حكم على هؤلاء المغلوبين على أمرهم بأكثر من 12 سنة من المعاناة والقهر والغبن والتقشف والجوع، ولا أحد يعلم إن كان لمعاناة هؤلاء نهاية. يعيش أغلب هؤلاء المواطنين في أوضاع مزرية من الفقر والعوز والحاجة جراء الديون والقروض التي اضطروا إليها في وقت من الأوقات طمعا في الحصول على مأوى يمنح شيئا من الدفء للأسرة... لا يطلب هؤلاء المتضررون من المسؤولين غير الوفاء بوعودهم، وتمكينهم من شققهم قبل وفاة العديد من عَجَزَتهم ، بعد أن وفَّوا هم الفقراء بعهودهم مع المجلس البلدي، وشرَّفوا عقودهم بتأدية مبالغ مالية بذمتهم ثمن شققهم من خبز أطفالهم...لا يطلب هؤلاء من المسؤولين إلا فك الحصار عن شققهم التي تم رهنها بدون موجب حق وليس لهم فيها يد... لا يطلب هؤلاء أكثر من تسليمهم أعشاشهم المعلقة التي بنوها قشة قشة من ألبستهم وأفرشتهم ...لا يطلب هؤلاء من المسؤولين الذين وضعوا فيهم ثقتهم وأوكلوهم السهر على مصالحهم إلا وضع حد لعذابهم، ورفع معاناتهم ومعاناة أسرهم وأطفالهم التي تسببوا فيها ...