الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين: عصر جديد في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية        إدانة اليوتيوبر إلياس المالكي بالحبس النافذ والغرامة بتهمة الإخلال بالحياء العام    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    طنجة : حريق مهول يلتهم معملا للنسيج بمنطقة المجد في طنجة+ فيديو    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    وجبات "السيبيا" ترسل أزيد من عشرة أفراد للمستعجلات في اشتوكة    المعارضة: السيادة الصناعية "شعارات"    مشروع قانون المالية 2025.. لقجع يتحدث عن إعفاء الأجور التي تقل عن 6000 درهم من الضريبة    الصحافة الإسبانية تشيد بإبراهيم دياز بعد تسجيله هاتريك مع أسود الأطلس        بشكل مفجع.. وفاة طالب بين مدينتي العرائش والقصر الكبير تحت عجلات حافلة للنقل العمومي    رئيس الحكومة: الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس "طنجة تيك"    المؤامرة الجزائرية الجديدة.. زعزعة استقرار موريتانيا ومالي لتحقيق الوصول إلى الأطلسي    بعد 20 عاماً من الغياب.. لمريني يشرف على أول حصة تدريبية على رأس الإدارة الفنية لهلال الناظور    أكادير تحتضن تخطيط "الأسد الإفريقي"    "برلمان الطفل" يحتفي بربع قرن من الالتزام المدني وتربية القادة الشباب    قيمة رساميل الاستغلال للمشاريع الصناعية المُصادق عليها بلغت 140 مليار درهم مابين ماي 2023 ونونبر 2024 (أخنوش)        المدور: المغرب من الدول السباقة في مقاربة محاربة الفساد وحقوق الإنسان    أونشارتد: أحدث العروض التوضيحية المفقودة تراث عرض الكنز الصيد ديو في المزامنة    وضع الناشط المناهض للتطبيع إسماعيل الغزاوي رهن تدابير الحراسة النظرية    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    درك أزمور يحبط محاولة للهجرة السرية    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    حكيمي يبتغي اعتلاء العرش الإفريقي    لافروف يحذر الغرب من النووي الروسي    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    الإعلام الإسباني يتغنى بتألق ابراهيم دياز رفقة المنتخب المغربي    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    من حزب إداري إلى حزب متغول    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم        حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    في تأبين السينوغرافيا    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غلاًب و المغلوبون و الغالب الله 2-2
نشر في وجدة نيوز يوم 07 - 10 - 2010

غلاًب و المغلوبون و الغالب الله 2-2 مدونة السير: قوانين جديدة بعقليات قديمة و تحديات جسيمة
مخاضات مقال أسبوعي يكتبه رشيد شريت خاص و حصري بموقع وجدة نيوز
إن نجاح مدونة السير مرتبط بالعامل البشري قبل العامل الميكانيكي أو حتى الطرقي و إن كانا هذان الأخيران لا يقلان أهمية من العامل الأول.و هنا و جب التفصيل في نقطتين بالغتي الأهمية:
الأولى :و متعلقة بنزاهة و شفافية القائمين على تطبيق القانون و المقصود بهم رجال شرطة المرور داخل المدار الحضري و رجال الدرك خارج المدار والحقيقة أن الواقع و التراجع الكبير الذي يعرفه المغرب على مستوى الشفافية و انتشار الرشوة و بشهادة تقارير وطنية و دولية لا تبعث على الارتياح.رغم الاستفاقة المتأخرة حيث كثرت في الآونة الأخيرة مسطرة إقالة رجال الأمن و الدرك..و لكنها متأخرة جدا جدا " و حتى فات الفوت"، و ما قناص تراجسيت و عدد من المناطق كاشفوا عورات عدد من رجال الدرك المرتشين منا ببعيد ؟
ثم ماذا عن إصلاح نظام التأمين ؟و الكل يعرف أن التأمين في المغرب هو مجرد إجراء احترازي و وقائي لا غير. و أنه في حالة تعرض صاحب التأمين لحادثة من الحوادث فعليه أن ينتظر عقودا من الزمن و ليس سنينا، لكي يصرف له في الأخير مبلغا ماليا لا يسمن و لا يغني من جوع !فماذا يا ترى عن إصلاح و معالجة هذا الملف الشائك الذي له علاقة مباشرة بالمدونة و بالحوادث و مخلفاتها؟
و من جهة أخرى و على ذكر الساهرين على تطبيق القانون،فعليهم أن يعطوا القدوة على احترام القانون و هيبته.و هذه نقطة سوداء سواد الليل البهيم،انطلاقا من المثل القائل " من نفسك فابدأ".فكم هم المسؤولون الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون.فلا حزام للسلامة و لا تخفيف للسرعة....أما على مستوى الوثائق الخاصة بالسيارة فالطامة كبرى و كبرى بجميع المعايير، و يكفي أن نقول أنه من نادرة النوادر أن ترى مثلا شرطيا يمتطي دراجته النارية واضعا خوذة على رأسه – أكيد نحن لا نعمم المثال -
و هنا نطالب بإعطاء القدوة أولا قبل إعطاء المواعظ و النصائح لعامة المواطنين.و أؤكد أن هناك في المغرب من يظن جازما بأنه فوق القانون طالما هم في موقع المسؤولية.و المؤسف أن هذه العدوى قد انتقلت إلى أبنائهم و ذويهم و جيرانهم ومعارفهم .فبمجرد ما يوقف شرطي مرور سائق ما و لو من باب المراقبة العادية من دون أن يكون قد ارتكب مخالفة.فالعبارة معروف "واش ما عارفش معا من راك تتكلم؟ أنا ولد خو سي فلان.....أو علان " و عوض أن يخرج السائق رخصة السياقة ،يخرج الهاتف النقال من اجل الاستنجاد بأحد من الشفعاء .و طبعا لا تنتظر الكثير من شرطي المرور فلا طاقة له على التوبيخ من أعلى و بعبارات لا أسمعكم الله إياها من قاموس التوبيخ و الشتم و التي يتففن عدد من علية القوم في إتحاف من هم أدنى مرتبة منهم.بل إنه قد يتعرض لصفعة قوية من صفعات أمثال صفعات مريم بن جلون أو يطلق عليه الرصاص كما فعل السيد اليعقوبي. و هنا لا نعيب على رجل الأمن و المرور تساهله و غضه الطرف لأنه مغلوب على أمره.!و لماذا نذهب بعيدا إلى المركز و نترك ما حدث عندنا منذ سنوات عندما عربدت ابنة مسؤول كبير رفقة زميل لها بمركبتيهما داخل الجامعة و تحديدا بالقرب من كلية الآداب و أردت طالبة قتيلة فضلا عن عدد من الجرحى و مع ذلك عوملت الجانية معاملة استثنائية بكل المقاييس و انتهى الأمر ....
إننا نحتاج إلى أن يطبق القانون على الجميع و يبدأ بهم أولا على اعتبار أنهم الواجهة و حماة القانون و أن نقلص من الزبونية و العنجهية الفارغة و التعالي النرجسي المرضي عن القانون و الضوابط الأخلاقية .الذي ابتلي به الفقير قبل الغني و المواطن البسيط قبل المواطن من الدرجة الأولى و المواطنة في المغرب درجات .
أما المسألة الثانية فهي الحالة الكارثية لطرقنا،و هذه مرتبطة أصلا بطبيعة الصفقات التي تعقد و مراقبتها و جودتها و السهر عليها.و طبعا ملف الصفقات ملف يحتاج إلى تفصيل لأنه فعلا أحد المشاكل العويصة بالمرفق العمومي.علاوة على طبيعة الدراسات القبلية للمشاريع...
و نفتح هنا قوسا حول خصوصية مدينة وجدة،و التي تتجلى في عربدة قوافل دولة المقاتلات. فقد أضحى لهم دولة تصول و تجول بالليل و النهار،مكونة من أساطيل من السيارات التي تعربد من دون رقيب و لا حسيب،و أمام أعين الجميع.لذا نقف وقفة استفهام كيف سيتم تطبيق المدونة على أسطول المقاتلات؟أم هل سيتم البدء بالمواطن العادي و تستثنى هذا الفئة العريضة؟ و ما هي مقاربة وزارة النقل و التجهيز في هذه النقط بالذات رفقة مصالح المرور و الدرك و المصالح الأخرى المعنية؟
ثم ننتقل إلى بعض الملاحظات الأخرى المهمة و المتعلقة بالمدونة.و تلك الخاصة بالإجراءات الإدارية عند خصم النقط و ما يتطلبه من عمل استثنائي، من توفير أطر و كفاءات و يد عاملة مدربة جديدة،تتوزع على المصالح المعنية من مراكز شرطة مرورية و محاكم و إدارة التجهيز و المحاجز.و يكفي الرجوع إلى نصوص المدونة حول المساطر. لنقف على الأعباء الجديدة التي أنيطت بها هذه المصالح.و التي من دون مدونة لم تكن أحسن حالا فما بلنا إذا أضيف مهام جديدة و معقدة و محددة بظرف زمني لا يتعدى الأسبوعين.
و اسألوا المواطن العادي الذي تعرض لحادثة كم من الوقت ومن الاتصال يلزمه لكي تتكرم عليه مصلحة حوادث السير من أجل إجراء المعاينة.ففي أفضل الأحياء تبقى حركة السير معرقلة ساعة أو ساعتين إلى ثلاث ساعات من أجل يصل رجال المصلحة.فلو كانوا يقطعون المسافة مشيا على الأقدام من الحي الصناعي إلى أبعد نقطة بالمدار الحضري بوجدة لوصلوا في أقل من نصف ساعة.و هنا نسأل السلطات المعنية عن الإجراءات الكفيلة من أجل تعويض هذا النقص؟
أما عن سيارة الإسعاف و التي هي عامل خفي مركزي في ارتفاع عدد القتلى،و ذلك لأنها لا تتكرم و تحضر على وجه السرعة حتى ينزف المصاب و يلقى حتفه و يلفظ أنفاسه.أما عن التجهيزات الضرورية التي من المفترض أن تتوفر عليها سيارة الإسعاف فلا تسأل.فتكاد تكون مهمة سيارة الإسعاف هي نقل الموتى الذين يرتاحون من الانتظار و من ألم النزيف.....
و هذه حقيقة غير مبالغة،و إنني أكاد أجزم أن 10% من الحالات النزيفية الخطيرة،أو أزيد من ذلك كان من الممكن أن لا يلتحق أصحابها بمقابر الشهداء أو الروضة و سيدي يحي، لو أن الإسعافات قدمت في الحين .أما ما ينتظر من أسعفه القدر و وصل إلى المستشفى "كالفاربي" مثلا ففي أحسن الأحوال سوف يجد جهاز السكانير معطلا مكتوب عليه يافطة معطل ريثما يتم جلب قطع الغيار من الولايات المتحدة الأمريكية.و اسألوا عائلة الشيخ مبطيل رحمه الله.ثم بعد هذا يقال في الأخير مات فلان بحادثة سير.و الحقيقة أنه مات نتيجة حادثة سير أولا؛ تم تدخل متأخر لسيارة الإسعاف ثانيا؛ و انتظارا في المستعجلات ثالثا؛ و تعطل الجهاز رابعا ؛و خامسا....
- و من النوادر المضحكة فعلا التي تخبرنا بها المدونة ، تخصنا نحن ساكنة وجدة بالدرجة الأولى ،نحن الملوعين على المشي في الطريق عوض الرصيف إن حدث و وجد شيء اسمه لأنه . كما الحال أمام باب سيدي عبد الوهاب و قهوة البدوي وعدد من الأماكن لا يوجد فيها أصلا شيء اسمه رصيف بالمرة ، بل إن مرتادي المقاهي و المتاجر لا يكتفون باحتلال الرصيف بل يتعدونه إلى ما بعد الرصيف حين يرصون دراجتهم النارية و العادية، الشيء الذي يحول الراجلين إلى مركبات آدمية تزاحم باقي المركبات الحديدية الطريق .هذا علاوة على عدد من العوامل الأخرى التي جعلتنا لا نأبه بين الفرق بين الرصيف و الطريق و كيفية قطع الطريق و غيره .و للبشرى فقط فليس الوجديون وحدهم من يتميزون بهذه الميزة بل إننا نجد السلوك نفسه و يتعداه ،في عدد من المناطق،إذ مثلا في جزيرة سيسيليا بجنوب إيطاليا معقل المافيا، جل السيارات هناك يظهر عليا أثر احتكاك واصطدام ما،و هي العلامة المميزة بين أبناء المنطقة و غيرهم من القادمين من جهات أخرى.نتيجة الفوضى الطرقية العارمة.
إن ما أتحفتنا به المدونة نحن الوجويون،و هي تلك التي البنود الخاصة بالعقوبات على الراجلين في المادة 94 من باب الغرامات.
- يجب على كل راجل عند استعماله الطريق العمومية.
- اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب كل خطر سواء على نفسه أو على الغير.
- التقييد بقواعد السير الخاصة المتعلقة به والمحددة بهذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه.
- الامتناع عن كل عمل يمكن أن يلحق ضررا ببيئة الطريق.
و إلا – و ما أدراك ما إلا - واجهتهم المادة 187 من قسم العقوبات التي تنص على أنه :"يعاقب بغرامة من عشرين (20) إلى خمسين (50) درهما عن كل مخالفة لقواعد السير المقررة تطبيقا للمادة 94 أعلاه"
طبعا لا ينص القانون على طريقة المشي فوق الرصيف أو اجتياز الطريق عبر الممر المخصص لذلك و لكنه ضمنيا يفهم منه ذلك
"الله الله سلكناها مع الحديد نسلكوها مع بنادم ؟ "
و عموما إن تنزيل القوانين فوقيا من دون مراعاة البنية الاجتماعية و التحية للمجتمع المغربي و استحضار مقاربة شمولية عامة.ينطبق عليه قول الشاعر.
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
و الخلاصة أننا نواجه مشاكل بنيوية و ليست سطحية بسيطة ينفع معها استصدار قانون ما ،بل إن حلها يتطلب مراجعة أنساق سياسية و اجتماعية و اقتصادية و فكرية متشابكة لارتباط بعضها بعضا في حلقة مجتمعية شديدة التعقيد.فالمجتمع لم يعد مثل ذي قبل يسهل تأطيره و تعبئته بسهولة،و لكنه شبكة كما يصف مهندس الأفكار مالك بن نبي رحمه الله.و يزاد التعقيد مع التطور التكنولوجي المعرفي الهائل.فلم تعد الدولة بهيلمانها الوحيدة المتحكمة في تأطير الناس وفرض رؤاها فرضا كما في السابق،و من كان يظن كذلك فلا شك أنه خارج دائرتي الزمان و المكان.
أملنا أن تحقن دماؤنا على الطرقات و يتقلص النزيف الحديدي الأحمر.في معادلة لا يكون فيها السيد الاستثناء و عائلته العريضة من الزبونية و المحسوبية هو الطابع الغالب،و لا تتكرس طبقة المستضعفين فيها كمغلوبين على أمرهم،و لكن يكون فيها القانون و الأخلاق و القيم غلابا،و غلابا كريما كرم الأخلاق الإسلامية السمحة الداعية إلى الإيثار و التسامح و الدفع بالتي هي أحسن. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون.
ذ: رشيد شريت
Cherriet.press_(at)_gmail.com
غلاًب و المغلوبون و الغالب الله 1-2 مدونة السير: قوانين جديدة بعقليات قديمة و تحديات جسيمة
مخاضات مقال أسبوعي يكتبه رشيد شريت خاص و حصري بموقع وجدة نيوز
و أخيرا انتصر وزير التجهيز و النقل السيد كريم غلاب الذي يتكلم اللغة العربية و هي المعلومة الخطيرة التي يخبرنا بها موقع وزارة التجهيز و النقل الذي يحتاج نفسه فعلا إلى التجهيز1.معرفا بسيرة الوزير بأنه يتكلم عدة لغات (الانجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والعربية) ... فقد ربح الوزير التحدي الأولي على أمل أن يربح الانتظار الثاني، و هو التحدي الحقيقي؛ ألا وهو ما بعد مدونة السير.!؟و هل ستقلص عدد ضحايا نزيف الطرق و أشباه الطرق بالمغرب ؟؟؟و الحال أن الرجل قد نافح و ناطح و ناضل و ناور سياسيا و بكل ما أوتي من قوة،مدافعا عن قانونه الجديد الذي استوحاه من خارج المغرب ؟و قد ساعده شبابه المتوقد على عدم الاكتراث إلى صوت المركزيات النقابية التي تعيش حالة من الشيخوخة التي لا ينفع معها علاج.إلا أن توارى التراب و تقرأ عليها الفاتحة.فلم تعد تقدر على الوقوف في وجه أي أكريما كان أم بخيلا، و بقي الرجل مصرا على المدونة في معارك ضارية،إذ في19 يناير سنة 2007 دخلت حيز المناقشة داخل البرلمان.ثم كللت بالمصادقة على المشروع بمجلس المستشارين في 5 يناير 2010، وإعادة قراءته من طرف مجلس النواب، و إدخال بعض التعديلات الطفيفة جدا على القانون- حفظا لماء الوجه بعد الرفض الأولي الشديد-ثم مصادقته على مشروع المدونة في صيغته النهائية بتاريخ 14 يناير 2010.ثم تحولها إلى ظهير يحمل رقم 1.10.07 بتاريخ 11 فبراير 2010 نشر في الجريدة الرسمية 2العدد 5824/25 مارس 2010
و جاء اليوم الموعود من فاتح أكتوبر 2010و انطلق العمل بالقوانين الجديدة.و معه سطع نجم الوزير غلاب الذي أضحى قبيل أيام حديث الصحف و وسائل الإعلام المغربية العمومية و الخاصة فلا تفتح جريدة أو صحيفة أو تدير قناة مغربية عمومية طبعا لأننا لا نملك قنوات خاصة إلا رأيت المدونة مقرونة بالوزير و هو يدلي بالتصريحات و التفسيرات و التوضيحات ..،حتى أنه حطم رقما قياسيا وطنيا في عدد التصريحات و الاستجوابات من حيث الكثافة العددية و في مدة زمنية قصيرة.....

أي نعم سيجني الوزير مكاسب سياسية معتبرة بتمريره للمدونة،و لولا أن هناك فاعلين و نجوما جددا من قبيل ابن الرحامنة ؛والوافد الجديد، لكان للسيد الوزير شأنا آخرا قد يصل به إلى كرسي الوزارة الأولى في انتخابات 2012. هذا إذا ما نجحت المدونة،و الحال أنه قد استطاع بعقليته المغربية الفاسية القحة أن يهادن الفورة البرلمانية و النقابية و المزايدات السياسية العنترية التي سرعان ما تخبو إلى أن تنطفئ بالمرة.و قد قدم يد العون للسيد الوزير أيضا؛ حالة السبات البرلماني،و ظاهرة الغياب الفظيع لمن تبقى من السادة البرلمانيين المواظبين على الحضور الأربعاوي،عشية كل أربعاء حيث تبث جلسة الأسئلة الشفهية مباشرة على شاشة القناة الأولى التي يكاد يتذكرها عدد قليل من المغاربة... و منذ مدة و التصويت على القوانين الكبرى مهزلة برلمانية بامتياز فقانون المالية يصوت عليه أربعون نائبا و المدونة لم تكن أحسن حالا منه...!!!.بل لعله و لأول مرة يكون للغياب عن حضور جلسات التصويت معنى! فالغياب في هذه المناسبة على الأقل هو فضيلة تحفظ ماء وجه أولئك النواب و الفرق البرلمانية الذين أقسموا بأغلظ الأيمان أنهم لن يصوتوا على المدونة! و لكنهم عادوا من جديد و صوتوا والابتسامة تعلوهم و سبحان مقلب المقلوب !.و هم الآن في حالة كمون لأن الكل بمن فيهم السيد الوزير ينتظرون النتائج.و التي هي التقليل و لا أقول وقف الكوارث الحديدية على الطرق و أشباه الطرق لأن هناك أشباه الطرق من قبيل شهادة الزور أن تسمى طرقا أقرب إلى ممرات قوافل الجمال في عهود الدولة المرابطية....و لا يسعنا إلا أن نرجو كذلك أن تحقن دماؤنا على الطرقات و فوق الأرصفة كذلك. و هي العينات الجديدة من حوادث السير التي أبتلينا بها فلم يعد من المفروض أن تصدمك مركبة مقاتلة أو مسالمة و أنت على حافة الطريق،إذ الأمر تعداه إلى ما فوق الرصيف؟حيث يصر بعض السائقين أن يتتبعوا ضحاياهم إلى ما فوق الرصيف،كما حدث في منتصف شهر رمضان قرب الحي الصناعي عندما أصر شاب على أن لا يفطر إلا و قد أزهق عددا من الأرواح؛ كانت ثلاثة قتلى على الفور ،فضلا عن ضحية رابعة –هي ابنة خالة لي شافاها الله –أصابها بكسور عديدة .... بل إننا لنحمد الله تعالى على أن أبواب المنازل لا تتسع لدخول السيارات و الدرجات النارية و الهوائية و إلا كنا بصدد حوادث جديدة من طينة اقتحمت سيارة منزلا فأردت رب البيت صريعا ! و أصابت من تبقى ممن كانوا بالبهو من أفراد العائلة نفسها بجروح متفاوتة......

أعود للوزير كريم غلاب الذي سيدخل حالة من الترقب و الانتظار و تتبع مستمر لإحصائيات حوادث السير و أرقام القتلى و الجرحى وكأنه في بورصة و لكنها للأسف بورصة للسندات الدموية و أخبار القتلى و الجرحى ،و كله أمل و نحن معه أن يرفع الله تعالى عنا هذا الكابوس المرعب،و الحرب الحديدية الشاملة،إذ فاقت في السنة الماضية الحصيلة أزيد من أربعة ألاف جثة هامدة لقيت حتفها،ناهيك عن ما مجموعه12164 مصابا بجروح خطيرة من أصل 103183 جريح.و طبعا هذه كانت مجرد إحصاءات سنة 2009 لا غير، و التي بالمناسبة كانت سنة كارثية على مستوى النزيف الطرقي، إذ ارتفعت نسبة الحوادث بطريقة جنونية وصلت إلى 69348 حادثة أي بزيادة 18.67 في المائة، والقتلى بزيادة 6.45 في المائة، مقارنة مع المعدل المسجل ما بين سنتي 2004 و 2008

بيد أنه هيهات ثم هيهات لو تم الاعتماد على المدونة في صيغتها الزجرية العقابية الجبائية لحل المشكل و حقن الدماء.أي نعم المقاربة القانونية شيء مهم لكنه غير كاف.لأن ما هو أهم من القانون هو من يطبق القانون و من يتعامل معه ؟فهل سيتحول السائق المتهور الشارد الذهب و البال بين عشية و ضحاها إلى حمل يقظٍ وديع؟.يقف عند الإشارات المرورية انطلاقا من وازع داخلي و يحترم الحقوق الراجلين و يخفف من السرعة الجنونية....لا أعتقد أن شيئا من هذا سيقع غدا إن تم التعويل على القانون و على الغرامات الكبيرة التي ستدر من دون أدى شك على الخزينة العامة ملايين من الدراهم قد تفوق أي تصور.و ستصبح مصائب قوم عند قوم فوائد،أو بمعنى أصح مصائب وزارة التجهيز و النقل عند وزارة المالية مداخيل.خصوصا و أن الوزير مزوار يعاني أزمات مستمرة نتيجة العجز الكبير و تراجع تحويلات الجالية المغربية بالخارج و غيره.... و لعلع هذا ما يفسر لنا كثرة القروض المقدمة إلى المغرب في الآونة،و التي تتكلف وكالتنا العتيدة للأنباء بزف بشائرها و كأنها منجزات عظيمة ؟.فالرفع من قيمة الغرامات المرورية و تقليد بعض الدول المتقدمة كفرنسا و النرويج البلد المفضل عند السيد الوزير لا يجب أن يستنسخ هكذا بضربة لازب ! من دون معرفة الواقع الفرنسي و المجتمع الفرنسي و علاقة الفرنسيين مثلا و الأوربيين عامة بالقوانين.إنهم يحترمون القانون إلى درجة التقديس لا خوفا منه،و لكن لأنه ترجمة حرفية للعقد الاجتماعي الذي يربطهم بالمؤسسات الحاكمة، و لأن احترام القانون هو مصلحة مباشرة لهم و ليس مجرد عب ء و لا تكليف،و إن كان عدد منهم لا يتهمم بالقانون و احترامه و لكنها فئة قليلة بالمقارنة مع الفئات العريضة.ثم إن الأوروبيين عامة قد شبوا و ترعرعوا على بيئة سليمة تحترم القانون و القوانين بصفة ذاتية طبيعية.و القانون هناك يطبق على الجميع من دون استثناء و أسطر فوق و تحت بدون استثناء.و أذكر أنه في حر صيف هذه السنة و بينما كنت في طابور طويل من طوابير اتصالات المغرب من أجل دفع فاتورة و ما أكثر الفواتير في بلدنا الجميل،حدث أن دخل رجل مسن الطابور و قد حاولت أن أقدمه نتيجة سنه، لكنه رفض و تسمك بأن ينتظر كما ينتظر الآخرون،و علل ذلك بأنه عاش ردحا من الزمن في فرنسا و انه تعود أن يرى في البنك و غيرها من المؤسسات دخول وزراء و مسؤولين كبارا و أنهم يمارسون واجب الانتظار كباقي المواطنين البسطاء و من دون أدنى تكلف أو حرج أو عقدة نقص!،مسكين الشيخ الكبير يبدو أنه لم يعش في المغرب كثيرا لأن المشكلة عندنا تعدت المسؤولين و علية القوم،فلقد أصبح أفقرنا و "أزلطنا "يتأبى و يتكبر على خوض الطابور.الجميع عندنا يطالب بمعاملة امتيازية خاصة لأنهم ليسوا كباقي خلق الله ؟حتى أكاد أقول أن الانتظار هو سبة و إهانة،فنحن قوم لا ينتظرون و لا يحبون الانتظار.....

ثم إن الاعتماد على الحملات الإشهارية التوعوية الهزيلة،لم تكن في المستوى على الإطلاق،وتخبرنا الأرقام بأنه من أصل 380 مليون درهم صرفت لمواكبة المدونة،خصص منها 83 مليون درهم للحملة التواصلية ؟ و نود هنا أن نسأل أنه لم يتواصل معنا أي أحد سيما في الجهات أخص بالذكر الحملات الإعلانية و الإعلامية التوعوية التحسيسية
.....
بل إن كل الحديث الذي سبق المدونة كان حديثا سياسيا مطمئنا أكثر منه مبينا و موضحا لعدد من القوانين الجديدة، و التبشير بتنزيلها على الواقع المغربي من دون اعتبار لتجاعيده و اختلافه الصارخ على مستوى البنيات التحية و بين جهة و أخري فلم تسبق المدونة حملات تواصلية لافتة و مؤثرة اللهم قبيل بضعة أيام من تطبيقها. حيث تكلفت القناة الثانية و في نشرة الظهيرة تخصيص بضعة دقائق لذلك وفي شكل حوار مع مسؤول ما.،و نتف من هنا و أخرى من هناك،و الأهم من ذلك أن السيد غلاب كان ينتظر حلول الفاتح من أكتوبر بفارغ الصبر ....
و أفتح قواسا و الأقواس كثيرة،على تواطؤ الإعلام الرسمي،فقبل الفاتح من أكتوبر كانت نشرة الحوادث بابا ثابتا في النشرات الإخبارية ، بل تتصدرها،في رسالة مبطنة أن المدونة هي الحل السحري لهذا الاستنزاف ؟و
مباشرة بعد حول الفاتح من أكتوبر خرست الألسن و تبخرت و حذفت نشرة الحوادث بالمرة،فهل يا ترى توقفت الحوادث فجأة هكذا أم ماذا حدث؟ويكفي مثلا أنه قد سجلت 1600 حادثة منذ انطلاق العمل بالقانون الجديد،ابتداء من الساعات الأولى من يوم الجمعة إلى الساعة الثالثة عصرا...فأين ذهبت هذه الحوادث و الأرقام؟ إنه منطق "عاونوا خوكم بالسكات و عين ميكة ".
و كمثال سابق على هذا الفشل في الحملات التواصلية و الإشهارية التي تصرف عليها الملايير من السنتيمات...شعار دق أجراس أسماعنا و هو : "لنغير سلوكنا"و الذي كان له نصيب وافر في تغيير سلوكنا نحو الحضيض،حيث زادت الكوارث الحديدية منذ أن تم ترديد الشعار و كأنه نذير شؤم.إن السلوك مرتبط بمسائل أعمق مما يمكنا أن نتصوره سيما إذا كانت تتعلق بمنظومة المجتمع ككل،بالتغيرات السلوكية الاجتماعية التي طرأت على المجتمع المغربي منذ عقد و نصف من الزمن،و الذي يترجم حالة تنامي العدوانية و الفردانية داخل المجتمع المغربي،وتشت نظام الأسرة و تفككها بالمقارنة مع السابق، هذا ليس سرا أو ملمحا يحتاج إلى سبر أغوار الشارع المغربي.فيكفي جولة في الأسواق الشعبية و الأماكن المكتظة وأثناء زحمة مرور لنلاحظ ردود الأفعال التي تميل كلها إلى العدوانية و الاندفاع الشرس.فقد تحولت المركبات بتعبير مدونة السير الجديدة3 إلى أسلحة تعادل البندقية والدبابة فكل ممتط لمركبة و كأني به يتنقل على متن مدرعة.أما عن الإفراط في السرعة و التي لها دور كبير في ارتفاع الحوادث الطرقية رغم الحالة الصحية المتواضعة لطرقنا الوطنية و الفرعية أو حتى داخل المدارات الحضرية؛ فهي إحدى الترجمات الحرفية للحالة النفسية القلقة و المضطربة للسائق المغربي،زيادة على عدم التركيز،و يرحم الله أياما خلت كنا نستطيع فيها أن نميز بين العاقل السوي و بين المضطرب المجنون الذي يكلم نفسه بصوت مرتفع.الحمد الكل تساوى في المعادلة فمنظر سائق و هو يتحدث بمفرده بات منظرا اعتياديا ، أما أغرب من ذلك فهو منظر سائق يتحدث أو يتشاجر عبر هاتفه النقال بصوت مرتفع.ويسير بسرعة معتبرة داخل المدار الحضري المكتظ ،ثم ما بعد كل هذا عسانا أن ننتظر؟ طبعا نحن لسنا في مجال للتعميم و لكن أغلب الحوادث و حسب التقارير الرسمية نتيجة السلوكات الفردية.و عليه فالرفع من الغرامات إسوة بالآخر من دون استحضار الخصوصية الثقافية و الاجتماعية و المالية شيء غير واقعي و لا عملي و غير ذي جدوى بالمرة.و هنا يقوم العامل الأخلاقي بوظيفة مركزية، إذ أثبت التجارب و الدراسات الميدانية السلوكية أن هناك علاقة بين السلوك و المردوية فكلما حسن السلوك حسنت المردودية.4
----------------
هوامش
أنظر موقع وزارة التجهيز معرفة سير الوزير 1-
http://www.equipementransport.gov.ma/
2- يمكن الاطلاع على أعداد الجريدة الرسمية على موقع الامانة العامة للحكومة
www.sgg.gov.ma
3- تعريف المدونة في القسم الثاني في أحكام عامة باب تعاريف المركبة بأنه :كل وسيلة نقل لها عجلتان على الأقل تسير على الطريق العمومية بواسطة قوتها الآلية الذاتية أو بواسطة قوة خارجية.
4- راجع ما نشرته مجلة الموارد البشرية الأمريكية حول دراسة أعدتها شركة " ل إغ إن"
الأمريكية.المتخصصة في أخلاقيات الشركات و قضايا الالتزام الأخلاقي،حول تأثير الانضباط الأخلاقي على الإنتاج...الخبر أوردته يومية الصباح المغربية في عددها 3258 الجمعة 01 أكتوبر 2010 عن تردي السلوك الأخلاقي للمغاربة.
ذ: رشيد شريت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.