الطفلة السورية ياسمين وهي تراجع دروسها مرة أخرى تكتب الحياة لأبي يعقوب.. في الأولى نجا من الموت تعذيباً في معتقلات النظام السوري, وفي الثانية نجا من الموت غرقاً في "زوراق الموت". أبو يعقوب الآن لاجىء في النمسا وينتظر أن تلتحق به عائلته المقيمة في محافظة الزرقاء. يقول يعقوب (16 عاماً) تخليت عن الدراسة من إجل إعالة أمي واشقائي الثلاثة, عندما كان والدي معتقلاً قبل 4 سنوات, سأعوض ما فاتني من تعليم عندما نلتحق بوالدي, وسأدرس الهندسة الإلكترونية. فيما تخشى أم الطيب التي عاشت ثلاثة عقود نازحة داخل وطنها, أن تقضي بقية حياتها لاجئة في مدينة المفرق, والتي لا تبعد عن مسقط رأسها دمشق سوى بضعة كيلومترات. تعود اصول أم الطيب إلى منطقة الجولان المحتل, هربت من سوريا بعد مقتل زوجها تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري. تعيش أم الطيب واطفالها, في منزل ايجاره 150 ديناراً, تدفعها من راتب ابنها الطيب (17 عاما) والذي, يتقاضى 5 دنانير يومياً عن عمله في محل أدوات كهربائية, وقد هجر دراسته من أجل إعالة والدته وأشقائه الثلاثة, بعد أن توقف الهلال الأحمر عن دفع مساعدته (100 دينار), فيما توقفت مفوضية اللاجئين عن منحهم كوبونات الغذاء منذ 4 أشهر. تقول أم الطيب: لا نملك سوى التعليم نواجه به مستقبلنا المجهول.وتصر أم الطيب على تعليم اطفالها الآخرين, بالرغم من تعرضهم لمضايقات من قبل اقرانهم الأردنيين, وتقول إن إبنتها الكبرى (15 عاماً) تعرضت للضرب من طالبات اردنيات, قلن لها "أنت سورية.. أنت شحادة". وتضيف: للأسف, تعود أصول بعض الطالبات للجولان المحتل. أما أنا فقد تعرضت للإساءة من مديرة المدرسة لأني اشتكيت من سوء التدريس والمعاملة, فهددتني المديرة ب "قذفنا على الحدود"..! يوضح د. صبري اربيحات, رئيس مركز الجنوب والشمال للحوار والتنمية, وزير التنمية السياسية والثقافة الأسبق, أن عملية اللجوء تخلق أولويات للاجىء غير تلك الموجودة بسلم أولويات الأشخاص الطبيعيين, حيث يسكن هذه العائلات خوف, قلق, وغموض, وبالتالي, يجهلون ماذا سيكون مستقبلهم. وهنا تقع المسؤولية على الجهات المعنية والمستضيفة بمساعدتهم على استيعاب صدمة اللجوء والعمل على تخطيط برامج لإدارة حياتهم المؤقتة على أرض المقصد. 90 ألف طفل سوري خارج المدارس تؤكد أرقام رسمية صادرة عن منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسيف" وجود 330 ألف طفل سوري في الأردن, بينهم 230 طفل بسن الدراسة تتراوح اعمارهم من (6 18 عاماُ), منهم 142 مسجلين في المدارس الحكومية ومدراس المخيمات, إضافة إلى 90 ألف طفل خارج التعليم. ويعتبر د. اربيحات الرقم مقلقاً, مشيراً إلى أنه سيزيد من حجم الأمية في الأردن, ويخلق مجتمعات غير مرتبطة بالحياة والمستقبل. ذلك أن التعليم يمكن تعريفه بمحاولة نقل ثقافة المجتمع ومهاراته وقيمه للجيل القادم. والتوقف عن ذلك هو تجميد لحياة مجموعة من السكان, ما يؤدي إلى اغترابها عن مجتمعها, وبالتالي, سيواجه الأطفال الحياة بحلول ليست من خيار المجتمع.. فالمجتمع يكسب ابناؤه الأهداف ويدربهم على تحقيقها من خلال أداة التعليم. وعلى الضد من ذلك, قد يتجهون إلى "المخدرات, الجريمة, الخروج عن القانون, الخ..). ويلاحظ اربيحات أن وجود 90 ألف طالب سوري خارج التعليم, يعني أن التجربة غير جاذبة وليست عميقة بالنسبة للأطفال, وأنهم لا يزالوا تحت التهديد, متسائلاً: لأي حياة نعد هؤلاء الأطفال, الذين لا يتلقون تعليماً...؟! تخوفات اربيحات, سبق وان حذرت منها منظمات أممية, ومن خطورة فقدان جيل كامل لحق التعليم, بسبب الأعداد الكبيرة المتسربة من المدارس, فيما تؤكد ارقام رسمية صادرة عن إدارة شؤون المخيمات التابعة لوزارة الداخلية أن عدد السوريين المقيمين في الأردن يبلغ نحو مليون و700 ألف شخص، منهم 750 ألف شخص يعيشون في المملكة قبل إندلاع النزاع السوري في شهر آذار 2011. ووفقاً لمسؤول الإعلام والإتصال في "يونيسيف" سمير بدران, يوجد 90 ألف طفل خارج التعليم النظامي, تمكنت "يونيسيف" من إعادة نحو 30 ألف طفل الى مقاعد الدراسة غير النظامية، تتراوح اعمارهم من ( 6 الى 18 عاماً), عبر مبادرة "مكاني", والتي اطلقتها مطلع 2015, وتهدف "مكاني" للوصول إلى الأطفال الذين يتعذر إعادة دمجهم في التعليم النظامي، من خلال 200 مركز، منتشرة في المملكة, وتسعى المبادرة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم إلى توفير آلية للإعتراف بشهادات الطلبة في هذه المراكز. معيقات التعليم وجدت أم محمد بمبادرة "مكاني" ضالتها, حيث وفرت "مكاني" حصص تقوية في اللغة الإنجليزية لطفليها, والتي تجد صعوبة بتدريسها, كونها حاصلة فقط على تعليم ابتدائي. تقول أم محمد: عند بداية الثورة السورية كان ابني محمد في الصف السابع وشقيقه نواف في الصف السادس, وقد انقطعا عن الدراسة لمدة سنتين, لذا لم يستطيعا مواصلة التعليم في الأردن, وفضلا العمل وإعالتنا, فيما يعاني طفلي سعد (7 سنوات) وياسمين (10 سنوات) من الدراسة المسائية, وتزداد هذه المعاناة في فصل الشتاء بسبب حلول الليل قبل عودتهما من المدرسة البعيدة عن البيت. فيما تراهن أم يعقوب على النمسا كدولة لجوء جديدة للحصول على تعليم أفضل لأبنائها. وتقول إن السوريين يواجهون صعوبات بالتعليم, بسبب اختلاف المناهج الدراسية, وعدم تعاون المعلمين. ويزيد إبنها محمد: "أكره المدرسة بسبب الطلاب الأردنيين, لقد كسروا اصبعي, ودائماً يضايقوني, ولا أريد العودة للمدرسة". وتضيف والدته بأنه أصبح عدوانياً, وأنها اضطرت إلى إخراجه من المدرسة بسبب شعوره بالغربة و"العنصرية" من قبل أقرانه الأردنيين, إضافة إلى أنها لم تستطع تأمين 14 ديناراً أجرة شهرية للحافلة التي تقله إلى المدرسة بسبب بعدها الجغرافي عن المنزل. ويتولى ابنها الأكبر يعقوب (16 عاماً إعالة العائلة, حيث يعمل "لحيم صاج" في مصنع المنيوم, براتب 200 دينار شهرياً. وقد أصيب بورم بعينه بسبب عدم توفر أدوات حماية في العمل, فيما التحق شقيقه محمد (14 عاماً) بالعمل في قطاع البناء. تفاقم عمالة الأطفال حذر تقرير صادر عن مؤسسات دولية في تموز الماضي, من تفاقم عمالة الأطفال السوريين التي بلغت مستويات خطيرة جراء النزاع في سوريا, حمل التقرير عنوان "فريسة سهلة للإستغلال في سوق العمل"، وبين أن نحو 50 % من الأطفال السوريين في الأردن، يعدون المعيل الرئيسي للعائلة، أو يساهمون بإعالتها بشكل أساسي. وتظهر دراسة لمنظمة "كير" عام 2014 أن 52% فقط من أولاد اللاجئين السوريين يواظبون على الذهاب إلى المدرسة في الوقت مقارنة ب62% من الإناث. وتبين الدراسة أن أكثر من 80% من اللاجئين السوريين في الأردن لا يعيشون في المخيمات، بل في الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية على أطراف المدن، وغالباً في مساكن غير لائقة وفي خيام غير منظمة أو ملاجئ مؤقتة. وتؤكد الأرملة الثلاثينية أم سوسن أنها تريد تزويج ابنتها الكبرى (14 عاماً) من أي شخص ينشلهم من الفقر. وتعيش أم سوسن وأطفالها السبعة في مخيم الزعتري. الزواج المبكر للفتيات فيما تتباين أسباب تسرب الإناث من الدراسة, حيث تشكل البنات عبئاً اجتماعياً واقتصادياً على العائلة, في ظل وضع اللاجئين الهش, إضافة إلى التقاليد الإجتماعية التي تشجع الزواج المبكر. ويشير تقرير صادر عن هيئة الأممالمتحدة للمرأة اجري على عينة من لاجئي مخيم "الزعتري" في تموز 2013, وحمل عنوان “اللاجئين السوريين في الأردن: العنف القائم على النوع الإجتماعي وحماية الأطفال مع التركييز على الزواج المبكر, يشير إلى أن 3ر51% من النساء والرجال (عينة الدراسة) تزوجوا قبل بلوغهم 18 عاماً وأن الغالبية تزوجت قبل اللجوء إلى الأردن, وأعتبر 44% من العينة أن العمر الطبيعي لزواج الفتيات يتراوح من (15 17) عاماً, فيما أكد 60% أن زواج الفتيات لم يتغير بعد لجوؤهم إلى الأردن, وقال 23% بأن سن الزواج لكل من الذكور والإناث قد انخفض. وللحد من زواج القاصرات, فرضت السلطات الأردنية شروطاً صارمة, منها موافقة وزارة الداخلية, الحصول على عدم ممانعة من المحاكم الشرعية, إبراز وثيقة تثبت أنها غير متزوجة, وعمرها فوق 18 عاماً, إضافة إلى توظيف قاض شرعي في مخيم الزعتري, يقوم بتنظيم عقود الزواج, وبالتالي تثبيتها قانونياً, إلا أن أغلبية الزيجات لا تجري بعقود برانية ولا يتم تثبيتها قانونياً, ما يعني فقدان هؤلاء الفتيات حقهن بالتعليم. فيما تؤكد ناجية الزعبي مديرة برامج مجابهة العنف ضد النساء في اتحاد المرأة الأردنية أن مشروع "مساحة آمنة للأسرة والطفل" نجح بالحد من حالات الزواج المبكر وإقناع الفتيات والأهل بالعدول عنه. وإعادة عدد كبير من الأطفال إلى المدارس ممن كانوا قد تسربوا منها لأسباب مختلفة، وقدم المشروع لغاية الآن خدمات لأكثر من 14 ألف طفل في مجال الدراسة, و12 ألف طفل في محو الأمية. أطلقت مشروع "مساحة آمنة للأسرة والطفل" اليونيسيف بالتعاون مع اتحاد المرأة الأردنية نهايات العام 2014. وتبين الزعبي أن المشروع يهدف إلى دمج الأطفال والأسر السورية اللاجئة مع الأطفال والأسر الأردنية، حيث يقوم الأطفال ضمن جلسات المشروع بممارسة نشاطات مختلفة من الحوار وممارسة هواياتهم المختلفة معا. ووفقاً للزعبي فإن المشروع يهدف إلى توفير مساحة آمنة للطفل والأسرة في المواقع التي تعقد فيها الجلسات، حيث يستطيع الأطفال التواجد فيها والشعور بالأمان النفسي والاجتماعي، بوجود كادر مؤهل يقوم بتقديم كافة الخدمات لهم في الموقع. وتتم الحلقات التدريبية في 16 موقعاً في عمان و14 في بقية محافظات المملكة. ومن هذا المنطلق تعتزم أم يعقوب والتي أشرنا إليها سابقاً بضم إبنها محمد للمشروع كونه يعاني من اغتراب داخل مجتمعه الجديد, وبحاجة إلى متابعة نفسية وإجتماعية, ريثما تتمكن أم يعقوب وأطفالها من الإلتحاق بزوجها اللاجىء في النمسا. فيما تعرب لينا (16 عاماً) عن فرحتها بالعودة إلى المدرسة بعد انقطاعها عامين عن الدراسة, بسبب زواجها الذي لم يستمر سوى شهر. وتأمل لينا إكمال دراستها الثانوية ومتابعة الدراسة الجامعية والتي ترى فيها الوسيلة الوحيدة لمواجهة المستقبل المجهول كلاجئة لا تعرف متى ستعود لبلدها سوريا. آثار الأزمة السورية ستتمد لأكثر من 10 سنوات وتتوقع الحكومة الأردنية استمرار تأثير أزمة اللجوء أكثر من 10 سنوات وفي ضوء ذلك تعد الخطط التعليمية, حيث يقدر نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم د. محمد ذنيبات تكلفة استضافة الطلبة السوريين في التعليم ب 650 مليون دولار, شارك المجتمع الدولي بأقل من 10%. وتسبب استقبال الطلبة السوريين في المدارس الحكومية بضغوط كبيرة على النظام التعليمي, منها الاكتظاظ الكبير في الصفوف, والعمل بنظام الفترتين الصباحية والمسائية, ما انعكس على جودة التعليم. فيما تعد إحدى اكثر تحديات التعليم في مخيم الزعتري عدم توفر الغرف الصفية، وأحياناً يبلغ عدد الطلبة في الغرفة الصفية الواحدة 100 طفل. ويوجد أكثر من 20 ألف طالب وطالبة في مدارس المخيم. وتنص المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل، على ضرورة ضمان حق جميع الاطفال بالتعليم الابتدائي المجاني والالزامي، فيما تؤكد المادة 22 من الاتفاقية على ضرورة حماية جميع حقوق الأطفال اللاجئين بما فيه الحق في التعلم. وقد شهد شهر ايلول الماضي, افتتاح ثلاث مدارس جديدة في المخيم, اثنتين بتبرع كويتي والثالثة عن طريق منظمة اليونيسيف ساهمت بالتخفيف من مشاكل الاكتظاظ الطلابي في مدارس المخيم ومواجهة عودة محتملة لطلبة سوريين من خارج المخيم، ويبلغ عدد مدارس المخيم التي تتبع مديرية تربية البادية الغربية 10 مدارس صباحية للإناث و10 مدارس مسائية للذكور. وفي التاسع من الشهر الحالي أعلنت الولاياتالمتحدة عن خطة لبناء 25 مدرسة جديدة في الأردن، بتمويل من إدارة مبادرة "معاً لتعليم الفتيات"، بكلفة 100 مليون دولار, سيخصص 70% منها للاناث تحت رعاية برنامج بناء وتحديث المدارس التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وستستوعب المدارس الجديدة 25 ألف طالب سنوياً. وتأتي هذه المبادرة للتخفيف عن المناطق التي تعاني من الاكتظاظ في المدارس، والمساعدة على تخفيف حدة الضغوط على النظام التعليمي الأردني, بسبب استيعاب اللاجئين السوريين.