في الماضي القريب، كان المقطوعون قليلين في الدرب، ترى خلال النهار وجوها عديدة بشوشة ومستبشرة قبل أن تصطدم بأحد المقطوعين. لدرجة أن الأطفال كانوا يسعدون برؤية واحد مقطوع، إذ يلاحقونه من بعيد متظاهرين أنهم لا يتبعونه، ينتظرون متى وأين يتوقف كي يتابعوا فرجة مضمونة من أفلام الحركة قد تمتد إلى أدان المغرب. أما المثير اليوم، فهو غير أن اتساع نسبة المقطوعات في مجتمعنا المغربي. صافي؟ راه الدريات المقطوعات بحال الدراري المقطوعين، وهادا موضوع قديم، شوف شي حاجة جديدة. مالك مكلّخ؟ شكون هوما الدريات المقطوعات؟ باينة، هوما المقطوعات من الكارّو. غلط، أنا داوي على المقطوعات من شجرة، يعني الهاربات. صار عاديا أن يرى الناس فتاة صغيرة هاربة من بيت الأسرة. ومن كثرة هروب الفتيات تشكلت فئة في المجتمع المغربي اسمها "الهاربات"، وصار مألوفا أن يتعايش الجيران مع هاربات يكترين غرفة في الزنيقة،أو مع هاربة تسكن في غرفة أحد أولاد الدرب. لكن، عندما يأتي رمضان لا ينتبه المحسنون إلى هذه الفئة من المواطنات، حيث يفتقدن إلى أجمل ما يأتي به رمضان وهي لمة الأسرة ورضى الوالدين. فالهاربات في شهور السنة الأخرى يتنقلن بحرية في هذه البلاد العريضة التي تمنحهن الثقة والأمان، يسافرن منتشيات بالحرية التي اغتصبنها من والدين "متسلطين" أو "متخلفين"، فيحملن أجسادهن في حقيبة يدوية صغيرة من محطة إلى أخرى دون توقف. لكن عندما يدخل رمضان، يتغير الوضع، وتكون الهاربة مضطرة إلى الاستقرار طيلة الشهر. ولأنها تقضي رمضان بعيدة عن أسرتها، فبالتأكيد يكون الحنين إلى الأسرة أقوى. ولأنها مغضوب عليها من طرف والديها وتعيش مع شي خاسر في هاد الشهر المبارك، فإن الشعور بفداحة الخطأ يكون أكبر. والله حتى بصح، حنا عندنا في الدرب واحد الهاربة باقا صغيرة مدوزة هاد رمضان مع واحد البزناس ديما كتخرج معاه. واش زوينة؟ ما نكدبش عليك، ما شفتهاش. حيت أولاً: في رمضان كاين غضُّ البصر، وثانيا: تهز فيها عينيك يتْقُبْهم ليك البزناس. في رمضان تسقط أقنعة النساء، وبعدما كان الماكياج في الماضي يخفي حب الشباب فقط، فقد صار يخفي الشفاه التي ازرورقت بالتدخين. وكم من فتاة احتفظت بسر تدخينها طيلة السنة، ولكن حين أتى رمضان فضحتها شفتاها، وعرف الوالدان أخيرا أن الدرية كتْكيّف... أما الهاربة التي لا تخفي أمر تناولها للسجائر والحشيش والمعجون والقرقوبي، فإن يكشف لها سرا أكبر، إذ تكتشف حقيقةً كم هي وضيعة وحقيرة. فغالبا ما تخرج الهاربة إلى الزنقة بعد صلاة العصر لابسة جلابة وجامعة الشعر بكاسكيطة عاد فاقت. وفي الغالب لاتكون وحدها، إذ يرافقها الخاسر ديالها اللي داير فيها مش مزغّب. وعلى عكس الأيام الأخرى التي يكونان فيها ضاحكين وغارقين في الانسجام الكامل، ففي رمضان يتخشب الخاسر ويتحول إلى رجل تقليدي محافظ ما عندوش مع الضسارة ديال العيالات، إذ يتقدم خطوتين أمام الهاربة التي تتبعه عابسة دون أن تتكلم، تتوقف إذا توقف، وتسير إذا سار، ثم تتابع حواراته مع الآخرين دون كلام، عارفاه كيشعل دغيا، وما تلقى فين تمشي في هاد العواشر. ماشي كاع الهاربات خاضعات، أنا شفت واحدة البارح صرفقات الخاسر قدام الناس. إيوا غادي يكون دار ليها شي حاجة خطيرة بزاف. ماشي شي حاجة كبيرة، غير هو نسى وحط عليها يدّو في قفاها، وهي تشعل معاه، قالت ليه: حشم شوية راه أنا صايمة، واش باغي تفطّرْني؟ وكتقول لي هادي ماشي شي حاجة كبيرة؟ شوف، المغاربة أي حاجة يديروها، إلا تقول ليهم: كولوا رمضان.