يحتل العمل الجمعوي موقعا أساسيا ضمن مساحة اهتمام الشباب، ويعتبر رافدا رئيسيا من روافد العمل الجماهيري، سوء من حيث تشكيل إطارات ذلك العمل ، أو من حيث حركيتها و مساهماتها من الموقع الخاص بها في تغذية الصراع الاجتماعي في أبعاده الثقافية والإيديولوجية ، إضافة إلى كونه مجالا لتأطير الشباب تأطيرا جيدا يسهل عليهم امتلاك الوعي بدواتهم و بطبيعة الأدوار الموكولة لهم في معركة التغيير و التقدم . و في هذا السياق المذكور أعلاه يأتي اهتمامنا بهذا الحقل و القضايا التي يطرحها ، و سنتناول هذا الموضوع من خلال المحاور التالية: * تحديد المفهوم بالعمل الجمعوي * إضاءة تاريخية عن تطور العمل الجمعوي بالمغرب * واقع العمل الجمعوي بالمغرب و أفاقه 1- ما مقصود بالعمل الجمعوي ؟ إذا كانت أهمية السؤال من هذا القبيل واضحة و بينة، لكونه يحيل على إجراء جوهري في أي مقاربة أو تناول لأي موضوع ، ونقصد به إجراء تحديد المفهوم ، فإنه لا ينبغي أن تغرينا إشكالية هذا التساؤل لننساق وراء البحث عن تعريف ثابت و نهائي للعمل الجمعوي على اعتبار أن تحديد المفاهيم يأخذ عادة مظهرين اثنين: 1: إما أن يتعلق الأمر بظواهر ثابتة في الزمان و المكان ، وبالتالي تكون قابلة لأن تشخص كما هي، و ينتج عن ذلك التشخيص تعريف أقرب لأن يكون نهائيا كما هو الشأن في تعريف بعض الظواهر الطبيعية أو بعض تمظهرات النمو عند الإنسان. و إزاء تعريفات من هذا النوع تسهل عملية ضبط العناصر التي ينبني عليها التعريف ذاته بصورة تسمح في النهاية بإمكانية تعميم ذلك التعريف في الزمان و المكان. 2: و إما أن يتعلق الأمر بظواهر تتسم بعدم ثباتها و بتركيبتها المتجددة باستمرار، وبالإيقاع السريع الذي يطرأ عليها بين الفينة والأخرى ، مما يجعل مسألة إعطاء تعريف نهائي ومحدد شيء متعذر إن لم نقل مستحيل من الناحية المنهجية على الأقل ، وتتعلق هذه الملاحظة أكثر بالظواهر المرتبطة بالسلوك الإنساني في صيرورته الانجازية اليومية، مما يجعل التعريف في هذه الحالة يراهن على ضبط النقط التي تلتقي فيها وتتقاطع عندها مراحل وأشكال ممارسة ذلك السلوك ذاته. إن العمل الجمعوي يندرج ضمن المظهر الثاني، مما يعني أن هذا العمل في عمقه يحيل على وقائع مجردة لا يمكن تمثيلها نظريا إلا بالاستناد إلى وقائع تطبيقية و عملية. بحيث لا يمكن أن نتحدث عن العمل الجمعوي كمعطى جاهز و مجرد بل نكون مضطرين أن نتحدث عنه كتجربة ملموسة، أي تتغير من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر . من خلال ما سبق نصل إلى أن خير تعريف للعمل الجمعوي وقراءة من خلال مختلف ممارساته العملية المحققة في الواقع، مما يعطي للتعريف في هذه الحالة قوته الإجرائية على مستوى التشخيص إذ ينطلق من المفهوم الثابت و الجاهز و النهائي إلى حيز الممارسة المتجددة باستمرار، فيكون الحديث عن تجارب و ليس عن ثوابت. من هذا المنظور فإن، العمل الجمعوي لا ينفلت من أن يكون ممارسة اجتماعية للثقافي وتكيفا ثقافيا للاجتماعي، أي أنه في جوهره ظاهرة اجتماعية ثقافية تتقاطع فيه مكونات الشخصية الممارسة له من حيث حمولتها المعرفية وقوتها الوجدانية الدافعة ومنحدرات انتمائها لاختيار هذا العمل دون الآخر ، وهذا التقاطع بين المعرفة والوجدان والانتماء يجعل إذن من الممارسة الجمعوية مدخل للفعل في الواقع ليس لتغير بنياه الأساسية الكبرى ( حتى لا نعطي للجمعيات دور قوى الفعل السياسي و الاجتماعي المهيأ لهذا الفعل نظريا و تاريخيا ) و إنما التغير على مستوى أشكال التفكير فيه وطريقة تعريف المعرفة المكتسبة لبناء النموذج المرغوب فيه وتأطير الأداة البشرية المزمع تأهيلها لتحقيق ذلك البناء أي بمعنى أخر إن العمل الجمعوي ليس في النهاية سوى منتوج تنظيمي وثقافي هادف من خلال ممارسات مجسدة إلى اكتساب المنخرط فيه وعيا محددا إزاء القضايا المطروحة بإلحاح على السياق الاجتماعي و التاريخي الذي يمارس فيه ذلك العمل إذن ففي موضوع العمل الجمعوي نجد الممارسة هي التي تحدد المفهوم وليس العكس. إذن فالعمل الجمعوي هو حقل متميز من حقول الممارسة الثقافية بشقيها النظري و الإبداعي حقل للممارسة التربوية و مجال خصب تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي و يتم فيه الدفع بالشباب نحو تحرير طاقاتهم و إمكانياتهم الإبداعية، و خلق أفراد يحكمون ضمائرهم الحية في الإنتاج و الإبداع و النقد و يعملون من مختلف مواقعهم على بسط القيم الإنسانية المثلي تربويا، فنيا و إبداعيا و الخروج من الدائرة المغلقة للفكر السلطوي و ألظلامي المتحجر في اتجاه تفكير عقلاني. 2- إضاءة تاريخية عن تطور العمل الجمعوي : لقد واكب العمل الجمعوي في بداياته الأولى متطلبات المواجهة التي فرضتها المرحلة الاستعمارية للوقوف ضد السياسة الاستعمارية التي تستهدف تهجين وعي المغاربة وترسيخ أسس الثقافة الغازية لبلادنا كضمانة أساسية لتكريس واقع النهب الاقتصادي و الاستغلالي لخيرات البلاد و تطبيقا لمقولة أساسية في المخطط الاستعماري من قبل ” انه يجب إخضاع النفوس قبل إخضاع الأبدان” و هي مقولة تتضح أهدافها و مراميها، لهذه الأسباب راهن العمل الوطني على ضرورة حضوره في العديد من الإطارات الجمعوية بأشكال وتمظهرات مختلفة من قبل أندية ثقافية رياضية مسرح الخ… و هذه الإطارات شكلت إحدى القنوات الرئيسية لدعم الفعل الوطني في مواجهة المستعمر. غير أنه بعد الاستقلال وجدت الإطارات نفسها في مواجهة صارخة بقيم الاستعمارية في ثوب جديد مما فرض عليها ضرورة مواصلة مقاومتها إلى جانب الحركة الوطنية خصوصا في مرحلة تميزت بتقاطعات الثقافي و السياسي والاجتماعي إلى حد يصعب الفصل بينها، ومن هذا المنطلق شكل العمل الجمعوي على مستوى الممارسة الفعلية، خصوصا لدى الجمعيات الجادة استمرارا للأداء النضالي الوطني من أجل التحرر الحقيقي، ونشر الفكر التقدمي البديل على أرضية الطموحات العامة للشعب المغربي. وتماشيا مع تلك المرحلة وجد العمل الجمعوي نفسه يتجاوز خصوصيات و مجال انشغاله ليستقطب إلى لب اهتماماته و أنشطته قضايا تصب في جوهر البديل الذي تطالب به الجماهير من أجل تحريرها وتحسين شروط عيشها و ضمان كرماتها، كما أن الحقل الجمعوي سواء في منتصف الستينات و طوال السبعينات، وجد نفسه منحازا لمبادئ و أهداف الحركات المنادية بالتغيير، مما أهل هذا الحقل للإسهام في ترسيخ مجموعة من القيم الهادفة والملتزمة بهموم الشعب و قضاياه، وهو الأمر الذي جعل المسئولين يستغلون مناخ التوتر الاجتماعي الذي ساد منذ بداية الثمانينات للإجهاز على كثير من نقط القوة في الفعل الجمعوي : إما باستصدار قوانين تضيق الخناق ماديا ومعنويا على كل المبادرات الجادة في خريطة الممارسة الجمعوية وإما بالقمع المباشر مما يجعل هذا العمل يعاني من صراع مرير بين الرغبة في الاحتفاظ على التوازن والاستمرار من جهة، الإصرار على مواجهة كل المخططات الرامية إلى خلق العمل الجمعوي من جهة ثانية. الأمر الذي لم يكن سهلا في ظل شروط بدأت منها أزمة الشباب (البطالة) تعرض نفسها كمعطى جديد لم يكن واردا في الستينات و السبعينات مما جعل العمل الجمعوي يحاول أن يوازي بين واقعه ومتطلبات واقع الأزمة، بل وطرح الموضوعات المرتبطة بها كمحاور لأنشطتها الإشعاعية سوء في بعدها الوطني أو القومي . 3- واقع العمل الجمعوي بالمغرب : إن واقع العمل الجمعوي هو واقع لأزمة أي واقع العجز عن تحقيق الأهداف المرتبطة بطبيعته كفعل نضالي جماعي من أجل تحقيق مطامح الجماهير في المشاركة في الحياة الثقافية والتربوية وإبداعا وممارسة، وبمقارنتنا لراهن العمل الجمعوي نستخلص أن المرحلة التي يجتازها هي من أشد المراحل تعقيدا وتشابكا، و ذلك راجع للأزمة التي يعاني منها والتي تعتبر جزءا من الأزمة البنيوية و الشاملة التي يتخبط فيها مجتمعنا ، ويمكن حصر تجليات واقع العمل الجمعوي فيما يلي : * انحساره في أوساط الشباب المتعلم * عدم الانفكاك من شروط النخبوية * الانحسار في المدن و الحواضر * عدم الانتقال من دائرة الممارسة الكمية إلى الممارسة النوعية وهذه التجليات هي نتيجة طبيعية وموضوعية لتظافر عدة عوامل منها ماهو موضوعي وماهو ذاتي، ولضرورة المنهجية سنعالج كل واحدة منها بشكل منفصل بالرغم من تداخلهما وتفاعلهما جدليا. - الجانب الموضوعي : إن طموحات الشباب في العمل الجمعوي تحدها جملة من المعوقات الموضوعية و سنثيرها في خطوطها العريضة على الشكل التالي: * على مستوى البنية التحتية للعمل الجمعوي: - منذ بداية الثمانينات لم يخصص لقطاع الشبيبة والرياضة باعتباره القطاع الوصي على الشباب والجمعيات إلا أقل من 1% من ميزانية الدولة وهذه النسبة كافية لإبراز مدى الاهتمام بالشباب و الحقل الجمعوي. - ضعف دور الشباب، حسب بعض الاحصائيات توجد 239 دار الشباب في المقابل نجد16 مليون شاب أي بمعدل دار لشباب لأزيد من 70 ألف شاب. - غياب دور الشباب ودور الثقافة في البوادي. - إلغاء المنح المخصصة للجمعيات الثقافية والتربوية من طرف وزارة الشبيبة و الرياضة و الجماعات المحلية و الحضريةو القروية . * الإطار القانوني المنظم للعمل الجمعوي : - يعتبر الإطار القانوني إحدى القنوات لتمرير سياسة التضليل والاستبداد في المجالات المرتبطة بالشباب، ويتضح ذلك من خلال إثقال كاهل الجمعيات بالمصاريف المالية أثناء تكوين الملف الإداري. - تقيد عمل الجمعيات داخل المؤسسات العمومية. - تعدد الجهات الوصية على العمل الجمعوي. * الاختيارات الثقافية السائدة : - خلق جمعيات صفراء ومنحها صفة المنفعة العامة - إغداق المساعدات المالية للأنشطة المنظمة من طرف هذه الجمعيات. - التضييق على الأنشطة المنظمة من طرف الجمعيات الثقافية الجادة، ومنع أنشطتها الإشعاعية. - حضر العديد من الإطارات الجمعوية الجادة - الجانب الذاتي : لقد شكل العمل الجمعوي المجال الخصب لعمل الحركة الوطنية في بلادنا كجزء من الحركة الجماهيرية، لهذا من البديهي أن تنعكس أزمة هذه الحركة على الحركة الجماهيرية والجمعوية بصفة خاصة، وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى بعض مظاهر هذه الأزمة. - سيادة البيروقراطية داخل الجمعيات الثقافية - سجن العمل الجمعوي ضمن استراتيجيات ضيقة. - عدم احترام ضوابط العمل الجمعوي ومحدداته. - الخلط بين العمل الجمعوي و العمل السياسي - تحويل الجمعيات إلى إطارات ونوادي مغلقة نخبوية في انعزالية شبه تامة عن الشباب وهمومه. إذا كانت هذه بعض تجليات أزمة العمل الجمعوي المترتبة عن أزمة الحركة الديمقراطية لبلادنا، فالأزمة تتحدد في غياب التصور العلمي للعمل الجمعوي، وغياب تحديد دور هذا الأخير في الصراع ووظيفته الاجتماعية.