عيّن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في وقت متأخر من مساء الجمعة 29 يوليوز قائد الدرك الجنرال نجدت اوزل رئيسًا للاركان بالنيابة بعد استقالة رئيسها الحالي على خلفية خلاف خطر مع الحكومة. وعيّن الجنرال اوزل ايضًا قائدًا لسلاح البر بعد استقالة قائده الحالي أيضًا مع قائدي سلاح الجو والبحر، كما ذكرت وكالة انباء الاناضول التركية نقلاً عن مرسوم لرئيس الوزراء والرئيس عبدالله غول. والمنصبان الجديدان اللذان تولاهما الجنرال اوزل يبعثان على الاعتقاد بأنه سيعين قريبًا خلفًا لرئيس اركان الجيش المستقيل الجنرال ايشيك كوشانر بحسب الصحافة التركية. وقد انفجرت الأزمة الصامتة بين المؤسسة العسكرية التركية، التي تعتبر نفسها «حامية العلمانية» والحكومة ذات الجذور الإسلامية، بإعلان قيادة الجيش استقالتها الجماعية نتيجة وصول مفاوضاتها مع الحكومة إلى حائط مسدود في قضية الضباط المعتقلين على ذمة تحقيق واسع يجري منذ أكثر من عام في محاولة انقلاب مزعومة، معروفة على نطاق واسع باسم قضية «المطرقة». وقدم رئيس هيئة أركان الجيش التركي الجنرال أسيك كوشانير وقادة الأسلحة الأخرى البرية والجوية والبحرية استقالاتهم أمس، ولم يعرف بعد السبب الرسمي لهذه الاستقالات الجماعية، لكن وسائل الإعلام التركية تحدثت عن توترات بين القيادة العسكرية وحكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وينصب الخلاف على ترقية عدد من الجنرالات المحبوسين لاتهامهم بالمشاركة في مؤامرات للإطاحة بالحكومة. وقدم الجنرال أسيك كوشانير استقالته بعد لقائه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مرات عدة خلال الأيام القليلة الماضية قبل اجتماع مع القيادة العليا للجيش التي تتخذ القرارات بشأن ترقيات كبار ضباط الجيش. ويعد هذا حدثا غير مسبوق في تركيا العضو في الحلف الأطلسي. وقالت صحيفة الشرق الأوسط إن الاستقالات أتت بعد أيام من المفاوضات بين قيادة الجيش ورئيس الجمهورية عبد الله غول ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان على خلفية رفض الحكومة لشمول نحو 42 جنرالا موقوفا بالترقيات العسكرية، إضافة إلى ما قالت إنه «ضغوط تمارس عليهم للتقاعد المبكر قبل صدور الأحكام في محاولة الانقلاب المزعومة». وبينما بينت الأزمة ضعف حيلة المؤسسة العسكرية التي قامت في السابق بثلاثة انقلابات عسكرية مباشرة، ورابع غير مباشر أطاحت فيه بحكومة منتخبة تحت التهديد بالانقلاب في عام 1997، بدت الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان واثقة من تجاوز الأزمة، إذ أكدت مصادر في رئاسة الوزراء التركية ل«الشرق الأوسط» أن ما حدث ليس بأزمة، مشيرة إلى أن من «تقاعدوا سيتم تعيين بدلاء لهم»، معتبرة أن المؤسسة العسكرية التركية «مليئة بالكوادر القادرة على شغل هذه المناصب»، رافضة في المقابل أية «تسويات». وردت المصادر الاستقالات إلى «مطالب غير قانونية» تقدم بها الضباط رفضتها الحكومة «لأنها ليست في وارد المساومة على القانون»، موضحة أن الضباط لم يستقيلوا، وإنما طلبوا إحالتهم إلى التقاعد، وأن الحكومة قبلت طلبهم فأصبحوا ضباطا متقاعدين، وسيتم تعيين بدلاء في كل المراكز في أقرب وقت ممكن، رافضة وضع أية «تفسيرات سياسية» لهذه الخطوة. في المقابل أبدت مصادر في حزب الشعب الجمهوري المعارض استياءها من «كيفية تعامل الحكومة التركية مع المؤسسة العسكرية». واعتبرت المصادر في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن ما يقوم به أردوغان هو تصفية حسابات مع المؤسسة العسكرية، مشددة على حق ضباط المؤسسة في الترقيات القانونية ما دامت لم تصدر في حقهم أية أحكام. وفي واشنطن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركي مارك تونر ان الولاياتالمتحدة لديها ثقة في تركيا، رافضًا التعليق على الاستقالات العسكرية. وقال "لدينا ثقة في قوة المؤسسات التركية سواء الديموقراطية او العسكرية. وهذا شأن داخلي". واضاف "نحن نعتبر تركيا حليفا قويا في حلف الاطلسي، وبيننا تعاون امني قوي معهم". من جانبها ذكرت وكالة انباء الاناضول شبه الرسمية ان رئيس واعضاء هيئة الاركان طلبوا احالتهم الى التقاعد. وتعتقل السلطات التركية 42 جنرالاً، اضافة الى العشرات من الضباط العاملين او المتقاعدين، في اطار تحقيقات بشان مخططات عدة محتملة تهدف الى الاطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002. ويريد الجيش ان يتمكن هؤلاء الضباط من الحصول على ترقياتهم رغم وجودهم في السجن بانتظار الانتهاء من محاكمتهم في حين تريد الحكومة احالتهم الى التقاعد. ومن بين هؤلاء جنرال يحمل اربع نجوم، كان يفترض ان يكون القائد المقبل لسلاح الجو. وتنطوي استقالة الجنرالات على دلالة رمزية مهمة في تركيا التي ضعف فيها دور الجيش منذ 2007 مع فتح العديد من التحقيقات عن مخططات تآمرية تهدف الى زعزعة استقرار الحكومة والقيام بانقلاب عسكري. ويثير تولي حكومة حزب العدالة والحرية الحكم عام 2002 وفوزها في الانتخابات التشريعية التي جرت في حزيران/يونيو الماضي وفوزها المرجح في ولاية تشريعية ثالثة على التوالي الخوف لدى قسم كبير من الرأي العام والجيش على الطابع العلماني للدولة. وقد عيّن الجنرال كوشانر في هذا المنصب عام 2010 لثلاث سنوات. فيما كان القادة الثلاثة الاخرون سيحالون الى التقاعد في الشهر المقبل. وفي العام الماضي، قام الاعضاء المدنيون في المجلس العسكري الاعلى، وخاصة رئيس الوزراء بكسر الروتين المتبع في الترقيات مستندين الى الحملة القضائية على المؤامرة. وبدون الذهاب الى حد فرض خيارهم على العسكريين، رفض هؤلاء الاعضاء المدنيون ترقية المتورطين في المخططات التآمرية، ما ادى الى تاخر غير عادي في تعيين رئيس الاركان الحالي. ومنذ توليه قيادة البلاد، خاض حزب العدالة والتنمية مواجهات عدة مع الجيش التركي بهدف تقليص نفوذه في الحياة السياسية، وكان يخرج من هذه المواجهات منتصرًا في كل مرة. ----------------------- ** المصدر : وكالات - إيلاف