المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العصا صانعة الثوار أم العبيد؟
نشر في أون مغاربية يوم 19 - 06 - 2013

هل صدقَ المتنبي عندما قال لا تشتري العبد إلا والعصا معه، إن العبيد لأنجاسٌ مناكيد، أم قد جانبه الصواب، وأخطأ المقال، وخالف الحق، وتجنى على الإنسان، وقد اتبع هواه تشفياً وانتقاماً، وأراد الانتقام ممن أهمله ولم يعره اهتماماً، فجعل من قضيته الشخصية شأناً عاماً، ووجه جام غضبه على فئةٍ من البشر، كان منهم أعظم الرجال، وأكبر القادة، وخيرة الفرسان، وأشهر الشعراء، وأشجع المقاتلين، ومنهم السابقون الأولون، كبلال بن رباحٍ الحبشي، فكيف تجنى عليهم وهو المشهود له في شعره بالحكمة، وفي قصائده بالبيان، التي جعلت منه واحداً من أعظم شعراء العرب.
من المؤكد أن المتنبي قد أخطأ، وأنه بقصيدته قد أهان البشر، الذين ليس فيهم عبيدٌ وأسيادٌ، فإن كانوا عبيداً فهم لله وحده، وأمامه يتساوون ولا يتميزون إلا بأعمالهم، وليس لأحدٍ غيره سبحانه عليهم فضلٌ ولا منة، ولا يحق لبشرٍ أن يستعبدهم، ولا لمخلوقٍ أن يستخدمهم، ولا أن يسخرهم لخدمته، والعمل له ومن أجله، فكيف أن يعذبهم ويسومهم سوء العذاب، ويسجنهم ويعاقبهم ويقتلهم، أو يحرمهم وينفيهم.
ربما كانت العصا التي قصدها المتنبي قديماً تخيف وترهب، خاصةً إذا كانت غليظة، ويمسك بقبضتها رجالٌ أشداء، مرضى النفوس، ساديي الطباع، منحرفين في أخلاقهم، شاذين في سلوكياتهم، قد طمست قلوبهم، وعميت بصائرهم، وارتضوا أن يكونوا زبانيةً للحاكم، وسوطاً في يده، يلهبون به ظهور العباد، ويصلونهم به العذاب ألواناً، ولا يشعرون بأفعالهم بتأنيب ضميرٍ، أو يبدون إحساساً بالندم أو الألم.
الأمر الذي جعل العصا في أيدهم مرعبة، يخافها الناسُ ويرهبونها، ويطيعون الحاكم خوفاً منها، ويطأطؤن له الرأس مخافة أن يقعوا بين أيدي الجلاوزة والجلادين، إذ لا يوجد من يدافع عنهم، أو يسمع بقضيتهم، أو يثور من أجلهم، وقد دانت البلاد للحاكم ورجاله، فامتلك خيراتها، وحاز على كنوزها، فكانت عنده المغانم والأسلاب، والأموال والعطاءات، وعنده الهبات والمساعدات، ما جعل الناس يطيعونهم خوفاً وطمعاً، ورغبةً ورهبة، فمن أطاع سلم وغنم، ومن عارض وانتقد حُرِّمَ وغُرِّم، وقد يسحل أو توضع السلاسل والأغلال في يديه ورجليه حتى يموت، وقد يقطع لسانه، أو يجذع أنفه، أو غير ذلك من صنوف التعذيب التي تفضي إلى إرهاب الآخرين وصمتهم، وضمان تأييدهم وولائهم، لذا فلم نسمع بثورةٍ أطاحت سلطاناً، أو أسقطت والياً أو أميراً، أو أجبرت حاكماً على تقديم الاعتذار، وإعادة الحقوق، وفتح السجون، ونصرة المظلوم.
لكن العصا اليوم لا تصنع عبيداً، ولا تولد خوفاً، ولا تجبر الناس على الخضوع والاستسلام، والقبول بما يقوله الحاكم أو يمليه رجاله، وهي لم تعد تقود الناس كالقطيع، وتدخلهم إلى الحظيرة وقت شاءت، وتذهب بهم إلى المسلخ إذا أرادت، أو تستبقيهم للحلب والسخرة، أو تستخدمهم للهجوم والقتال، وإعلان الحروب وتأديب الجيران، فقد تغير الحال وتبدل الزمان، وأصبحت العصا تأتي بعكس ما يريدون، وتنتج خلاف ما يتوقعون، فالسجون تخرج أبطالاً، والظلم يولد طاقة، والكبت يفجر القدرات، ويصنع المعجزات.
ولكن الأهم أن يدرك المواطنون أنفسهم أنهم قد شبوا على العصا، وأنهم لم يعودوا عبيداً، وأن نفوسهم باتت تشرئب نحو العزة والكرامة، وتتطلع إلى الحرية والمساواة، وترفض أن تقبل الإهانة، أو أن تسكت على الشتيمة، وأنها تأبى أن تصعر خدها، أو تطأطأ رأسها، أو تخفض صوتها، أو أن تلغي عقلها، وتعطل تفكيرها، وأنها لم تعد تكتفي من الحياة بالتبعية والإنقياد، وترضى منها بالشراب والطعام، فإنها إن هانت على نفسها فستهون على غيرها، وإن استعظمت العزة فإنه سيطيب لها العيش بمذلةٍ ومهانةٍ.
لذا فإن على الشعوب أن تعبر عن إرادتها، وألا تتخوف من بيان مواقفها، والاعتراض على حكوماتها، والوقوف في وجه حكامها، فإنها باتت أقوى من الحاكم، وأثبت من الحكم، وأقدر على الصمود من رجاله، ولكن عليها أن تؤمن بحتمية التغيير نحو الأفضل، وأن يكون انتقالها نحو الأصلح، فلا تكون هي عامل هدمٍ جديد، وعنصر يأسٍ وإحباطٍ آخر، لئلا تدفع المواطنين إلى الترحم على السابقين، والدعاء للهالكين، وتمني العودة إلى عهود السالفين، فلا يكون التغيير بالهدم، ولا التجديد في التدمير، ولا يكون الانتقال إلى المراحل التالية عبر بوابةٍ من الدماء لا تنتهي، وسلسلةٍ من أعمال القتل والتخريب لا تتوقف.
كما على الشعوب أن تنتصر لبعضها، وأن تثور لأجل قضاياها المشتركة، وألا تنزوي على نفسها، وتنغلق على ذاتها، فلا يتخلى شعبٌ عن آخر، ولا يكتفي شعبٌ بانتصاره ولا يلتفت إلى غيره، ممن عانوا مثله ظلم الحكام، وبطش السلطات، وبغي واعتداء الأجهزة الأمنية والمؤسسات البوليسية، وإنما يجب على الجميع التعاضد والتناصر، والتكاثف والتناصح، وإلا سيكون حالنا كما ورد في الأمثال "أُكلتُ يومَ أُكلَ الثورُ الأبيض"، ونحنُ في زمنٍ يسهل فيه التواصل، ويمكن فيه التنسيق والتبادل، فلم تعد هناك حدودٌ تحجز، ولا فواصلٌ تمنع، ولا عقباتٌ تعيق، بل إن سبل الاتصال أصبحت في متناول الصغار قبل الكبار، والعامة قبل الخاصة، ومن خلالها أصبح من السهل التنظيم والإدارة، أو الإنطلاق والمبادرة.
إذاً هي دعوةٌ صريحة ومباشرة إلى المواطنين جميعاً، أنهم لم يعودوا عبيداً، وأن العصا التي كانت تؤدبهم أصبحت تجعل منهم ثواراً وقادة، وأن الظلم الذي كان يمارس عليهم، أحالهم إلى إرادةٍ لا تعرف المستحيل، ولا تقيم على الذل، ولا ترضى بالهوان، وفيما قاله المتنبي بعد ذلك في القوة، اعتذارٌ عن الضعف والعبودية، واعتزازٌ بالسلاح والإرادة، ودعوةٌ لامتلاك أسباب القوة، السلاح والعلم، في قوله الخيل والليل والبيداءُ تعرفني، والسيف والرمح والقرطاس والقلم، فهما معاً السيف والقلم، والرمح والقرطاس، مفتاح التغيير، وأدوات الثورة.
وهي رسالةٌ واضحة وصريحة أيضاً إلى كل الأنظمة القمعية، الشمولية أو الديمقراطية، الرئاسية أو البرلمانية، الملكية أو الأميرية، الاتحادية أو المشيخية، أن زمان استعباد الناس قد ولى، وأن حكم الشعب بالجبرية قد انتهى، وأن توارث الحكم لا يكون، فليست الشعوب متاعاً يورث، ولا عقاراً يباع أو يؤجر، وإلا فإن أحداً لن ينقذَ الظالمَ من مصيره، والمستبدَ من آخرته، ولعل في القديمِ قبل الجديدٍ خيرُ مثلٍ، فقد قتلت العصا حاملَها، وقطعت المقصلةُ رأسَ روبسبير وهو صانعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.