قال تعالى ": وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ، ضعف الطالب والمطلوب ، ماقدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" صدق الله العظيم. قال أبو بكر الصديق : "وإن رأيتموني أعص الله فيكم فلا تطيعوني " ...قصة أبي ذر الغفاري الصحابي الذي لم يطع لمعاوية بن أبي سفيان عندما رأى منه خروجا عن نهج الإسلام السياسي والإقتصادي ؟ وهل سمع أبو ذر لعثمان بن عفان...(المقال) على مر التاريخ الإسلامي نجد صنفين من الفقهاء أو العلماء تحدث غير واحد عنهما ومنهم الإمام تقي الدين المقريزي الذي كان اقتصاديا مسلما وضح الفلسفة الإقتصادية الإسلامية وهو الذي أخذ عنه المفكر الإقتصادي الإنجليزي توماس كريشام القانون العلمي الإقتصادي النقدي المعروف باسمه " قانون جريشام Gresham's Law " وكان الأولى بأن يسمى بقانون المقريزي الذي عاش مع هموم المصريين إبان المجاعة وظلم حكام أرض الكنانة المتوالين بمعاولهم الهدامة ، صنف الفقهاء إلى صنفين : صنف مع الناس معارضين للحكام - أي ناصحين منتقدين لظلمهم وأنانيتهم – وصنف مع الحكام مضللين للناس،ومن جملة ما يضلل به هذا الصنف عباد الله،الذين أرزاهم هؤلاء الحكام في تعليمهم ليبقوا دائما جهلاء فاقدين لحس النقد وملكة التقويم خارج السلم الذي وضعه المفكر التربوي بلوم في صنافته الشهيرة لا يعرفون يمينهم من شمالهم فيما يدور من حولهم وليسهل خداعهم بأي خطاب متقن في تركيبه ورصيده ويتيسر سوقهم وتضليلهم بالفكرة وخداعهم باللفظ – من جملة ما يضللون به هؤلاء شبهة من شبههم التي يمسحونها في الدين وهي : طاعة الحكام مطلقا واجبا وفرضا من الله لعباده المخلصين ! لا يعلم هؤلاء أن الناس يعلمون أنما الإسلام هو الخضوع لله وحده وأن ما يقدمونه هم إسلاما هو عين الإستسلام والخنوع للمنكر والإستكانة للظلم ، إنهم يقدمون صبر الحمير على أنه صبر المجاهدين المؤمنين الصادقين مع الله ، من يصبر على قول كلمة حق عند سلطان جائر ؟ إنه لصابر الذي يخرس عن الظلم ولايبين شرع الله فيه ، إنه لصابر من يفتي بجواز جماع الجثث والعادة السرية وشرب المتوحمة للخمر ، إنه لصابر من يبيع عرضه وشرفه ويقدم على جرم وإفك...فالصبر الصبر ! يالها من صورة لإسلام ، لمنهج ينسب لخالق الأكوان مبدع السماوات والأرضين ! لم يبين أحد من هؤلاء التزامات الحكام تجاه شعوبهم ومسؤولياتهم أمام الله ، أليسوا رعاتا يسألون غدا ؟ هل الصبر الوارد في بعض الأحاديث إياها يتعلق بالصبر على ما يكره الإنسان أم على ما يخالف منهج الله ومنطوق شريعته من ظلم واستعباد البشر للبشر ؟ هل طاعة الأمير تكون فيما يخالف الشرع ؟ أليس السكوت عن ظلمه منافيا لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومناقضا لما جاء في الحديث النبوي : " لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ،ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم تدعون فلايستجاب لكم" وحديث آخر : "إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده" وكلاهما عند الترمذي ويزيد الأول عليه بسنن أبي داوود وبن ماجة ومسند أحمد. وحديث آخر : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"..ألم يرو البخاري ومسلم : "إنما الطاعة في المعروف" وقوله صلى الله عليه وسلم : "...فإن أمر بمعصية فلا سمع ولاطاعة" ، ألم يعتبر بن حجر العسقلاني في الفتح هذين الحديثين تقييدا لأحاديث الطاعة ثم قال : "فإن أمر بمعصية فلا سمع ولاطاعة أي لايجب ذلك –له- بل يحرم على من كان قادرا على الامتناع " ! إنما على الشعب المصاب المرزي الطاعة وهو يتلقى المصائب تلو المصائب والسموم المعيشية والفكرية والأخلاقية تلو السموم ، تماما كطاعة الحمير لأسيادها وهي تتلق ضربات السياط على ظهرها ثم بعض الفتات بالكاد يقيمها لتحمل المزيد من الضربات ، كما تفعل حكوماتنا مع موظيفيها ومع عموم المواطنين الحمير الكلاب الدبان الجرذان ! على الإنسان في هذه البلاد أن يسقط أسنانه ويهد ركبه من أجل كسرة خبز.. إن ما يجهله بعض هؤلاء المنعوتين بالعلماء الذي لا يحسنون غير التكفير أو التجهيل افتقارا إلى مقاربة تربوية وفكرية في معالجة طروحات الخصوم،وإفلاسا إلا بفقه الطهارة واللحية والقصة والقصتين والماء البالغ قلتين وفقه السياسة النفاقية الذي جعلوه أصل الأصول وأم الأركان : طاعة الحاكم مطلقا ! أو ما يتجاهله موظفون رسميون علماء المرتبات والسيارات الفارهة والظلال – اللهم لا حسد – هو أن الأحاديث التي يستدلون بها في وجوب طاعة الظلمة مطلقا كلها أحاديث آحاد رواها واحد عن واحد ...لا تتعلق بالأحكام العملية التي يجب فيها الأخذ بحديث آحادي ، إنما تتعلق بآحاديث السياسة أي علاقة السلطان برعيته ، والسياسة ليست أبدا من ثوابت الدين وأصول العقيدة إلا عند الشيعة، وإلا فما الفرق بين السنة والشيعة إن كان السنة يأمرون بطاعة حكام الجور مطلقا ويعتبرون ذلك من العقيدة والمعلوم من الدين بالضرورة وبين الشيعة الذين يعتبرون الإمامة أصلا عقديا لازمة وواجبة بل في هذه الحال يكون الشيعة أفضل بتجاوزهم للإنتظارية وابتكارهم لولاية الفقيه ويتميزون بذلك عن السنة في مسايرة حركة التاريخ ومتغيراته ! والمعنى أن هذه الأحاديث خاضعة لظروف تاريخية معينة في فترة الخلفاء الراشدين ونضع سطرا تحت الراشدين أي في سياق سياسي مخالف تماما لما نحن بصدده من دول أخذت بالقوانين الوضعية وضربت منهج الله عرض الحائط وأقصت مبدأ الشورى ومبدأ مراقبة الله في مسؤولية الحكم الذي يجليه قول أبي بكر الصديق في خطبته الشهير بعد توليه الخلافة : "...وإن رأيتموني أعص الله فيكم فلا تطيعوني " . إن لتلك الأحاديث سياقا تاريخيا ظرفيا حكمها ولا تتعلق أبدا بالثوابت الإسلامية القطعية التي تعلو على التاريخ ، وما يفعله هؤلاء الجهلاء أو المتجاهلين هو إسقاط هذا المتغير التاريخي الخاضع لحركة التاريخ على الظرفية الراهنة،وإسقاط مبدأ الخروج بالسلاح على المعارضة السياسية التي كانت واضحة في زمن الخلفاء الراشدين وزمن معاوية الذي انقلب على منهح الحكم الإسلامي الشوري، وزمن يزيد الذي كان يقتل معارضيه ، إنهم يريدون جعل الأنظمة السياسية فوق التاريخ لا فرق بينها وبين الوحي ، لا فرق في ظلها بين قول الحاكم وقول رب العالمين ،لا.. بل إن قول رب العالمين مقصي مردود تحفه الشيطنة التي تفانت هذه الأنظمة في رعايتها، ألا ترعى الإلحاد والزندقة وتيارات الإستئصال وفق ما تلعموه من جدهم الأكبر فرعون :" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا" ، وقول الحاكم مسموع مطاع لا يرد ومن خالفه أو انتقده أتى بمنكر القول وزورا وببدعة شنيعة قد تستصدر بشأنها فتوى لهدر الدم أو يجر إلى معتقلات التعذيب والموت البطيء في أرض غير الأرض ! هذه الأحاديث المتعلقة بطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه والتي يسوقها علماء السوء المضللين للناس لا تتعلق بالسنة التشريعية وإنما يحتكم إلى المصلحة بشأنها وهو المعيار الذي حكم إنشاء كل شؤون الدولة والسياسة والجيش والعمران،هل علينا نحن إذا أردنا الإنتصار اليوم في معركة حربية أن نقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في تنظيمه لغزواته فنحضر الجمال والخيول والسيوف ؟! فالإقتداء بالرسول يكون بتحري المصلحة الخاضعة لمتغيرات ظرفية وذلك بالإجتهاد وفق شروطه . إن فقهاء المرتبات وعلماء السوء يتخذون منهج الإنتقائية في سرد نصوص يقفون عند ظواهرها تخدم "مصلحة الأمة" - ويقصدون المصلحة الشخصية والتي ليست بمصلحة طبعا - وتصويرهم لمنهج الله كما أراده الماركسيون أفيونا وخرافة يلهي بها الحكام شعوبهم لينهبوا ويتنعموا ، مثلا يتوقفون عند ما جاء في صحيح مسلم : باب : "وجوب طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق" ، وباب :" الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم" ، وهما البابان اللذان يرى الدكتور عمارة أن هؤلاء يقفون عندهما ، ولا يقفون مثلا عند الباب الموجود في مسلم أيضا : " باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعضية " ، لماذا لا نفسر العنوانين المبوبين في ضوء هذا الباب ؟ "سيمنع السلطان فتاته عنا" يقول فقهاء المرتبات ! وأين قول الله تعالى من هذا كله : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا " ؟ أليس هذا التزاما من الحكام تجاه شعوبهم وفرضا وواجبا لا يتحدث عنه هؤلاء الفقهاء المضللون ؟! بل أين السياق القرآني والحديثي كله بلا تجزئ إلى جانب مقاصد الشريعة وفقه المآلات وروح الشريعة ؟ أين علم الحديث دراية بعد الرواية ، أين فقه الملابسات التي اكتنفت صدور تلك الأحاديث ؟ بخصوص الحديث المشهور الذي يتداوله فقهاء السلاطين في إلزام الناس - حتى من لايؤمن منهم بإله أو دين – وهو :" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصا الأمير فقد عصاني " والذي رواه مسلم عن أبي هريرة ، يقفون بخصوصه موهمين الناس بأن الأمير هو كل أمير في الأولين والآخرين ، كل ملك وكل رئيس ! وهو ذات الحديث الذي استدل به سلفية مصر الذين أهدر بعضهم دم القرضاوي والبرادعي قبل سقوط الطاغية حفيد فرعون - مثلا استدلال شيخ متسلف هو محمود لطفي عامر من "السلفية المدخلية" بحديث : " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه " بمعنى أن الرجل الواحد هنا هو الطاغية حسني مبارك والذي يريد شق العصا هو البرادعي والقرضاوي وعليه يمكن لكل فقيه درهمي أن يستدل هكذا لحماية طاغية بلاده بهذا المنهج المفلس السخيف، فهل من خسة بعد هذا ؟ فأحاديث الطاعة هي التي استدل بها فقهاء زين الهاربين،وهي التي يستدل به فقهاء القذافي على قناة "الجماهيرية العظمى" ، وهي التي يستدل بها في اليمن حيث يسنج طاغيته خيوط الحرب الأهلية،وهي المستدل بها في أرض الشام من قبل فقهاء الجزار الأسد على شعبه النعامة على الصهاينة وفي مقدمة المستدلين : محمد سعيد رمضان البوطي ! حشرهم الله جميعا مع من أحبوا.. وفي المغرب يستدل "علماء" المجالس الظلية بحديث صحيح لمسلم : " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لاحجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " ، مسقطين بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم على "بيعة" خارج السياق الإسلامي بيعة الإكراه الغير المشروطة دون أن يوردوا الأحاديث التي أشرنا إليها والتي تشكل مبدأ في الفلسفة السياسية الإسلامية مبدأ الشورى وحق المعارضة ، دون أن يقولوا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأي معصية بعد الإستغناء عن منهج الله ومبادئ المؤسسية الإسلامية وفلسلفته الإجتماعية وإستتباع البلاد لدول ورهنها بيد عائلات ورؤوس طالب الشعب بسقوطها،جعل ما سخر الله لعباده في السموات والأرض حبيس اقتصاد الريع وصفقات لا يعرف عنها الشعب شيئا ! ثم يلجؤون لحديث آخر " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ،ومن مات ليس في عنقه بيعة مات ميتتة جاهلية" ، ويقولون ما بال بن عمر يذكر هذا الحديث في عهد يزيد بن معاوية تأييدا لبيعته ، ويزيد عرف بفسقه وطغيانه وفجوره واستبداده ! بل لقد ذهب يزيد كما يذكر المؤرخ المفكر د.محمد عمارة إلى عبد الله بن مطيع ليثنيه عن الخروج ضد يزيد بجيشه ويسمعه حديث الطاعة. لكن عبد الله بن مطيع أدرك أن الحديث يوظف في غير سياقه وحين انهزم أمام يزيد انطلق ليحارب بني أمية مع عبد الله بن الزبير في مكة وأنشد أبياتا لا يتسع لها المقام وهو يقاتل جيش الحجاج ! كيف يبايع بنو أمية السفاكون للدماء المستبدون الذي قتلوا الحسين في كربلاء ! ثم ماذا نقول في حديث آخر يبين أن الطاعة هي لله لا للأمير والبيعة بيعة الرسول : " من مات على غير طاعة الله مات ولاحجة له ،ومن مات وقد نزع يده من بيعة كانت ميتته ميتة ضلالة " ، "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم " ثم لما لا ينظرون للأحاديث الأخرى التي رواها بن عمر نفسه ! إنهم يقفون عند ظاهر الحديث ولا يسردون الرواية الأخرى عند مسلم أيضا وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله . ومن يطع الأميرفقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني " ، فهل ذلك النص يفيد طاعة كل أمير برا أو فاجرا ، عادلا أو ظالما ، مؤديا للآمانات أو غير مؤد ؟ هل طاعة مبارك وبن علي والقذافي والأسد على شعبه وعبد الله طالح..هي من طاعة رسول الله ؟ هل طاعة من نهب البلاد والعباد واتخذ البلاد ملكية خاصة وأفراد الشعب خداما عبيدا هي من طاعة رسول الله ، وطاعة رسول الله هي من طاعة الله فيكون الله ظالما لعباده ؟ هل هؤلاء وغيرهم داخلون في الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ؟ أيرضى الله لعباده أن يحكمهم الجزارون السفاحون الذين نبهوا البلاد واتخذوا ما سخر الله ملكية خاصة يلقون بفتاتها لشعب مستذل ؟ إن الحديث يدل على أن الأمير أمير رسول الله ، وإذا رجعنا لرواية لابن عباس في مسلم أيضا والتي ورد فيها بأن الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ، " قد نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن السهمي ، بعثه النبي في سرية " ! وعلى رواية بن عباس مدار الحديثين الواردين عن أبي هريرة من طرق مختلفة ، أي أن سياق الورود يدور حول طاعة أمير الجيش الذي اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليقود السرية.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن بن عباس :" من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات ، فميتته ميتة جاهلية " ، وسبق وأن أشرنا إلى أن الصبر المقصود هنا هو الصبر على ما تكرهه النفس لا الصبر على ما يخالف الشرع أو مقاصده ، ويفيد قوله : "مع الجماعة" أن الأمير مع الجماعة وليس شاذا عنها بظلم أو استبداد ، والمكروه هنا لا يقصد به المكروه الشرعي كقوله تعالى : "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" ، فالقتال هنا واجب شرعي ولكن النفس تكرهه. وهناك أحاديث أخرى يورد منها فقهاء السوء ماهو مطلق دون ما يقيده من أحاديث أخرى ، فالمشكلة هي مشكلة منهج وما تنفثه من سموم ، وهي في مسلم أيضا كحديث : " إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف " والمقصود الأمير ، والمقيد بحديث : " لو استعمل عليكم عبد يقود بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " فطاعة الأمير مرهونة هنا بحكمه بالكتاب والسنة! إلا أن فقهاء المرتبات يسقطونها كذلك على من حكم بشريعة الغاب وليس حتى بالقوانين الوضعية الديمقراطية ! والبخاري يروي لنا حكاية أبي سعيد الخدري ينكر على مروان بن الحكم الخليفة الأموي تقديم خطبة العيد على الصلاة ويغير منكره باليد وقصة أبي ذر الغفاري الصحابي يمتنع للأمير عن إيقاف الدعوة والتعليم في الحرم قائلا : " والله لو وضعتم الصمصامة –يعني السيف- على هذه – وأشار إلى قفاه – ثم رأيت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا بها علي لأنفذتها " ، ويروي لنا المؤرخ الدكتور المفكر محمد عمارة قصة أبي ذر الغفاري أيضا الذي لم يطع لمعاوية بن أبي سفيان عندما رأى منه خروجا عن نهج الإسلام السياسي والإقتصادي ؟ وتساءل عمارة : هل أطاع أبو ذر الخليفة عثمان بن عفان وسمع له عندما أيد معاوية في الخلاف الذي نشب بينهما في فلسفة الإسلام في الأموال ؟ هل سمع وأطاع بإطلاق أم أنه عارض معارضة ؟ إن منهج فقهاء البلاط هو منهج " ولا تقربوا الصلاة" والسكوت عن "وأنتم سكارى" ! لقد رأينا أن الشعوب العربية في ربيع الثورات حين قامت مطالبة بحقوقها غيورة على أوطانها المتخلفة في ظل التقدم الهائل الحاصل عند الناس ، حين رأت أن بلدانها كل يوم بل كل لحظة إلى الحضيض ومزيد التخلف حتى ليعجر اللسان عن نقل حجمه وفظاعته ، قامت ناصحة للحكام أن منهجكم في الإستبداد أهلك الحرث والنسل ، أليس "الدين النصيحة قيل : لمن يارسول الله قال : لله ولرسوله ولدينه ولأئمة المسلمين وعامتهم" ؟ لقد قامت الشعوب ناصحة مؤدية دورها في اليقظة السياسية بما تقتضيه الديمقراطية التي ما فتئ هؤلاء الحكام يدعون أنها طُلبتهم وهدفهم الأسمى ، فما كان رد الحكام ؟ القتل والقمع والتقتيل والإعتقال ! وهذا ليس له إلا تفسير واحد : نفاق الحكام ، وتصور أنفسهم آلهة من دون الله تماما كفرعون الذي ذبح أبناء شعبه واستحيا نساءهم، يرون هذه الأوطان ملكيات خاصة كما قال القذافي : البترول والغاز والبلاد لي أنا وأنت مجرد جرذان ألقي لها ببعض الفتات ! والمسلم الحقيقي لا يخضع إلا لله إذ هذا هو الإسلام : الخضوع لله وحده والإستسلام لأوامره ، ولاينفع مع ذلك الخضوع للبشر والإستسلام لهم دون الحق في النصح والمعارضة والنقاش والتواصل ، نعم نحن إلى اليوم حكامنا لا يتواصلون معنا ويجعلون أنفسهم مقدسين وكأننا في العصر الحجري. وأختم بما قلته في مقالي : "أيها الحكام الذباب يذلكم فلم تذلون الإنسان ؟! " : إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي" ومن شأن الحكم الإستبدادي أن يوغل نفسه في مزيد من العمى والغفلة عن حقيقة المخلوقية ، مخلوقية الحاكم ونسبيته وضعفه ، هذا جانب سلوكي وتربوي ليست القوانين الدستورية ولا الدراسات الديمقراطية معنية بدراسته أو الحديث عنه بل هو أصلا ليس موضوع دراسة بل هو موضوع تذوق ، وبالنظر لكون الأخلاق بصفة عامة في المجال التداولي الغربي حيث أنتجت نظم الديمقراطية عاملا غير موضوعي وغير قابل للملاحظة ، فإن الديمقراطية بإجراءاتها وجوهرها نجحت في كبح جماح التأله النفسي عند الحاكم ، الحاكم له سلطات محددة وله مجال لتحركات مراقبة ومحسوب عليها تنتهي بانتهاء مدة الإنتخاب ، لا أبدية ولا توريث ، ومن شأن هذا كله أن يحيل تجبر الحاكم وطاغوتيته التي لن تتجلى في ظل نظام ديمقراطي غير زائف إلى مجرد حالة نفسية تستدعي العلاج عند أهل التخصص". [email protected] www.anrmis.blogspot.com facebook : hafid elmeskaouy