لماذا نئن ..؟ لماذا نتألم ..؟ لماذا هذه الغصة المريرة المغروسة في الحلق والوجدان ..؟ لماذا هذا الشعور بالحزن ، والكآبة والوجع الذي يهز عواطفنا وكياننا ، ويمزق أفكارنا إلى أشلاء متناثرة..؟ وكأننا لم نضحك من قبل ،ولم نحلم ،ولم نشعر بالسعادة يوما. لا يوجد أسوأ من الإحساس بالألم ، الذي نشعر به أمام لحظة الاغتراب ، أو الوداع أو الرحيل.. أمام لحظة الإحباط والتعثر والفشل.. أمام كل الأشياء التي نحبها ونتمناها ولكنها لا تأتي.. إنه الألم الذي يقف أمامه العقل معطلا حائرا، مرهقا ، عاجزا عن أي تفكير واختيار أصح ، والبحث عن ينابيع أخرى للسعادة.. إنه ألم تتجلى فيه ،وبكل وضوح ،عداوة الإنسان لذاته ، حين يلمح أحلامه ورغباته تختنق وتهزم ، وتجعله يصارع عبثا سيلا من القلق واليأس . بين منعرجات هذه الأودية، من الأحاسيس الجياشة، تمتطي الشاعرة بهيجة البقالي القاسمي، صهوة التحدي، في محاولة ناجحة ،لكسر قيود الصمت، وتحويل لغته إلى صراخ ناطق ، معزوف بأوتار، تقلب كل الصور رأسا على عقب ،وتحولها إلى مشهد واحد تتناغم فيه الكلمات ،وتأسرك عبرها، في إيقاع مترنم ،وجرس موسيقي يغازل السمع والفؤاد في طوله وعرضه . في ديوانها صراخ الصمت ترسم ،الشاعرة المتألقة بهيجة البقالي القاسمي، تصميما هندسيا جديدا ، ترمم من خلاله ،العلاقة بين الإنسان ونفسه ،التي ظلت محايدة ربما طوال مراحل عمره ، ويضع في اعتباره أن الألم واقع لا يستطيع الهروب منه ، وأنه جزء من طبيعة الحياة ، وحقيقة تصاحب صراعنا المتواصل، من أجل الأشياء التي نرغب في الوصول إليها و تحقيقها. مهما كانت معاناتنا وصدماتنا التي نتلقاها، تبقى لحظة الألم ،هي لحظة الصدق الوحيدة لنعيد فيها محاسبة أنفسنا، وتصحيح أخطائنا ، فكثير من الأشياء التي تؤلمنا ،ربما تكون من صنع أيدينا. " صراخ الصمت " لمسة جديدة تنضاف إلى فسيفساء بيت الشعر العربي من خلال شاعرة مغمورة ، تشق طريقها بخطى واثقة ، وصمت ناطق . _ _ _ _ _ _ _ _ كاتب صحافي