مازال ملف القنّاصة في تونس يثير الكثير من الجدال في الأوساط الشعبية كما في الدوائر الحكومية، وقد شهد هذا الملف تجاذبات كبيرة إلى درجة أنّه يعدّ اليوم أحد أبرز نقاط التوتر في البلاد وسببا رئيسيا في إشاعة أجواء من عدم الثقة بين السلطة المؤقتة والشارع التونسي. حيث كثّفت قوى الاحتجاج مدعومة ببعض المنابر الحقوقية ضغوطاتها من أجل فك رموز هذا الملف. بالمقابل تسعى الحكومة إلى تعويم الأمر والرهان على الوقت وإنهاك المحتجين بالتسويف والالتفاف والتجاهل، هذا الأسلوب الذي دأبت عليه حكومة الغنّوشي الأولى والثانية وواصلت في المسار نفسه حكومة السيد الباجي قائد السبسي لينتهي المطاف بوأد الملف وإغلاقه نهائيا بقرار من الوزير الأول الذي أعلن عن ذلك في تصريح ليومية تونسية مبررا هذه الخطوة بعدم وجود قنّاصة في تونس وإن وجِدوا فقد اعتُقلوا وانتهى الأمر. دعاية إنكار وجود القنّاصة تتنافى كليا مع الحقائق الموثقة والموجودة على الأرض لأنّه وبالعودة إلى أحداث مدينة القصرين حيث برز اسم القنّاصة بقوة في أواخر شهر ديسمبر وبداية شهر يناير الفارط سيصبح من السهل التوصّل لحقيقة وجود هذه الفرقة القاتلة التي كانت تعتلي أسطح بعض المنازل المختارة بعناية ودقة ومن ثمّ تقوم بقنص الشباب المتظاهر، ولا يمكن اعتبار عشرات الإصابات في الرأس والصدر نتيجة لرصاص عشوائي خاصة إذا علمنا أنّ المسافة الفاصلة بين مقهى حي الزهور والبنايات العالية المقابلة للشارع الرئيسي أسفل الحي مكان تمركز فرق القنص بعيدة المنال عن الأسلحة التقليدية الغير قادرة على الإصابة بهذه الدقة ومن هكذا مسافات. سواء تحت اسم القنّاصة أو غيرها من الأسماء لم يعد بالإمكان غلق هذا الملف وبهذه السهولة أمام ما توفر من حقائق أو أن يصدّق الناس أنّ كل تلك الإصابات البالغة الدقة والقاتلة ما هي إلا نتيجة لرصاصات طائشة أو شظايا أخطأت طريقها المتابع للحالة التونسية سيهتدي ودون عناء إلى أنّ الحكومة المؤقتة تعترضها إشكاليات كبيرة وعويصة في السيطرة على مختلف الأجهزة الأمنية حيث وصل الأمر ببعض هذه العناصر أن امتنعوا عن الاستجابة إلى القضاء ولم يجدوا من يجلبهم إلى ساحات العدالة بل وجدوا من يحميهم ويتستر عليهم، هذا التمرّد لم يأتِ من فراغ فقد اعتبر العديد من أعضاء الفرق الأمنية أنّ المحاكمات التي تستهدف الرتب الدنيا والوسطى ليست إلا محاولة لصرف أنظار الشعب عن المجرمين الحقيقيين أولئك الذين خططوا وأعطوا الأوامر انطلاقا من مكاتبهم الفاخرة. في حين ذهب الكثير من الملاحظين والمهتمين بالشأن التونسي إلى أنّ الحكومة المؤقتة غير قادرة على معالجة ملفات من هذا الحجم وبمثل هذا التعقيد وأنّ الحل الواقعي في التعجيل بالخروج من المرحلة الانتقالية وتضافر الجهود باتجاه إنجاح محطة انتخاب المجلس التأسيسي حتى تكون السلطة آنذاك مدعومة بإرادة الشعب مما يجعلها قادرة على التحرّك بخلفية شرعية قوية تخولها فتح جميع الملفات العالقة.