"كنت أنتظر انطلاق الألعاب الأولمبية بفارغ الصبر، آملة في التمتع بأجواء البهجة التي تتخللها وعازمة على مساندة منتخب بريطانيا بغية كسب الميداليات، وكنت أيضا أتوقع مزيدا من السياح والزبائن.. لكن كل ذلك انعكس سلبا علينا ونحن الآن وبعد أسبوع من افتتاح الأولمبياد نشكو ضعف الإقبال على المتاجر وهجرة السياح إلى شرق لندن". بهذه الكلمات المحزنة علقت ميشال ويد على انعكاسات الألعاب الأولمبية 2012 على شركات ومتاجر وسط العاصمة البريطانية لندن، أو ما يعرف ب "ويست اند". انهيار النشاط التجاري وغضب على كل المستويات ميشال صاحبة "دار بيرتو" المتخصصة في بيع الحلويات الفرنسية التي يعشقها سكان لندن، والتي تقع بشارع "غريك ستريت" في حي سوهو المعروف بحيويته وانفتاحه على سوق الموضة. وهي واحدة بين كثيرين من أصحاب الشركات والمتاجر الذين أطلقوا نداء إغاثة بعد أن أصبحت لندن، على حد قولهم، "مدينة خالية" منذ انطلاق الألعاب الأولمبية. وقد وجهوا انتقادات لاذعة إلى الهيئات السياسية اللندنية وعلى رأسها بوريس جنوسون عمدة المدينة، متهمين إياه بأنه ساعد على إخلائها من سكانها وتهجير السياح نحو الشرق حيث يقع المجمع الأولمبي. وقالت ميشال ويد إنها مستاءة جدا خاصة أنها لم تكن تتوقع أن تنقلب الأمور رأسا على عقب، مشيرة إلى أن السلطات أساءت التقدير ب "دعواتها المتكررة إلى السكان والسياح قبل انطلاق الألعاب لتفادي وسط لندن من أجل تجنب الازدحام في حركة السير وقطارات الأنفاق". والنتيجة أن "دار بيرتو"، التي تأسست في 1871، سجلت انخفاضا بنسبة 30 في المئة في نشاطها مقارنة بالعام الماضي في هذه الفترة. ارتفاع في التنديدات وتضارب في المسؤوليات وبالرغم من أن بعض أصحاب الشركات يؤكدون أن نشاطهم هو مثل ما كان عليه دائما، إلا أن التنديدات توالت في الصحافة البريطانية مؤخرا. فهذه أنجيلا سكيلي، مديرة شركة "جاك تريفل" المتخصصة في حجز الغرف بالفنادق تقول إن "حجز الغرف في لندن تراجع كثيرا في فترة الألعاب الأولمبية، في حين أنه سجل ارتفاعا في باقي المدن الأوروبية الكبرى". وأوضحت أن "بعض الفنادق الفخمة بلندن اضطرت إلى خفض ثمن الحجز من 400 جنيه (نحو 500 يورو) إلى 150 جنيه (نحو 200 يورو). وهذا توني كامبوباسي يشتكي من أن متجره المتخصص ببيع "آيس كريم" في حي "كوفنت غاردن" السياحي سجل انخفاضا في مبيعاته بنسبة 30 في المئة. وهؤلاء أصحاب مطاعم يشكون من تراجع نشاطهم 60 في المئة، وبحسب إحصاءات غير رسمية، فأن عدد السياح الأجانب الذين وصلوا لندن بلغ 100 ألف شخص، في حين كان ينتظر مجيء 300 ألف. وكانت هيئة معالم لندن كما نقابات سائقي سيارات الأجرة "تاكسي" قد شددت على بوريس جنوسون وعلى شركة النقل اللندنية محملين إياهما مسؤولية هجرة السكان والسياح وسط المدينة. وفي خطاب مسجل أذاعته الصحافة البريطانية قبيل انطلاق الألعاب، دعا جنوسون إلى تفادي وسط لندن معتبرا أن المدينة مقبلة على استقبال مليون شخص يوميا، ما سيؤثر في حركة السير وقطارات الأنفاق. كما أن معظم الشركات الكبرى شجعت موظيفها على العمل من المنزل خلال فترة الأولمبياد وعدم استخدام الدراجات للذهاب إلى عملهم. عمدة لندن يبحث سبل تدارك الموقف وسعيا منه لتدارك الوضع، استدعى بوريس جنسون الأربعاء الماضي رجال الأعمال لبحث سبل إنعاش الحركة الاقتصادية والنشاط التجاري في وسط لندن، متعهدا بإطلاق حملة مضادة لحث السياح والسكان على العودة إلى وسط لندن. وفيما وسط العاصمة البريطانية يشكو من الهجرة، سجل شرقها توافدا قياسيا على معالمها ومزاراتها ومتاجرها. وأكبر المستفيدين من الألعاب الأولمبية هو "ويستفيلد سيتي" وهو مركز تجاري ضخم يقع بحي ستراتفورد المحاذي للمجمع الأولمبي. المركز يستقبل يوميا آلاف الزوار، وفيه 300 متجر و70 مطعما، ويوفر للزبون أي خدمة يريدها. وقالت تالندا وهي إحدى مسؤولي "سبور ديريكت" المتخصص في اللوازم الرياضية إن "الحركة لا تتوقف طوال النهار وطرفا من الليل من شدة إقبال الزبائن" مؤكدة أن النشاط ارتفع بشكل "خرافي لم يكن يتوقعه أحد قبل انطلاق الألعاب الأولمبية". وهذا ما سيسعد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، الذي بقي وفيا لتوقعاته بأن الأولمبياد ستعود بفائدة كبيرة على بلاده. أما ميشال ويد، فلم تجد أمامها سوى حل واحد: فقد دعت عمدة لندن إلى زيارة متجرها وشراء بعض الحلويات من أجل دفع باقي سكان المدينة إلى العودة إلى وسط العاصمة. ** المصدر: فرانس 24