مطر على غير موعد، واللقاء كان بموعد، ولكن بخطوات طرية، تقدم مرة وتؤخر مرات أكثر، هندام تعثر بالمطر، وبأشياء أخر، ووجه لا يبلّغ بيوم حافل بالضحكات مع أن اللقاء كان منشودا والأمل به كان سببا لبعث الروح بالحياة. السلام في اللقاء كان دون حفظ الملامح، إذ كانت الاتجاهات الأخرى اقرب إلى العين والذاكرة، ثمة صوت ماء، لا يبعث باللقاء الحياة، بل إن ضجيجه كان كفيلا بتشتيت الكلام والسير به في غير اتجاهه، ما زال هناك عجز في تحديد إن كان هناك كلام باللقاء إذ لا يمكن أن يكون اللقاء صامتا. في إحدى اللقاءات وبعد أن أصبح أبو عمار غير ذي صفة بعد رفضه لما طلب منه في كامب ديفيد، كان هناك لقاء يحدّث عن نفسه إذ كانت عيناه غير مرحبة بضيفه ومقصدها كان إلى غير اتجاهه، حتى ملامحمه لم تكن تستجيب حتى لالتقاط الصور التذكارية، بابتسامة مصطنعة. كان لنا عدوا واحدا، حتى أصبحنا أعداء أنفسنا، منذ أصبحنا سلطتين نتقاسم هواء المكان وليس حريته، أصبح الحديث بيننا حديث الكأس الطافح، فقد استفحل عدم الرضا، حتى غدا الصلح وكأنه طيف أو ذكرى حلم، كانت فرصة اللقاء بيننا باهرة ولكن الثمن كان فادحا، ثمة رتابة مملة وكأن سلطتينا رضيتا بالكرسي الذي لا يحرك حتى حارسا، إذ الخلاف بينهما وان كان صامتا إلا أن ظروف كثيرة تعمد إلى إيقاظه بين حين وأخر فتكون النتيجة جدال مؤلم يؤدي إلى موت فلسطين شيئا فشيئا. لعلعة المزامير والطبول المدوية تكاد تشرّد رؤيتنا ولا تعطينا الأداة لفهم ما يجري حولنا، إذ مللنا أن نكون في حالة دفع مستمر للتكاليف دون الأمل بالحصاد. واعتقال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني عزيز الدويك، اعتبر من أطراف عدة أن اعتقاله يقض من جهود المصالحة الفلسطينية، وكأننا كنا نخوض في العسل قبل هذه الخطوة، الأسف الحقيقي أن الواقع الفلسطيني بات رهين سلطتيه، سلطة رام الله وسلطة غزة والخلاف بينهما، ولكن هل غاب عدونا الحقيقي عن دنيانا حتى لم نعد نرى في أنفسنا إلا مجرد طغاة، كل طرف منه يعد ويرصد هنات وهفوات الآخر، وكل هذا لن يزيدنا إلا السير بسرعة إلى الموت، وهل غاب عدونا الحقيقي حتى لم نعد نراه وهو يجرف الأراضي الفلسطينية في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية، لتوسيع مخططاته وبسط نفوذه على الشجر والحجر وقهر الإنسان، وهل غاب عنا عدونا حتى لم نعد نرى مخططاته التدميرية ونرى فقط نوايانا التدميرية. المستقبل سباق وبقاء سباق مع الفاتحين لا مع المنتقمين، سباق نجعل فيه من نقاط الاختلاف تكاملا لسد الثغرات، لذا على الشعب الفلسطيني بكل فصائله أن يعمل على توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة عدو واحد، والإيمان المطلق بعودة فلسطين بعيدا عن خلافات الأخوة الشقاء.