تأخرت عن الرحيل،ما كان عليك أن تضل بيننا حتى يصير الرمان بدون شجر،و ما كانت القصيدة التي شكلت هوية فلسطين الأولى أن تسعفك كي تضل بيننا.لا نخشى على الذين نحبهم أكثر من الموت، حتى أننا نتمنى رحيلهم في الزمن الذي مضى، كي لا يعودوا سوى نتف من الذاكرة، ألم الموت مضارع للزمن، لا يشفيه سوى ما مضى، فلماذا تختار حاضرنا كي ترحل؟كأننا بدون فواجع،و كأن الزمن الذي نعيشه لا يليق سوى برحيلك.ألم يكن أجدى بك أن تضل بروازا فوق كومة الألم التي نعيشها يوميا، أملا أو خيبة أخرى، لا فرق بين الرايتين.لم نعرف فلسطين سوى من خلال قصيدتك،كنا تلاميذ نعلن هويتنا الرافضة بالصدح عاليا :سجل أنا عربي ،و رقم بطاقتي خمسون ألفا....لم نعد أطفالك الثمانية كما كنا،ولم تعد أحمد العربي كما كنت،أصبحت كينونتك أكبر من تفاح حيفا،و أصبحت الكلمة في شعرك طلقة مدفع تقتلنا بالحب ،الحب في شكله المطلق و الأبدي...... كنا نخشى من فرط الخدر المبثوث في كلماتك،أن نحب عدونا،كان العدو فينا،و كانت فلسطين تنسحب من بين أصابعنا،و كنت تهيئ الرحيل،في غفلة عنا،في غفلة عن طفل داهمته ذات لحظة طائرة يراها لعبة فيفرح،و تراه هدفا.....يصبيه الطيار فينتشي. كم كانت فلسطين تكبر،و كم كنا مبتهجين حين علمنا أنك من دبجت إعلان الدولة الفلسطينية،لكنني في ذات اللحظة،غمرني إحساس أن فلسطين هذه لن تكون سوى حلم كالقصيدة،سيتأبطها شاعرها و يرحل،فلماذا أقدمت على ذلك،دون أن تنبهنا لضرورة أخد أقراصنا المنومة،و الغرق في كؤوسنا المرة،عن أي شيء سنبكي،افلسطين الشاعر؟ دولة بحجم كل الأروقة حيث تعلو الكلمة،و حيث ينحني كل رؤساء الدول ،الذين لا يفقهون في الشعر طبعا، و يوشحونك بكل الأوسمة كي يفتنوا شعوبهم،أم فلسطين التي حملها صاحبك بين كفيه المرتعشة ، و روحك المشطورة لنصفين،أبي عمار؟ أم سنبكي ما تركته وراءك،لا يتوحد سوى في بكائك،مهزوما و منقسما،بين البنادق و بين المذاهب و بين العدو؟تعمدت الرحيل في هذه اللحظة بالذات، نكاية بنا و نكاية بما ألنا إليه، دولة أصغر من سرير الغريبة،و سلطتين كوسادتين عاشقين يدركان تفاصيل جسد بعضهما،و لم يعد يجذبهما في بعضهما ما يرتويان به،لا شئ سوى تفاهة الإديولوجيا،و عقم اللاهوت،تمضي غاضبا،و فرحا و ذو قلب مفتوح على مبضع الطبيب،و على حلم أطفال يرددون أشعارك في أزقة العدو و العدو و العدو.....كم للقضية من عدو؟لننخرط في خرائط تتيه بنا في الطريق،خريطة مع إسرائيل،و خريطة بين إسرائيل و غزة و أخرى بين إسرائيل و الضفة،و بين الضفة و غزة،و بين.....و بين.ترحل عنوة،في ممارسة أخيرة لغضبك الشرير......تأخرت في الرحيل،فلماذا لم تفعل ذلك قبل؟ كنا على الأقل ،فس اللحظة الراهنة،قد تجاوزنا لوعة الفراق،و ألم الغياب،كنا على الأقل نتألم فقط لهذا الدمار الذي لحق بكينونتنا.....لم تعد فلسطين سوى أثرا بعد عين،فسلام على الدولة/الشاعر،الذي تأخر في الرحيل. [email protected]