بالنظر إلى الكوارث التي تركها بن علي خلفه من استفحال الانتهازية وتمييع وتطويع لكل مناحي الحياة فإنّه لا يمكن لعاقل أن يطالب بعمليّات تطهير شاملة وحادّة لمختلف القطاعات وفي زمن وجيز، إنّما يجب أن يتم الأمر بالتدرّج وتهيئة المناخ أمام مختلف الهياكل كي تجدد نفسها وتلتقط الرسالة ثم تنخرط إيجابا في مؤسسات الشعب وتقطع مع عقليّة الانخراط في مؤسسات الجنرال، ومن الواضح ووفق المناخ السائد داخل الترويكا أنّ الرهان الكبير لن يكون على خلفيّة الملاحقات الشاملة والواسعة إنّما سيكون في قسمه الأكبر مبنيّا على التغيير الإرادي وحسن التعامل لمختلف الجهات مع الواقع الجديد الذي أحدثته إرادة الشعب غير أنّ هناك ملفّات ملحّة وشديدة الأهميّة والحساسيّة تتطلب معالجة فوريّة يأتي على رأسها ملفّ التلفزة الوطنيّة، هذا الجهاز الذي استبسل في القتال إلى جانب الجنرال بل وزايد عليه، وحين ارتخت قبضة بن علي وأعلن الانسحاب كان هذا الجهاز العجيب يمدّ من حبل الولاء، وعندما استقام الأمر للشعب شرع القائمون على التلفزة في تفريخ العلل وأجمعوا على أنّ قلوبهم مع الشعب لكن الخوف من بطش الطاغية جعلهم يستجيبون إلى سياساته، ولطيبة الشعب التونسي وتسامحه أعطاهم عوض الفرصة فرصا لكنّهم عادوا إلى أدوارهم القديمة لا بل لأدوار أكثر وقاحة وإلا فأي لؤم أكبر من أن تكون تلفزتنا الوطنيّة خادما ذليلا لطاغية قادم بانقلاب حكم شعبه بدبابة حتى إذا خلع واختار الشعب قياداته دبّرت لهم التلفزة المكائد ووضعتهم تحت مرمى نيرانها واستسلمت لأقليّة منهزمة، إنّه من عجائب إعلامنا كرهه المحيّر للشرعيّة ورغبته المستفزّة في مخالفة وجهة الشعب. لقد اختار بعض سماسرة الإعلام الذين تربّوا على أعين بن علي والرمضاني وغيرهم أنّ يقوموا بعمليّة تفريغ لطواقم قناة نسمة في القناة الوطنيّة ومن ثمّ استنساخ تجربتها بالكامل، ثم وانطلاقا من هذا المنبر الذي يموّله الشعب من عرقه شرعت الطواقم المستوردة والمدربة على الفتنة والتخذيل في تقزيم إنجازات الشعب واشتغلت على تفكيك التحالف الثلاثي ثم حرّكت الفتنة بين مكوّنه كل على حدى، وها هي اليوم تسعى جاهدة لتغذية الخلاف الذي استجد داخل المؤتمر وترصد حصصا وبرامج خاصّة لهذا الأمر وتسوّق لضرورة الحسم في التقارب مع النهضة وتقوم بتوجيه جميع التحليلات باتجاه تحميل تبعات المشكل داخل المؤتمر للجناح المحافظ والمتناغم مع الحركة. على المسؤولين عن القطاع أن يبادروا إلى وقف فوري لهذه المهزلة فالشعب لم يعد يصبر على مجموعة متغربة سيطرت على أجهزة التلفزة واستوديوهاتها وأصبحت تسوّق لخطاب الفتنة والإحباط من داخل المحطة وترسل عدساتها لأقصى الجنوب إذا ما سمعت بشبهة اعتصام، لتتوقف هذه المهزلة فورا ولتطلق القناة الوطنية فلول 23 أكتوبر ولتنطلق في مشاريع إبداعيّة مهنيّة ومستقلّة.