في رسالة خطيرة وجهها الملك أبو يوسف يعقوب المريني إلى ملك فرنسا فيليب الثالث والتي يدعوه فيها إلى نصرة الملك الإسباني ألفونس العاشر يظهر المغرب بمظهر الدولة العظيمة الحريصة على الاستقرار الدولي والراعية لما يعرف في وقتنا بالشرعية الدولية ،وقد تدرج العاهل المغربي في عرض غرضه فبدأ بما تقتضيه الأعراف من عبارات المجاملة والمودة حيث سيستهل رسالته قائلا :" بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله يعقوب بن عبد الحق أيده الله بنصره وأمده بمعونته وعضده ويسره، إلى الملك الأجل الأغر الأسنى دون فيليب ملك إفرانسه 000نحن نعرف بعون الله قدر محلكم الجليل في كبار الملوك ولا نزال في إقامة الواجب بحسب ذلكم "، ثم سينثني بعد ذلك إلى الحديث عن الباعث الذي حمله على مراسلته فيقول "إننا نقرر عندكم ،ما عندنا من إقامة الواجب وملاحظة ما يلزم …فإننا نرى أن ذلكم حقا لازما نحن أحق من أقامه وأوجب من كمل ما يجب له وأدامه " والظاهر من هذا الكلام أن العاهل المغربي يتحدث من منطلق ما يمليه عليه واجبه في حفظ السلم العالمي، إذ يرى ذلك من آكد الواجبات وهو أحق من يقوم به ويسترسل في بسط غايته من الرسالة فيقول "إن الملك الأسنى دون ألفونس ملك قشتالة وطليطلة وإشبيلية وقرطبة ومرسية وجيان والغرب 000وقع بينه وبين ولده ما لم يقع قط في النصارى بين ولد ووالده،ورأينا أن ذلكم فعل قبيح في كل الأديان ، وعار لم يسمع قط بمثاله في حين من الأحيان، فوجب علينا أن ننفر له النفرة التي تليق بما له من رتبة علية وعزة سلطان ، وإن كنا بحال مخالفة معه في المذاهب والأديان ،وعلمنا أن عمل الواجب في حقه نحن أحق من وفي فيه 000وأدركتنا الغيرة 000وبادرنا لنصرته وإعانته 000مبادرة أخلصنا فيها النية وما أجنينا لغرض من الأغراض ولا لبلاد ولا لمال من ماله ولا لغرض من أغراضه فإن الله تعالى قد أعطانا في البلاد والمال وسعة الملك في الممالك الحسان والرجال 000ونحن لا نزال معه يدا واحدة وصداقتنا هذه متعاضدة حتى يملك ما بقي من بلاده ". وبالرجوع إلى السياق التاريخي للحادثة التي تشير إليها الرسالة نجد أن ملك قشتالة عندما فقد عرشه بعد انقلاب ولده عليه قصد ملك المغرب فاستقبله هذا الأخير استقبالا مهيبا ، فانحنى الملك الإسباني على يده وقبلها إجلالا واحتراما ثم تضرع إليه أن يعيده إلى عرشه، ورهن عرش ملكه عنده برهانا على حسن نيته فحصل منه نظير ذلك على مائة ألف دينار من الذهب ووعد بالمآزرة سرعان ما سيترجم إلى حملة عسكرية ستصل إلى حدود حصن مجريط عام 1282 م وستحقق انتصارات باهرة.