عالمان متعانقان العالم العربي والإسلامي،وعالم شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال) عالمان غيرغريبين،ولابعيدين عن بعضهما البعض،هذا العالم الإيبيري الجزيري الأخيرعالم توأم، لصيق بتاريخنا، وثقافتنا،وتفكيرنا، وتراثنا، وعاداتنا، وتقاليدنا، وعوائدنا ، ووجداننا، فالعهد الأندلسي الإسلامي الزّاهر بالأندلس كانت له صلة وثقى بتاريخ المسلمين المغاربيّين منهم والمشارقة على حدّ سواء على إمتداد العصوروالدّهور، بحضورهم الفعلي على أرض شبه الجزيرة الأيبيرية المحروسة، وإسهامهم الوافر في بناء صرح حضارة مزدهرة أشعت على العالم المعروف في ذلك الإبّان ، وأنارت دياجي الظلام في أوربّا التي كانت غارقة دهرئذ تغطّ في سبات التأخر،ولمّا تزل تتخبّط فى دهاليزالظلام والتزمّت والجمود. هذا العالم المسيحي اللاّتيني تربطه من جهة أخرى بعالمنا الإسلامي المترامي الأطراف علاوة عن العنصر التاريخي،آصرة أخرى وثقى وهي خاصرة الأدب ،وآصرة الفكر، وفيض هائل من الموروثات الحضارية،والتاريخية، والثقافية، والعلمية، والعمرانية، واللغوية، وفى مختلف مناحي الحياة ومرافقها، وذلك بحكم الجيرة والجوار، والمعايشة والتعايش ، و القرب والتقارب الجغرافي والتاريخي المشترك، الشيء الذي جعل للحضارة الإسلامية حضورا قويّا، مشعّا، ومتواصلا في مختلف شرائح المجتمعات التي تعاقبت وتوالت، ودبّت وهبّت على ثرى هذا الفردوس الذي غدا فى عرف البعض فردوسا ضائعا بل مفقودا...! وقد إنعكس ذلك الإشعاع الحضاري الوهّاج بشكل جليّ فى مختلف أعمال المبدعين، والشعراء،والكتّاب، والرّوائيين، والرسّامين،والفنّانين الأسبان والبرتغاليين على إختلاف مشاربهم الأدبية، وتباين أساليبهم الإبداعية على إمتداد الأزمان والعصور. إبداعات مستوحاة من معين واحد هذه الإبداعات التي لا حصر لها لونا،وشكلا، ومضمونا، وأسلوبا، وعددا تؤكّد لنا أنها تفجّرت، وتفتقت، من ينابيع متعدّة مشتركة، وروافد متداخلة متشابهة، إلاّ أنّها فى مجموعها مستوحاة من معين واحد، وأينعت من دوحة واحدة، وإن إختلفت لغاتها و بلاغتها طورا ، أو تباينت أساليبها وأغراضها أطوارا أخرى، ومافتئت العديد من النصوص، والوثائق،والمظانّ، وأمّهات الكتب، والمخطوطات، والأشعار، والآداب التي أبدعها كتّاب وشعراءومؤلفون مسلمون أقاموا، و استقرّوا أو ولدوا، وترعرعوا، أوعبروا، أومرّوا بالديار الأندلسية إلى جانب المعالم التاريخية، و المآثر الحضارية والعمرانية والقلاع الحصينة الشامخة التي أقاموها هناك- ما زالت شاهدة على الإشعاع العربي والأمازيغي المسلم في هذه الأصقاع. كما أنّ الأدب الرفيع لا يحيا ولا ينمو ولا يزدهر أبدا داخل حدود مغلقة، بل إنه يعيش ويزدهروينمو ويثمر فى عوالم فسيحة، وأجواء متسامحة، كما كان عليه الشّأن فى الأندلس فى أوج عزّها، إنّه يقف اليوم مشرئبا، متعانقا، شامخا، مطلاّ بهامته على ضفتي هاذين العالمين اللذين جمع بينهما المصير حينا،وفرقتهما المصالح، والأهواء والمطامح حينا آخر. . هذه القراءات، والجولات التي سنقوم بها معا فى تاريخ حاضرة مجريط العتيقة العامرة، أو مدينة مدريد القديمة لا جرم أنها ستعود بنا الزّمان القهقرى، لنستحضر ونسترجع بها و فيها و منها ماضيا تليدا ، ومجدا ضائعا، و تراثا نابضا، وتاريخا حيّا في زمن أضحى فيه التنائي بديلا عن تدانينا ، و ناب فيه عن طيب لقيانا تجافينا... ! حاضرة مجريط العامرة الحضورالعربي والأمازيغي البربري الإسلامي في هذه الحاضرة العامرة التي أمست من أكبر الحواضر الأوربية فى الوقت الرّاهن، حضور قويّ نابض وزاخر ، أسّسها تحت إسم " مجريط" في القرن التاسع الميلادي الأمير محمد بن عبد الرحمن خامس الأمراء الأموييّن في الأندلس. ولتسليط الأضواء على هذا الموضوع الحيوي المثير ،سيدور حديثنا عنه إنطلاقا من محورين إثنين: الأوّل عن المادّة العربية التي ظهرت حتى الآن حول مدينة مجريط الإسلامية. أمّا المحور الثاني فسينصبّ على مدريد في رحلات خمسة من السّفراء المغاربة لدى البلاط الإسباني إبتداء من القرن 17 إلى القرن 19 الميلاديين. يشير العالم المتخصّص فى تاريخ الاندلس الصّديق الدكتور محمد بنشريفة إلى أنّ معظم القبائل التي نزلت مدينة مجريط على إثر الفتح الإسلامي لإسبانيا كانت قبائل بربرية تنحدر من المغرب على وجه الخصوص ،حيث إستقرت في مجريط، ومكادة، وطلمنكة، ومدينة سالم، ووادي الحجارة وغيرها من مدن الثغر الأدنى وقراه. وقد أكّد ذلك المستشرق المعروف " سيزار دبلر". والغريب أن هذه الأماكن، والمواقع وغيرها لا تزال موجودة إلى يومنا هذا و هي تنطق كما كانت تنطق إبّان التواجد الإسلامي بها مع تحريف بسيط لحق بأسماء بعضها. . ويشير الدكتور بنشريفة كذلك إلى أنّ مدريد هي إحدى المدن الإسلامية التي أنشأها المسلمون إنشاء فى شبه الجزيرة الإيبيرية، وقد أحصى منها الأستاذ "ليوبولدو طورّيس بالباس" إثنتين وعشرين مدينة. والأمير محمد بن عبد الرحمن هو مؤسّس مدينة مجريط كما كانت تسمّى وقتئذ. إسم مدريد ومعناه ولقد إختلف الدارسون في أصل إسم مجريط ومعناه، ولعلّ أشهر الآراء المطروحة هي أنّ إسم مجريط يتألف من كلمة عربية هي مجرى أو مجري بالإمالة ألحقت بآخرها نهاية لاتينية للدّلالة على التكثير أو الكثرة لأنّها مدينة معروفة بكثرة مجاري المياه الجوفية فيها، وهذا الرّأي إجتهادي وليس بالرّأي النهائي القاطع، ويأتي بعض الباحثين برأي آخر حول إسم هذه المدينة، وهو أنه قد يكون نسبة إلى قرية بربرية تسمّى " بني مجريط" ذلك أنّ الأستاذ المرحوم محمد الفاسي (محقّق مخطوط رحلة ابن عثمان المكناسي " الإكسير فى فكاك الأسير") يقول في تعليق له على مدريد فى هذا الكتاب : " وقد كانت مجريط قرية صغيرة تنزلها قبيلة بربرية تدعى بني مجريط. وتوجد قرب مدريد قبائل أخرى بربرية أخرى قريبة في النطق من بني مجريط، فضلا عن وجود قبيل بربري آخر يسمّى بني ماجر بالقرب منها كذلك " .وأمّا ما يقال على أنّ إسم مدريد هو من"مادريد" أي (ماء دريد) بعد أن رخّمت همزة الماء، فذلك لا يعدو أن يكون ضربا من الخيال ليس إلاّ. . وقد أسّست مدريد في البداية لأغراض عسكرية، ودفاعية هي حماية الثغور ومراقبة طليطلة، إلاّ أنها لم تلبث أن تحوّلت إلى قرية صغيرة، ثم إلى مدينة تشتمل على جميع مقوّمات المدن الإسلامية الأندلسية كالمسجد الجامع الذي تلقى فيه خطبة الجمعة، ويجتمع فيه المدرّسون، والفقهاء،وطلاّب العلم. . وقد عيّنت الحكومة المركزية بقرطبة فى تواريخ متباينة بمجريط مجموعة من الولاة الذين تعاقبوا عليها لحين سقوطها. ويؤكّد الدكتور بنشريفة فى هذا القبيل : "والغريب أنّ هؤلاء الولاة كان معظمهم من أصل مغربي. وقد أصبحت مدريد من الثغور المقصودة من طرف العديد من المجاهدين والمتطوّعين، وكانت مفتاح العزّ الذي أدركه المنصور بن أبي عامر ومنطلق النجاح الذي حالفه" . ويحكي لنا المؤرّخ المراكشي ابن عذارى قصّة إجتماع جرى في مدريد أدّى إلى إنفراد أبي عامر بالحكم وإستئثاره بالسلطة . . ومرّت بالمدينة خلال العصر الإسلامي العديد من الأحداث والقلاقل التي كانت في الواقع إنعكاسا لتطوّرالأحداث السياسية في قرطبة، خاصّة بعد أن أنتهت الحجابة العامرية فيها، ويسجّل لنا الشاعر الأندلسي ابن درّاج القسطلي فى إحدى قصائدة الرّائعة إنتصارات المصموديّين والزناتييّن في نواحي مجريط وأرباضها، ويحكي لنا المؤرّخون قصّة أمير مزيّف إدّعى أنّه من ولد الخليفة المهدي بن عبد الجبّار. ويقول بنشريفة: " لو نجح هذا الذي إدّعى أنّه عبيد الله بن المهدي لجعل مجريط عاصمة في العصر الإسلامي " . . وإنتقلت مدريد من يد المسلمين إلى يد المسيحيين بإستيلاء ألفونسو السّادس عليها عام 1083 م . مدريد في كتابات السّفراء المغاربة موضوع كتابات السّفراء المغاربة في القرون السابع عشر، والثامن عشر، والتّاسع عشر كانت محلّ دراسة وتمحيص من طرف العديد من الباحثين المغاربة والإسبان على حدّ سواء. . وتجدر الإشارة فى هذا الصّدد أنّه إذا كان المغاربة أوّل من دخل الأندلس مع طارق بن زيّاد ، فإنهم أوّل من عادوا إليها بعد فترة من القطيعة بوصفهم دبلوماسيين، ومفاوضين، ومبعوثين من طرف بلدانهم فى مهام دبلوماسية عديدة لدى البلاط الإسباني فى تواريخ متفاوتة. السّفارات، أوالبعثات الدبلوماسية المغربية للديّار الإسبانية التي دوّنت ضمن مخطوطات وكتب رحلات مشهورة معروف منها حتى اليوم خمس وهي 1-"رحلة الوزير في إفتكاك الأسير" لمحمد بن عبد الوهّاب الغسّاني سفير السلطان مولاي إسماعيل إلى الملك كارلوس الثاني عام 1690 - 1691 م 2- رحلة الزيّاني عام 1758 م . . 3- " نتيجة الإجتهاد في المهادنة والجهاد" لأحمد بن المهدي الغزال سفير سلطان المغرب محمد بن عبد الله إلى ملك إسبانيا كارلوس الثالث 1766 م . 4- " الإكسير في فكاك الأسير" لمحمد بن عثمان المكناسي سفير سلطان المغرب محمد بن عبد الله إلى العاهل الاسباني كارلوس الثالث كذلك 1779 م 5- " التحفة السنيّة" لأحمد الكردودي 1885 م. وكانت ملاحظات هؤلاء السفراء تتركّز بالخصوص على وصف ما تبقىّ من المعالم العمرانية ،والمآثر التاريخية، الإسلامية في مختلف المدن الأندلسية . بل إنهم كانوا يلتقون بكثير من الإسبان المنحدرين من أصل أبناء المسلمين. وتحفل رحلاتهم بالعديد من القصص، والحكايات، والأوصاف الدقيقة لكلّ ما شاهدوه خلال رحلاتهم فى مختلف المدن، والحواضر، والقرى، والضّيع، والمداشر الإسبانية ، وبشكل خاص العاصمة الإسبانية مدريد، فضلا عن متابعاتهم وتسجيلاتهم لمختلف التطوّرات،والأحداث التاريخية التي عاشها هؤلاء السفراء الرّحالون في هذا القبيل فى عصرهم. وصف ابن عثمان لمجريط ونورد فيما يلي نموذجا لأوصاف هؤلاء السفراء، وبشكل خاص وصف السفير الرحّالة ابن عثمان المكناسي لمدينة مدريد فى ذلك الإبّان فى كتابه الطريف " الإكسير فى فكاك الأسير" إذ ما أن وصل ابن عثملن إلى مشارف مدريد حتى بدأ فى وصفها قائلا:" هذه المدينة كبيرة، غاية فى الكبر وضخامة البناء، حاضرة الحواضر ببلاد إصبانية (كذا) (يعني إسبانيا) بنيت على ربوة، وببابها "وادي مانساناريس" (هذا النّهر ما زال يمرّ بمدريد إلى اليوم) زادها حسنا وبهجة وسناء . وقد غرسوا على جانب الوادي الذي من ناحية المدينة أشجارا كثيرة مثل التمر وما أشبهه فى غاية العلوّ بصفوف معتدلة يتفيّأون ظلالها عشية وقت خروجهم، حيث يتردّدون على حاشية الوادي المذكور على أكداشهم (مفردها كوتشي وهي حنطور أو عربة يجرّها حصان، ويطلق هذا الإسم اليوم فى إسبانيا على السيّارة) ، ولمّا دخلنا المدينة وجدنا بها من الخلائق أضعاف من تلقّانا بخارجها، فسرنا فى سكك متّسعة، وديار مرتفعة، فجلّ ديارها لها ست طبقات وخمس طبقات لكلّ دار سراجيب منفتحة للأزقّة، ومغلقة بالزّاج عليها شبابيك الحديد، وأسواقها عامرة مشحونة بأهل الحرف والصنائع والتجارة والبضائع، وجلّ باعتها من النساء" . كما وصف ابن عثمان: "القنطرة التي تعلو نهر منساناريس بمدريد ذات الأقواس التسعة، وهي غاية فى الإتقان والإحكام والضخافة، وعرضها نحو مائة شبر يسمّونها قنطرة طليطلة، وكذا باب مدريد، وهي تسمّى بباب طليطلة لكون المسافرين إلى طليطلة يمرّون بها " . وتجدر الإشارة أنّ إسم هذه الباب ما زال يطلق عليها إلى يومنا هذا،وإلى مدريد أو مجريط ينسب العالم الرياضي الفلكي الكيمياوي الشهير أبو القاسم مسلمة المجريطي الذي كان يلقّب ب"إقليدس الغرب".(أنظر مقالي فى "هسبريس" حول هذا السفير الرحّالة المغربي المنشور تحت عنوان " هذا تاريخنا يشهد علينا..المغاربة وحسن الجوار) بتاريخ 21 أكتوبر 2013). التثاقف والمثاقفة هذه الرّحلات وأجه أخرى من مختلف مرافق الحياة كان لها تأثير ملحوظ في التفاعل والتثاقف بين المغرب وإسبانيا بشكل خاص،وبين العالم العربي الإسلامي والغرب على وجه العموم . فمثلما كانت إسبانيا مصدر إلهام وإبداع للعديد من الكتّاب العالميين ، فقد كان المغرب والعالم العربي كذلك مصدر إلهام للعديد من كبار الكتّاب والمبدعيمن مختلف أنحاء العالم وبشكل خاص الإسبان منذ رائد المسرح الإسباني "لوبي دي فيغا " إلى الكاتب والروائي المعروف "خوان غويتيسولو"، مرورا ب: فرانسييسكو دي بييّا إسبيسا، وخوسّيه كادالسو ، وبيريث غالدوس، وفيسينطي أليكساندري، وأطونيو غالا، وسواهم وهم كثير. فالمسرحيّ الإسباني الشهير" لوبي دي فيغا" قد تعرّض للمغرب فى مسرحيته" طائر الفينيق " أو العنقاء. و"فرانسيسكو دي بيّيا إسبيسا " عاش فى مدينة العرائش من أشهر أعماله :"قصر اللؤلؤ"، و"بني أمية" ، و"باحة الريّاحين". وفيما يتعلق بخوسّيه كادالسو فإنّ المستشرق الرّوسي " كراشوفسكي" يرى أنّ رحلة أحمد إبن المهدي الغزال سفير السلطان سيدي محمد بن عبد الله لدى العاهل الاسباني كارلوس الثالث" نتيجة الإجتهاد في المهادنة والجهاد" هي التي أوحت له بكتابة رسائله الشهيرة "رسائل مغربية" التي نشرها 1789 ، والتي يمكن مقارنتها بالرسائل الفارسية للكاتب الفرنسي الذائع الصّيت "مونتيسكيّو". وأمّا "بينيتو بيريث غالدوس" فقد خلّد مدينة تطوان فى روايته " عايطا تتطّاوين" وربما منه جاء لقبها الحمامة البيضاء، إذ يصفها بهذا الإسم في هذه الرّواية قبيل دخول الجنرال الإسباني أودونيل إليها 1860 . و"فيسينطى ألكساندري"(الحاصل على نوبل فى الآداب) فقدعبّر عن إعجابه وإنطباعاته عن المغرب فى رسالته الشهيرة التي تحت عنوان: "الرّسالة المغربية" وهي رسالة أدبية حميميّة مطوّلة موجّهة إلى الشاعرة الإسبانية " ترينا مركادير"، وقد سجّل فيها ذكرياته حول زيارته لمدينة تطوان. حيث يصف أسواقها، و دورها، وأزقّتها، ومحلاتها، و أناسها، وصنّاعها، التقليدييّن. و"أنطونيو غالا" معروف بصلاته الأدبية والإبداعية بالمغرب والعالم العربي ومشاركاته فى جامعة المعتمد ابن عبّاد الصيفية بمدينة أصيلة الذي كان أوّل عميد لها .و"خوان غويتيسولو" الكاتب الإسباني الغنيّ عن التعريف المقيم منذ سنوات بعيدة بمدينة مراكش التي كتب عنها العديد من الأعمال الرّوائية الشهيرة ، ويكفيه فخرا أنّه أسهم بقسط وافر فى إقناع منظمة اليونسكوالعالمية بالإعتراف ب" ساحة جامع الفنا " بمرّاكش كتراث شفاهي إنساني عالمي غير مادي، هذا الكاتب له صلات وثقى، وعلائق متعدّدة متينة كذلك بالعالم العربي والإسلامي بشكل عام .. وفى كتاب" قصص الحمراء " للكاتب الأمريكي المعروف " واشنطن إرفينغ " قصّة تحت عنوان " المنجّم العربي" بطلها هو الملك المغربي" إبن حبوس" الذي حكم مملكة غرناطة . ويؤكّد النقاد الثقات أنّ هذه القصّة نظرا لجاذبيتها وعنصر الإثارة فيها سرعان ما تسلّلت إلى التراث الرّوسي عن طريق " بوشكين"الذي نظمها شعرا فى " حكاية الديك الذهبي". ونجد هذا التثاقف أو المثاقفة كذلك فى أعمال العديد من الكتّاب، والشعراء، والمبدعين، الفنّانين، والرسّامين الإسبان اللكبار سواء هؤلاء الذين أقاموا فى المغرب، أو هؤلاء الذين لم يزوروه قطّ، فقد وضع هؤلاء الرسّامون لوحات رائعة حول المغرب، بل إنّ بعض هؤلاء الفنانين الإسبان رسموا جميع السفراء المغاربة الذين تمّ إيفادهم إلى إسبانيا ضمن بعثات دبلوماسية فى تواريخ متفاوتة من الزمن، والذين سبقت الإشارة إلى بعضهم آنفا .كما نجد هذه التاثيرات المشتركة البليغة والمتبادلة بين الطرفين فى العديد من المظاهر والمرافق الأخرى المتشابهة والمتقاربة للحياة الإسبانية فى القرون التي زار فيها هؤلاء السّفراء إسبانيا. *كاتب وباحث ومترجم ، عضو الأكاديمية الإيبيروأمريكية للآداب والعلوم وسفير سابق من المغرب يقيم فى إسبانيا.