العنوسة ظاهرة اجتماعية ظهرت مند القدم في العديد من المجتمعات الأوروبية وخاصة بعد انتهاء الحربين العالميتين، حيث قتل ملايين الرجال وظلت النساء في عزلة وانطواء ووحدانية من دون زواج أو إنجاب، ثم انتقلت هذه الظاهرة لتتفشى في مجتمعاتنا العربية بشكل كبير في السنوات الأخيرة ومن ضمن المجتمعات التي تضررت بحدة من العنوسة المجتمع المغربي . وترجع الأسباب الرئيسية في انتشار العنوسة في المغرب إلى اتساع هوة الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع وكذلك إلى هشاشة الاقتصاد المغربي الذي لا يستوعب الكفاءات الشابة في النسيج الاقتصادي ، ثم مشكل البطالة الذي أصبح يؤرق مضاجع العديد من شبابنا العاجز عن تحقيق ذاته وطموحاته ومتطلباته الأساسية، أضف إلى ذلك الإقبال المتزايد للشركات الخاصة على توظيف الإناث عوض الذكور ، هذه المعادلة بات حلها صعبا في عصرنا الحالي فنسبة البطالة في ازدياد مضطرد و فرص الشغل شبه منعدمة ، ثم هناك مشكل آخر يزيد العنوسة تفاقما وهو اتجاه الشباب إلى بناء علاقات جنسية غير شرعية خارج إطار مؤسسة الزواج ،إضافة إلى تمسك بعض الأسر بشروط معينة في زواج بناتهن تكون في غالب الأحيان صعبة المنال ، وقد بلغت نسبة العنوسة في صفوف نساء المغرب حوالي 10 في المائة من خلال دراسة قامت بها الدكتورة إيمان عبد الحكيم البطران، عن الزواج في الوطن العربي لسنة 2014 ،لكن هذه النسبة تزايدت في السنتين الأخيرتين حيث وصلت إلى 25 في المائة، علما أن هذه النسبة معيارية لأنها تشمل الفئة النسائية التي يتراوح عمرها بين 36 و 40 سنة أي أننا حين نضيف الفئات العمرية التي تمتد من 25 إلى 36 فإن نسبة غير المتزوجات حتى وإن كن لا يدخلن في مسمى "العانسات" تبقى مهولة ومخيفة . ويشير الدكتور عبدالرحيم عنبي ،أستاذ باحث في علم الاجتماع، في تصريح ل "نون بريس" إلى أن : "خروج الفتاة للتمدرس أو ذهابها للجامعة أو خروجها للعمل، يمكن اعتباره ظاهريا بالنسبة للمجتمع المغربي أنه المشكل الرئيسي في تفاقم ظاهرة العنوسة"، لكن مشكل العنوسة كما جاء على لسان هذا الأخير، يكمن أساسا في أن المجتمع المغربي أصبح يفضل الزواج بالفتيات الصغيرات بينما تظل معظم الفتيات اللائي ارتبطن بأجندة العمل أو متابعة الدراسة دون زواج ،و إذا كانت هذه الظاهرة (الزواج من صغيرات السن ) منتشرة بالبوادي فقط فإنها في السنوات الاخيرة انتقلت بشكل سريع إلى المدن، وهذه هي الحقيقة التي أصبحت سائدة لدى جل الأسر المغربية وهي تشجيعها للزواج من الفتيات الأصغر سنا. هذا الاعتقاد المجتمعي يضيف الدكتور عنبي أصبح يشكل هو الآخر سببا جوهريا في تزايد وتفاقم ظاهرة العنوسة لأنه يقصي مجموعة من النساء المغربيات اللواتي يتراوح سنهن ما بين 25 سنة و40سنة .