تعهد ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، خلال وجوده في آسيا هذا الأسبوع، باستثمار مليارات الدولارات في باكستان، والدفع نحو بيع المزيد من النفط إلى الهند. وسوف يستكشف أيضا تعميق العلاقات الاقتصادية مع الصين. وتسلط الرحلة التي قام بها الحاكم الفعلي للمملكة العربية الثرية، التي اعتبرت الولاياتالمتحدة منذ وقت طويل أهم حليف لها، الضوء على مدى تطلع السعودية إلى آسيا للحصول على الدعم السياسي والتكنولوجي الذي لا تستطيع الاعتماد فيه دائما على الغرب. وازدادت حاجة السعودية لتنويع تحالفاتها بشكل أكثر حدة، وسط ردة الفعل الغربية تجاه مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” على يد عملاء سعوديين في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول. وواصل الكونغرس اتخاذ إجراءات لإلقاء اللوم على “بن سلمان” في القتل شملت الحد من المساعدات العسكرية للمملكة، بينما تراجعت شركات التكنولوجيا الأمريكية التي كان الأمير يعتمد عليها بشدة عن مشاريعها في المملكة، خوفا من الإضرار بسمعتها. لكن الدول التي يزورها “بن سلمان” هذا الأسبوع، وهي باكستانوالهندوالصين، لم تعرب أبدا عن مثل هذه المخاوف، حيث أعطت الأولوية للعلاقات الاقتصادية مع المملكة عن المخاوف المتعلقة باحترامها لحقوق الإنسان. وفي التحول نحو الشرق، يرسل السعوديون رسالة إلى الغرب، كما يقول المحللون. وقال “محمد تركي السديري”، الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في “هونغ كونغ”: “تدرك القيادة السعودية حتمية تنويع علاقاتها. وترسل رسالة بأن هناك خيارات أخرى قائمة”. وتاريخيا، كانت علاقة السعودية مع آسيا في معظمها مبنية على المعاملات التجارية، حيث كانت المملكة تبيع النفط الخام لتزويد الاقتصادات الآسيوية بالطاقة، بينما تستورد المنتجات المصنعة. ومنذ أن جاء والده الملك “سلمان” إلى العرش السعودي عام 2015، يسعى “بن سلمان”، البالغ 33 عاما، إلى تعميق علاقات المملكة مع الدول الآسيوية، وقام بزيارات سابقة إلى المنطقة. وبدأت هذه الجولة الأحد الماضي في باكستان، وهي بلد إسلامي اختار الترحيب لولي العهد السعودي عبر إطلاق 21 طلقة نارية تحية له، بعد أن رافقته الطائرات المقاتلة. ومنحه رئيس الوزراء أعلى وسام في باكستان، وأعطاه رئيس البرلمان بندقية مطلية بالذهب. وكان رئيس الوزراء، “عمران خان”، قد تحدث عن الحاجة الماسة لباكستان للحصول على أموال سعودية لدرء الأزمة الاقتصادية، وتسلم من “بن سلمان” توقيعات على اتفاقيات مبدئية لاستثمارات تصل إلى 20 مليار دولار في قطاعات التعدين والزراعة والطاقة والقطاعات الأخرى، كما وعد “بن سلمان” بتحرير الآلاف من الباكستانيين في السجون السعودية. وقال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية “عادل الجبير”، “إنها ليست صدقة، إنه استثمار. هناك فائدة تعود على كلا الجانبين”. ورغم ذلك، فإن العديد من الاتفاقيات الموقعة عبارة عن مذكرات تفاهم غير ملزمة ولا يتم الوفاء بها في الغالب. ويوم الثلاثاء، سافر “بن سلمان” إلى الهند، حيث تم الترحيب به بالطبول والعناق الدافئ من قبل رئيس الوزراء “نارندرا مودي”. وتعتبر الهند مزودا مهما للعمالة في المملكة، حيث يعمل ملايين الهنود هناك. وخلال الزيارة، كان من المتوقع أن يضغط الأمير على الهند لشراء المزيد من النفط السعودي، لتغذية الاقتصاد سريع النمو وأخذ حصة من السوق من إيران، المنافس الرئيسي للمملكة. ويوم الأربعاء، هبط “بن سلمان” في الصين لإجراء محادثات يومي الخميس والجمعة مع الرئيس “شي جين بينغ” ومسؤولين آخرين. وتعد الصين أكبر مشتر للنفط الخام السعودي، وتوسعت العلاقات بين البلدين إلى قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية. ونمت العلاقة لأن كلا البلدين لديها خطط تنمية طموحة تعتقد أن الطرف الآخر قد يساعد في تحقيقها. وإلى جانب رؤية السعودية كمصدر مستقر للنفط، تأمل الصين أن تلعب المملكة دورا في مبادرة “الحزام والطريق”، وهي خطة طموحة للرئيس “تشي” لبناء خطوط سكك حديدية وشبكات طاقة وطرق من أجل ربط الصين بشكل أفضل بالحلفاء في أوروبا وأفريقيا. وعلى الجانب السعودي، شرع “بن سلمان” في خطط لفتح المملكة وتنويع اقتصادها، وهو مشروع يسمى “رؤية 2030″، ويأمل أن تساعده الشركات الصينية على النجاح في ذلك. وقال “لي غوفو”، وهو باحث في قضايا الشرق الأوسط في المعهد الصيني للدراسات الدولية، وهي منظمة بحثية تشرف عليها وزارة الخارجية الصينية: “لدى الصين الخبرة والأموال والتكنولوجيا والمواهب من أجل رؤية 2030”. مجالات جديدة وانتقل التعاون الصيني السعودي بالفعل إلى مجالات جديدة. واتفق البلدان، عام 2017، على فتح مصنع في المملكة العربية السعودية لبناء طائرات صينية دون طيار. وفي العام الماضي، أطلقت الصين قمرين صناعيين للمراقبة لصالح المملكة. وتقوم العلاقات الصينية السعودية على وجهة نظر مشتركة تعطي الأولوية للاقتصاد بينما تتجاهل ممارسات الحكم المحلي وقضايا حقوق الإنسان الأخرى. وظلت الصين هادئة حول مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، في حين لم تنتقد المملكة اعتقالات الصين الجماعية لأفراد أقلية “الإيغور” المسلمة. وقد يزيد ذلك من الخيارات أمام شركات التقنية السعودية. وخلال جولة في الولاياتالمتحدة العام الماضي، زار ولي العهد السعودي مقرات شركتي “جوجل” و”آبل”، واجتمع مع رئيس أمازون، “جيف بيزوس”، على أمل أن يشاركوا في خططه التنموية. ولكن بعد مقتل “خاشقجي”، توقفت المحادثات، وجمدت مجموعة من الشركات الأمريكية علاقاتها بالمملكة. ويدل التوجه المتسارع إلى الصين والشرق على أن السعوديين “غير مرتاحين” في علاقتهم مع الولاياتالمتحدة وأوروبا، حيث أدانت العديد من الحكومات عملية القتل. ولم تدقق الشركات الصينية في العلاقة مع السعودية، حيث تبحث عن أسواق جديدة مع تباطؤ اقتصادها المحلي. وافتتحت شركة “هواوي” الصينية للاتصالات، التي وصفها المسؤولون الأمريكيون بأنها تهديد محتمل للأمن القومي، متجرا الشهر الماضي في العاصمة السعودي الرياض، وهو أكبر مقر لها في الشرق الأوسط. وفي حين علقت “أمازون” خططها لفتح مكتب في المملكة، قامت “جوليتشيك”، وهي شركة تجارة إلكترونية صينية، بتوسيع مقرها في الرياض. لكن حتى في الوقت الذي تغازل فيه الزعماء السعوديين، فقد حرصت الصين على ألا تنفر دول الشرق الأوسط الأخرى. ويوم الثلاثاء، على سبيل المثال، أخبر وزير الخارجية الصيني “وانغ يي”، نظيره الإيراني، “محمد جواد ظريف”، أنه يريد تعميق “الثقة الاستراتيجية” بين البلدين، خلال اجتماع في بكين. وقال “زو تشى تشيانغ”، الأستاذ المساعد بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاى للدراسات الدولية إن “الصين لم تتبع أبدا سياسة التدخل، ومبدأها هو العلاقات المتوازنة. ولن توافق الصين على أعمال مثل مواجهة إيران لمجرد التعاون مع السعودية”. وعلى الرغم من علاقات المملكة المتنامية مع آسيا، إلا أن قلة من المحللين يتوقعون انفصالا كاملا عن الولاياتالمتحدة. وأنفقت المملكة مئات المليارات من الدولارات على الأسلحة الأمريكية، والتي يأتي الكثير منها باتفاقيات صيانة طويلة الأمد تجعل من الصعب على السعوديين التحول إلى أنظمة أخرى. ورغم غضب المملكة من الانتقادات الموجهة لها في الكونغرس، إلا أن الرئيس “ترامب” وقف إلى جانب “بن سلمان”، واعتبره شريكا أساسيا في خطط إدارته لردع إيران ومتابعة اتفاق السلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين. وقال رئيس تحرير موقع “العربية” الإخباري باللغة الإنجليزية “محمد اليحيى”: “لقد أصبحت الصين لاعبا مهما وشريكا مهما للمملكة، لكن بالنظر إلى العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا، فلن يستطيع أحد أن يحل محل الولاياتالمتحدة. لذلك أعتقد أن فكرة التحول المحوري غير دقيقة”.