الوحدة.. مُرّة للغاية في صباح يوم ”غبش“ استيقظت على أصوات العصافير، بعد ليلة مرعبة قضيتها وكوابيس أرقّتني كثيرا؛ً فجعلتني أعيد من حساباتي ونفسي.. لم يكن منبه تلفوني قد أعلن عن موعدي المعتاد، لكن للأسف طار النوم من عيوني، كما طارت وعودي بترك تعبئة كروت للتلفون والدردشة بال “”SMS طوال الليل!!! حينها لم يكن مزاجي رائقا بما فيه الكفاية، فخرجت من البيت تجنبا لأي مشاكل قد تحدث مع إخوتي الصغار أو – لا قدر الله – مع والدي. لم أجد لأحد أمضي بقربه الوقت؛ فوجدتني أتجه نحو بيت جدي العزيز مقبل، وهو شيخ تجاوز الخمسين عاما.. فطرقت الباب ودخلت بيته: - صباح الخير جدو مقبل.. - كم مرة أقولك كون قلي السلام عليكم.. هذه صباح الخير حق الغرب. - ياجد مقبل الغرب هم اللي نفعونا.. - نفعونا بأيش بالتلفون اللي تجلس تلعبه طول الليل، هيا أدخل بس، مالك قمت بدري؟ وليش ما تروح الكلية؟ - قمت لأني حلمت حلم ضبح بي.. والكلية بروحها بعد الظهر، وشكلي ما برحش اليوم أدرس!! - ليش يابني.. أكيد في واحدة زعلتك أمس؛ لأنك روحت مقلوب الوجه زيما قالت أمك؟؟ من اللي زعلتك؟ قلي بس وأنا أدعي عليها.. - لا والله ما زعلتش من بنت ولا من ابن.. أللي مزعلنا حاجة كبيرة!! - هاااا.. من؟؟ الحراف، مابوش معك بقش؟؟ عادي.. بكرة تتخرج من الكلية ويكون معاك صحيفة.. وتبيع الواحدة بمليون!! - يا جد مقبل الموضوع مش موضوع فلوس، الفلوس الحمد لله موجودة وعمرها ما كانت تزعلني.. بصراحة أنا زعلان ومتضايق جدا من الوحدة!! في تلك الأثناء لم ألبث إلا والجد مقبل ينتفض من مكانه بسرعة كبيرة، صارخا في وجهي بأني ”اشتراكي مسيء للوحدة ومخدوع من الإصلاحيين“، وقال لي ”لوما خرجت من بطن أمك في ماكنتش داري بحاجة، كان الواحد منا ما يقدرش يروحّ يشوف زوجته وعياله في عدن إلا بعد جعجعة.. وبعدين عيب عليكم!! احترموا شهداء الوحدة.. رؤوس طارت عشانها، وعشانها سالت دماء.. دماء الشهداء هي اللي طهرت اليمن من بقايا أوساخ الرجعية والاحتلال البريطاني، وهي اللي ربطت بين الشطرين.. حرام عليكم يا صحافة تكرهوا الوحدة.. حرام، حرام“!!! للمرة الأولى التي أجدني غير قادرا على الرد؛ فانفعال الجد مقبل جعلني أغرس نفسي في مكاني محاولا إخفاء رأسي؛ بتقليصه، ومخفيا بيدي وجهي خوفا ”لطمه“!! ربما فهمه لي كان خاطئا جدا،ً أو ربما لم أقدر على توصيل معلومتي بشكل أكثر وضوحا،ً فما كنت أشكي منه ليس الوحدة اليمنية والمنجز التاريخي العظيم للوطن والعالم والذي تمناه كل جمهوري ويمني بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر وتحققت على يد السيد رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح؛ وإنما كانت شكواي من الوحدة والعيش وحيدا بلا زوجة ولا حبيبة.. فأنا شاب سأصبح غدٍ بعمر الثالثة والعشرين عاما،ً ومازلت أعزب.. وأوضاعنا الاقتصادية الصعبة تجعلني خائف على مستقبلي الأسري.. ولو كنت – على الأقل – ابن شيخ أو مسؤول كبير لما شكيت من الوحدة التي أعيشها ولا أحد يؤنسها سوى دردشات 8888 بآخر الليل!!! لا شكر على واجب.