قمت بجولة سريعة قبل لقاء مباراة ستبدأ على الساعة السابعة من مساء يوم الاثنين 23 من يناير 2012، تأكد لي بالمادي والملموس أننا فعلا نعيش الاستثناء، شباب من مختلف الفئات والأعمار حملوا العدة، بعضهم تلحف بالعلم الوطني، وبالباقي يهتف بالنصر، فظننتها الجولة الثانية من المسيرة الخضراء، أو ربما مسيرة تحرير نحو سبتة ومليلية ستشد الرحال. أ أخيرا استفاق شباب مدينتي على الوضع المزري الذي ترزح فيه بلادنا، وتفشي الفساد والاستبداد؟ أفطن للمسرحية الحكومية التي صارت أطوارها أكثر سخافة وبلادة، وهم في طريقهم الآن لخوض اعتصام إنذاري مفتوح، مصطفين كالبنيان المرصوص جميعا لإسقاط الفساد، … خاب ظني لما علمت أنهم بعيدين كل البعد عن هذا وذاك، بعدما رأيت جحافل الشباب تتزاحم في المقاهي للظفر بالمقاعد الأمامية، خاب ظني لما تذكرت أن الأمر لا يتعلق سوى بمباراة كرة القدم التي ستجمع بين منتخب “أكبر أومليط ” ومنتخب “أكبر ثورة” في دولة البوعزيزي رحمه الله، أيقنت للأسف أن مباراة الكرامة والحرية لا زالت تفصلنا عنها أشواط، وأن ما يجري في كواليس حكومتنا الموقرة، لا يمت لشبابنا بصلة ولا يهمهم من قريب أو من بعيد. لم أشاهد المباراة (وقد أتهم هنا بانعدام الوطنية، لأن الوطنية في هذا البلد الحبيب صارت تختزل في ارتداء قميص المنتخب، حمل العمل الوطني، ومن تمام الوطنية حمل صورة الملك في هذه المناسبة أو غيرها)، إلا أنني علمت أن المنتخب المغربي خسر أمام المنتخب التونسي بهدفين مقابل هدف واحد، هزمنا شر هزيمة ليس فقط في مباراتنا أمام منتخب بلاد ثورة الياسمين، بل حتى أمام رموز الفساد والاستبداد في بلادنا، وبغض النظر عن المدرب والتشكيلة التي خاض بها المباراة، فقد منا أمام لاعبي وجمهور بلد استطاع أن يتحرر من الجبر والظلم، دفع شبابه ثمن الحرية غاليا، وكان البوعزيزي شرارة البداية، وهدف الفوز ن توقيعه. ليس لنا إلا أن نقف وقفة إجلال وإكبار وخجل أمام الشعب التونسي ليس فقط لانتصاره في المباراة بل لنجاح ثورته الغراء.