محمد بحراني – نبراس الشباب: ...تنفست بعمق لأنني أخيرا أفلتت من تلك الأيادي المتسخة التي لا تهوى شيئا غير “رياضة الأصابع ” مستعينة في ذلك بسلاح إسمه ” الزيزوار”. طرقت حينها أعلى الباب الخلفي بكل ما أوتيت من قوة سيرا في ذلك على نهج المغاربة كلهم، رغبة مني في تنبيه السائق إلى أنني وصلت المكان المقصود وأرغب في النزول، وقفت عند الدرج فبدأ القابض يحدِّق في ويقيس قامتي من أسفل إلى أعلى كأنه يريد أن يوبخني، لكنه أخيرا لم ينبس ببنت شفة. رست الحافلة فاندفعت نحو الخارج مخلصا نفسي من ذلك الإزدحام المنقطع النظير ومن تلك الأنامل التي تفعل ما تشاء مختفية وراء ستائر الظلمة وزحمة البشر. في طريقي إلى المنزل، مؤسسة تعليمية، عند بابها الخارجي اكتظاظ لم أرى قط مثله، أمواج من البشر تندفع نحو الداخل في مشهد شبيه برمي الجمرات، تلاميذ في أزياء مختلفة، بعضهم يحمل حقائب غاية في الصغر، وبعضهم يتأبط دفاتر وأوراقا متآكلة، والكل في سيرورة واحدة نحو تلك الفصول التي تظهر واجهتها مهترئة تماما. هل هو الشغف والرغبة الأكيدة في التعلم والتحصيل؟ هل هي عزيمة الشباب التي لا تقهرها العواصف؟ ظننت حينها أننا ولله الحمد في بلد لا تطأ الأمية أرض أبنائها الشرفاء، لكن لماذا يا ترى تصنفنا التقارير الدولية والاستطلاعات والإحصائيات جنبا إلى جنب مع جيبوتي والرأس الأخضر، ولم تصنفنا مع فرنسا أو إيطاليا مثلا، أو على الأقل مع فلسطين المحتلة؟. بعد كل هذه المفارقات الغريبة في هذا البلد الغريب بطبعه، ارتأيت أن لا أقحم نفسي في كل هذه المعادلات الصعبة التي يستعصي حلها في بعض الأحيان، فعدت أدراجي إلى المنزل مطأطأ الرأس وأنا أردد في نفسي مقولة “ما فاز إلا النَّوام”.