لا يخفى على أحد منا أن الشباب هم رجال المستقبل، هم عين المجتمع الذي يرى به ويده التي يبطش بها، في كل الدول المتقدمة التي عرفت قيمة الشباب ومساهمتهم القوية ودورهم الكبير في المضي بعجلة التنمية للأمام أعطوا لهذا الكنز الذي لا يفنى أهميته وجعلوه ركيزة من ركائز التقدم. لكن عندنا في أجمل بلد في العالم فإنك ترى كل شئ بلون غير لونه الطبيعي، فحسب الإحصاء السكاني الأخير عام 2004 يوجد نحو عشرة ملايين أمي، فضلا عن أكثر من مليون طفل بين 9 سنوات و14 سنة خارج المدرسة، بالإضافة إلى الكتلة الضخمة من التلاميد الذين يتركون المدرسة دون أن نتكلم عن البادية والقرى التي لا تزال منعزلة عن العالم. إن السبب المساهم في الهدر المدرسي إن لم نقل السبب الرئيسي هو تدني مستوى التعليم العمومي، فحسب الدراسات وحسب تجربتي الشخصية فإن علاقة الطفل المغربي بالمدرسة أصبحت علاقة نفور، إذ تلاشى الرابط بين التلاميذ ومدرسيهم بسبب العنف والتهميش. كما تعاني المدرسة المغربية من نقص في التجهيز التربوي وندرة في الأنشطة غير التعليمية، وضعف في تكوين المدرسين لمواجهة حاجات الأطفال ومشاكلهم. وتطول لائحة الأسباب الخارجية المنفرة للأطفال من المدرسة، كالتفكك الأسري، وأمية الآباء والأمهات، وتأثير الشارع، والمخدرات والبطالة، والرغبة في الهجرة إلى الغرب. وهذا كله فيما يتعلق بالتعليم يعني «هادشي كامل باش هي تعرف الليف من الزرواطة ». مع العلم أن أمية الشباب تكلف الدولة خسائر كبيرة وحسب دراسة أنجزتها كتابة الدولة المكلفة بمحو الأمية بتعاون مع اليونيسيف حول “الانقطاع عن الدراسة بالمغرب أحصت فيها الأرباح التي كان من الممكن أن يجنيها المغرب لو لم تكن أمية أبنائه مرتفعة، ظهر أن كل سنة يقضيها الطفل بالمدرسة الابتدائية كفيلة بتحقيق 12.7% من رفع مستوى الدخل مقابل 10.4% بالمدرسة الثانوية. إذن يجب علينا التصرف والحد من هذا النزيف الذي يكلفنا الكثير ويا ليت الوزير المقصود يفهم لكن لا حياة لمن تنادي. إن ما يجعلنا نواصل النداء رغم كل ذلك هو بصيص أمل رغم أننا نراه بعيدا لكن سنبقى نؤمن به ونؤمن بالتغيير وبغد أفضل. هذه كلمة فائقة وعبارة عميقة من عبد الحميد ابن باديس رحمه الله تعالى حين زار بعض القرى التي خيَّم عليها الجهل وضرب بجرانه وجثمت على صدرها الأمية، فشكى إليه بعض مثقفيها حال الأمة وما آل إليه أمرها وقالوا له كلمة تدل على أنَّ اليأس قد سكن قلبهم وسرى في أوصالهم: “يا شيخ لا حياة لمن تنادي” أي إن الناس قد أصبحوا موتى لا يستجيبون لدعوة أحد ولا ينفع فيهم وعظ ولا إرشاد، وهل ينفع تحريك جسم هامد أو يجدي ضرب في حديد بارد؟ لكن كلمات الشيوخ ووعظهم لا تعد أن تكون صرخة في واد أو نفخة في رماد على حدِّ قول الأول: لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي ونار لو نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد فبادره الإمام ابن باديس مصحِّحا ومرشدا وباعث الأمل في نفوس السامعين فقال: “لا تقل”لا حياة لمن تنادي” ولكن قل:”لا منادي ينادي” فأكثروا إذن من المنادات إن أردتم أن يستجاب لكم. ولا تخافوا من الراقدين ولا سيما إن طال رقادهم كما هو الحال عندنا....