“ضَامَا” من أقدم الرياضات في العالم، شكلت جسرا بين ثقافات وحضارات جد مختلفة. المؤرخون يرجحون ظهورها إلى أكثر من 40 قرنا، فالشكل الأول للعبة مختلف تماما عن شكلها الحالي، فقد اخترعها الأفارقة منذ حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، الفراعنة أيضا كانوا من السباقين لهذه الرياضة، حيث اخترعوا بعض قواعدها. “أفلاطون” الفيلسوف اليوناني يقول بأن الفراعنة نقلوا إلى الإغريق ألعابهم ومن ضمنها “ضَامَا”، بعدها اخترعه العرب في القرن الثامن الميلادي، مما جعل اللعبة أكثر متعة، وساهم في انتشارها بعد نقلها إلى الأندلس، لتنتشر في أنحاء أوربا، ولتشهد الكثير من التعديلات طيلة قرون وفي دول مختلفة. وبمجرد وصولها إلى المغرب شهدت تعديلات أخرى شكلت منعطفا تاريخيا نحو الهاوية، فما نفعت العباد وما استحبها رب الأرباب. “الشراف” (الرجال المسنين) من المتقاعدين يلجأون الى لعب التنس والكلف والشطرنج لم يجدوا بديلا يقتلون به ذلك الوقت الفارغ الذي يسبب لبعضهم الاكتئاب فمنهم من يلجأ الى لعب “ضامة” وأخواتها، ومنهم من يلجأ الى لعب “الترسي” متجولا بين هنا وهناك، و”شراف” الطبقة المتوسطة والكادحة يلجئون إلى “ضاما” وأوراق اللعب، أو ما يسمى ب”الكارطة” ويميلون في جلها الى لعب الترسي.
“هَزَّكْ الْمَاء وَضْرْبَكْ الضُّو” يجلس لساعات طويلة يتأمل في ذلك الصندوق العجيب، والذي يحمل في طياته العجب والعجاب، يتأمل طويلا لوحة “ضاما” وكأنه يتأمل في صورة “موناليزا”، وسرعان ما ينفرج وجهه الذي خطته التجاعيد وبعض الكدمات التي تلقاها من زوجته منذ أيام … فيحرك قطعته بطريقة استعراضية، وكأنه يقوم بأداء عرض في سرك شعبي، ويقول “هَزَّكْ الْمَاء وَضْرْبَكْ الضُّو”. هذه هي الكلمات التي تعود ممارسي هذه اللعبة تداولها في كل مرة وفي كل جولة. “ضَامَا” بكل فخر وامتنان يجتمع أغلب المسنين في ساحات وحدائق وزوايا أغلب المدن المغربية، وذلك لممارسة هوايتهم المفضلة، فأغلب لاعبيها المحترفين من المتقاعدين والعجزة، وهناك نسبة من الشباب ينضمون إليه بين الفينة والأخرى بهدف الفرجة والإستهزاء، فيستغلون بذلك هذه اللعبة حيث يفضلون تمضية الوقت في لعبها، فالبعض منهم يتحدث عن “ضَامَا” بكل فخر وامتنان. فالمتقاعد يجد نفسه بعد التقاعد بين حلين لا ثالث لهما، إما المكوث في المنزل أو الإنضمام إلى أمثاله الذين يلعبون في إحدى الساحات القريبة من البيت، وقد صار جلهم مدمنا على مزاولتها يوميا حتى أضحت هاجسا يراودهم بالليل والنهار. “ضاما” وأسرار الأبناء لاعبي هذه اللعبة، عالم خاص يبنونه من ضحكهم وسخريتهم من هذه الحياة والتلفظ في بعض الأحيان بأسرار تهم الأبناء ومشاكلهم. فبالرغم من ضيق حال أغلبهم إلا أنهم يجدون في هذه اللعبة متنفس، فأغلب مزاوليها يمثلون فئة من الكادحين والمعدومين، إلا فئة نادرة من الذين يدمنون على اللعبة في حد ذاتها ولا يعتبرونها محطة اضطرارية في شيخوختهم. فالمتقاعدون قاسمهم المشترك هو الحياة ما بعد التقاعد، يجتمعون لمناقشة مواضيع متنوعة سياسية اقتصادية اجتماعية، وكذا الأسرية في معظمها. في بعض الأحيان تجدهم «يصرخون» للتعبير عن أفكارهم، و أحيانا تجدهم منهمكين بشكل جدي في لعبة «ضاما»، لعبة تعتمد على التركيز والخفة، حيث تستقطب انتباهم و تركيزهم، فتجدهم يلعبونها لمدة ساعات دون ملل، وذلك قصد تزجية الوقت الذي اعتادوا على تمضيته منذ سنوات في ساعات العمل الطويلة. فهؤلاء “الشراف” قد يختلفون فيما بينهم بسبب هذه اللعبة، لكنهم لا يجدون سواها، لأنها الوحيدة التي تساعدهم على تمضية الوقت دون تذمر ذلك، لأنهم لم يعتادوا بعد على الفراغ الذي سببه التقاعد، خاصة أن المرء في مثل هذه السن يصعب عليه التأقلم مع أناس ليسوا في مثل سنه، لهذا تجد أغلبهم يجتمعون فيما بينهم للإستماع لبعضهم البعض و مناقشة مواضيع مختلفة، تحت ظل ذلك الصندوق العجيب، وذلك مع عدم وجود مكان آخر يجتمعون فيه كأندية خاصة بالمتقاعدين والمسنين والتي يمكن أن تكون متنفسا لهم يقضون فيه معظم وقتهم، الأمر الذي صار لزاما على الدولة أن تفكر فيه وتعطيه الأولوية قبل كل شيء. “ضَامَا” في سطور “ضَامَا” من أقدم الرياضات في العالم، شكلت جسرا بين ثقافات وحضارات جد مختلفة. المؤرخون يرجحون ظهورها إلى أكثر من 40 قرنا، فالشكل الأول للعبة مختلف تماما عن شكلها الحالي، فقد اخترعها الأفارقة منذ حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، الفراعنة أيضا كانوا من السباقين لهذه الرياضة، حيث اخترعوا بعض قواعدها، ف “أفلاطون” الفيلسوف اليوناني يقول بأن الفراعنة نقلوا إلى الإغريق ألعابهم ومن ضمنها “ضَامَا”، بعدها اخترعه العرب في القرن الثامن الميلادي، مما جعل اللعبة أكثر متعة، وساهم في انتشارها بعد نقلها إلى الأندلس، لتنتشر في أنحاء أوربا، ولتشهد الكثير من التعديلات طيلة قرون وفي دول مختلفة. وبمجرد وصولها إلى المغرب شهدت تعديلات أخرى شكلت منعطفا تاريخيا نحو الهاوية، فما نفعت العباد وما استحبها رب الأرباب. أوراق اللعب {الكارطة) بين وبين غير بعيد عن هذه المجموعة، هناك مجموعة أخرى من المتقاعدين يزاولون هواية أخرى، وهي “الكارطة”، وهم في الغالب من نفس المستوى الإجتماعي والثقافي للاعبي “ضاما”، يقتسمون معهم الساحات والحدائق ويقضون أوقاتهم في تفريق الأوراق، يجمعونها تارة ويفرقونها تارة أخرى وبين الحين والآخر. مقابل هذا الصنف من لاعبي “الكارطة” يوجد آخر يحب الجلوس في المقاهي لمزاولة نفس اللعبة، حيث تجدهم بعد الآذان للصلاة منهمكون في اللعب وكأن في آذانهم وقرا ما جعلهم لا يسمعون ولا يبصرون، فقد وصل بهم الغرام إلى حد لا يمكن تصوره، فحبهم لهذه اللعبة لا محالة أن تكون له نتائجه الإيجابية كما يقول البعض. ويختلف هؤلاء عن رواد الساحات العمومية الذين يفضلون لعب “الكارطة البلدية”، والتي لا تكلفهم لا ريال ولا غيره حيث يكون الحكم بمبالغ مالية والتي تبتدئ من عشرة دراهم فما فوق. الْخْطِيَّة …. بْشْحَالْ؟ فالمسنون الذين يفضلون اللعب في الساحات العمومية يخترعون صيغا تختلف حسب المناطق، فأحيانا يكون الحُكْم هو إعداد “براد الشاي” للمجموعة، وأحيانا يكون بالسخرية من المنهزم وإرغامه على فعل أشياء لا يقدر على فعلها، وذلك لإثبات تميز المنتصر، وذلك عكس من يرتادون المقاهي حيث تكون المخاطرة بمبالغ مالية مما يدخل ضمن المحرمات، وهناك من ينتقل بين اللعبتين للقضاء على الملل في حين أن البعض يفضل الورق على الرقعة. لكن سرعان ما يسقط في هاوية أوراق اليناصيب {الترسي} فهل من مغيث؟. التِّرْسِي خَاصْهَا الْفْلُوسْ الكل منهمك في محاولة فك شفرة رموز أوراق “الربح” التي اشتروها من عند البائع. ومع بداية كل شهر وبمجرد حصولهم على راتبهم من التقاعد، يقصد “الشراف” أولا بائع اليانصيب قبل الخضار، تركيز عالي المدى، وعيون مصوبة مثل سهام حادة على الأوراق، يكفي فقط جرة قلم بسيط لتصبح ثريا في خمس دقائق، أو مليارديرا في بضع ثواني أو فقيرا متسولا مدى الحياة، الأمر الذي لا يحبذه جميع المقامرين ويقابلونه دائما بتكشيرة وعقد للحاجبين. وبضع كلمات مخلة بالآداب هنا وهناك، تخمينات أولية تختلط مع خبرة اكتسبوها في هذا المجال. وهواية غدا البعض يعتمدها حرفة يدر من خلالها أموالا سريعة، لكن بعد أن “يخسر” أموالا متتالية، ابتداءا من 10 دراهم إلى ما فوق، “زٍِيدْ الْمَا زِيدْ الدْقيق”، كما يقولون، إلى ان ينتهي الأمر ب “زٍيدْ لٍيصَانص زيد العافية”. “ضَامَا” عادة تتجدد مع حلول شهر رمضان من بين العادات التي تتجدد في شهر رمضان كل سنة، طرق الترفيه عند المغاربة. فإن كان البعض يختار النوم ومشاهدة الأفلام الرمضانية والتي تؤثث قنواتنا المغربية والعربية بأشكالها وأنواعها، وشكرا للقناة الأولى والثانية والتي تبهرنا كل عام بإبداعاتها والتي لا يستهان بها، والتي ما زادتنا إلا “تكليخا بعد تكليخ”. فإن البعض الآخر يختار التجمع مع أقرانه في الحدائق العمومية وكذا في أرصفة الشوارع والتي تؤثث كل جنباتها طاولات ورق اللعب أو “ضاما”، لكن هذه المرة بهاوين حقيقيين من المتقاعدين والمسنين الذين تعلو صرخاتهم بالفرحة أحيانا والقلقة أحيانا أخرى، وكلهم يستمتعون بلعبتهم غير عابئين بالوقت، يقضون الساعات الطوال في اللعب غير عابثين بآداء فرائضهم الدينية الشيء الوحيد الذي يتذكرونه في كل يوم موعد آذان صلاة المغرب، والذي يصاحبه الإفطار وذلك لإرواء شهوة البطن، وتستمر هذه الحالة إلى اليوم ال 27 من رمضان حيث ينشغلون بأمور أخرى أنستهم بعض الشيء ذلك الصندوق العجيب الذي ربما يتخيلون بأنه سوف يشفع لهم يوم القيامة، ناسين بذلك أنهم يضيعون على أنفسهم فرصة ثمينة ربما لا تسمح لهم الفرصة ولا الزمان بتكرارها. الشيخوخة والتقاعد أين السبيل؟ تؤكد الدراسات و الإحصائيات أن هناك ارتفاعا دائما في معدلات الشيخوخة، و بالتالي تسجيل أعداد متزايدة من المتقاعدين سنويا، فقد كشف البحث الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الأشخاص في سن النشاط من الفئة العمرية بين 15 و59 سنة قد ارتفعت بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أن نسبة الأشخاص المسنين تنتقل كل سنة بنسبة واحدة، بينما يتوقع أن تناهز نسبتهم 15 في المائة خلال 2030. فالعديد من السكان المتقاعدين لم يستوعبوا بعد ما يعني التقاعد، فالنظرة السائدة هي أن المتقاعد قد تقاعد من الحياة وليس من العمل فقط، رغم أن ثقافة التقاعد بدأت تروج ولو بشكل ضئيل، فالمتقاعدين عندنا لا يتوفرون على أندية أو جمعيات خاصة بهم، فبعد التقاعد يجدون أنفسهم في حالة ضياع و تسيطر عليهم حالة الرتابة فالنظرة السائدة تكرس غياب النفع والإفادة عن الإنسان المتقاعد مقارنة مثلا مع بلدان أروبا، حيث توجد للمتقاعدين جامعات تسمى بجامعات السن الثالث، إذ تبلورت فكرة أن التقاعد من الوظيفة ليس بالضرورة التقاعد من الحياة، لذا تجد أن أغلب المتقاعدين عندنا في المغرب يلجئون الى اللعب إما “الضاما” أو بأوراق اللعب لعل المر ينسيهم ذلك الملل والاكتئاب الذي تصاحبه فترة ما بعد التقاعد.