«لا يمكن أن يمر يوم دون أن نجتمع» يقول حسن 85 سنة متقاعد، منذ سنوات دأب على المجيء إلى نفس الزاوية في حي المسيرة بتراب مقاطعة الصخور السوداء للإجتماع بأصدقائه المتقاعدين الذين يحرصون على اللقاء في نفس المكان يوميا حتى أصبح متعلقا بهم وبوضعهم. أشخاص تقدمت أو تقاربت أعمارهم، قاسمهم المشترك الحياة ما بعد التقاعد، يجتمعون لمناقشة مواضيع متنوعة، أحيانا تجدهم «يصرخون» للتعبير عن أفكارهم و أخرى تجدهم منهمكين في لعبة «الضامة» الشهيرة عند هذه الفئة، لعبة تعتمد على التركيز والخفة، تستقطب انتباهم و تركيزهم، فتجدهم يلعبونها لمدة ساعات دون ملل ، وذلك قصد تزجية الوقت الذي اعتادوا على تمضيته منذ سنوات في ساعات العمل الطويلة. محمد في السبعينات من عمره «قد نختلف فيما بيننا بسبب هذه اللعبة، لكننا لا نجد سواها، لأنها الوحيدة التي تساعدنا على تمضية الوقت دون تذمر» مسترسلا « نحن لم نعتد على الفراغ الذي يسببه التقاعد، خاصة أن المرء في سننا يصعب عليه التأقلم مع أناس ليسوا في مثل سنه، لهذا تجدنا نجتمع فيما بيننا للإستماع لبعضنا البعض و مناقشة مواضيع مختلفة، لأننا نعي جيدا أنه لا يوجد مكان آخر سوى هذا الركن للإجتماع فيه». تؤكد الدراسات و الإحصائيات أن هناك ارتفاعا دائما في معدلات الشيخوخة، و بالتالي تسجيل أعداد متزايدة من المتقاعدين سنويا، فقد كشف البحث الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2006 أن نسبة الأشخاص في سن النشاط من الفئة العمرية بين 15 و59 سنة ارتفعت من 48 في المائة إلى حوالي 62 في المائة خلال الفترة المذكورة، مشيرا إلى أن نسبة الأشخاص المسنين انتقلت من 7 إلى 8 في المائة، بينما يتوقع أن تناهز نسبتهم 15 في المائة خلال 2030. «العديد من سكان المدينة لم يستوعبوا بعد ما يعني التقاعد، فالنظرة السائدة هي أن المتقاعد قد تقاعد من الحياة وليس من العمل فقط، رغم أن ثقافة التقاعد بدأت تروج ولو بشكل ضئيل» هذا ما يؤكده الهادي الهروي دكتور في علم الاجتماع «مع الأسف، إن المتقاعدين عندنا لا يتوفرون على أندية أو جمعيات خاصة بهم، فبعد التقاعد يجدون أنفسهم في حالة ضياع و تسيطر عليهم حالة الرتابة» مضيفا أن «النظرة السائدة تكرس غياب النفع والإفادة عن الإنسان المتقاعد مقارنة مثلا مع بلدان أروبا، حيث توجد للمتقاعدين جامعات تسمى بجامعات السن الثالث، إذ تبلورت فكرة أن التقاعد من الوظيفة ليس بالضرورة التقاعد من الحياة» .