كنت أتمنى أن أكتب عن مدينتي بني انصار، لأعبر لها عن مدى عشقي و هيامي بها ، عن مدى تعلقي بجمالها و روعتها، باعتبارها حضني الأول وحبي الأزلي الذي ليس بعده حب، الحب المبني على الطهر المنزه عن كل شهوة أو نزوة فانية، ألم يقل الشاعر: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى*** فما الحب الا للحبيب الأول كنت أريد أن أكتب فيها قصيدة، أمدحها بكلمات لم يجد بها شاعر قبلي، كنت سأشبهها بالبدر في تمامه و القمر في اكتماله و بالشمس عند اشراقتها، كنت سأقول لكم حبيبتي هي المدينة الفاضلة التي بشر بها أرسطو ولم تتحقق في عهده و لا في العهود التالية وهي كل الصور التي رسمها بيكاسوهي النجوم التي تتلألأ في السماء في الليالي الضلماء، هي شعار الأمل لحياة سوداء حبيبتي شابة حسناء و باقي المدن كالعجوز الشمطاء، كنت سأفتخر بها كباقي العشاق الذين يمدحون حبيباتهم بالقد الممشوق وبتضاريس جسد كالساحوق بالشفتين و الوجنتين بالابتسامة التي ليس منها اثنتين بالكلام المعسول الذي يسمع تارة بالقلب و تارة أخرى بالأذنين ، حبيبتي مدينتي جعلت منها صورة للوحة فنية يعجز كل فناني العالم على الاتيان بمثلها ... ولكن صوت داخلي ناداني فقال: أحقا حبيبتك بهذا الجمال ؟ أم هو كلام حبيب غاب عنه العقل اللبيب ؟ أنظر حولك، حبيبتك مريضة عجز عن مداواتها الطبيب الواقع شيء محسوس ظاهر أما الخيال فهو عبارة عن متخيلات لا أساس لها في الحياة اليومية فالصورة التي كنت أرسمها لحبيبتي هي من و حي الخيال أما الواقع فهو مر كالعلقم فحبيبتي التي أعشقها و أموت في بحر هواها لا تتوفر على أبسط مقومات الحسن و الجمال تنعدم فيها البنية التحتية الضرورية من ملاعب رياضية و وطرق سيار مزفتة حتى المستشفى الذي تتوفر عليه تنعدم فيه الأليات التي تكفل له استقبال الحالات الطارئة مدينتي لا يوجد فيها دار للشباب مع العلم أن أغلبية السكان في مقتبل العمر و يبحثون عن متنفس لهم و لكن للأسف غاب هذا المرفق العمومي فتم تعويضه بالمقاهي و الملاهي التي يتعلم فيها الشباب الانحراف و الادمان على المخدرات مدينتي أصبحت وكرا للدعارة تمارس فيها نهارا جهارا مدينتي حبيبتي دون مكتبة عمومية فعوض رفع شعار بين المكتبة و المكتبة مكتبة رفعو شعار بين القهوة و القهوة قهوة المكتبة رمز الثقافة و العلم رمز البزوغ و الوعي مدينتي انتشرت فيها الرشوة و المحسوبية مدينتي يكرم فيها الخائن و يهان فيها الأمين مدينتي أنكرت أبناءها ولم تشملهم بالرعاية و الحنان و الحب و الارشاد في المقابل أغنت كل من زارها واستقر بها لفترة قصيرة ثم جمع متاعه وملايينه ورحل دون رجعة مدينتي لم تقدم لي حتى أوراق ثبوت الهوية أنكرتني و ظمت غيري أحببتها و أحبت سواي أتقرب منها و هي تبتعد لماذا مدينتي ليست كالمدن الأخرى ؟ ما الذي ينقصها و ينقصني؟ أليس غنية بمواردها المالية و البشرية ؟ لماذا يجرون لها عملية تجميل مؤقتة ليراها الملك تم تعود لحالتها القديمة ؟ ألا تستحق مدينتي أن تكون تحفة و جنة الله في الأرض؟ أوما ان الأوان ليستفيق المسؤولون من سباتهم العميق ؟ هذه مجرد بعض من الأسئلة الاستنكارية التي راودتني لغيرتي على واقع حبيبتي الأليم واقع لا يرضي البعيد و لا القريب ويشمئز منه كل ذي عقل لبيب و يثور من أجلها كل عاشق و حبيب رغم هذا القبح الظاهر الا أنني سأظل أحب مدينتي الى آخر رمق في حياتي فهي الأم في حنانها و الأب في صرامته هي الروح للجسد و الماء للنبات هي مدينتي و ان جارت علي فهي عزيزة [email protected]