على بعد يومين من ليلة عاشوراء، تنتعش تجارة بيع لعب الأطفال، والآلات الموسيقية التقليدية، وأيضا الوهم، الذي يبيعه المشعوذون للنساء. وفي الوقت الذي تسعد عدد من النساء في هذه الأيام، التي تشكل لهن مناسبة مهمة ل"ترويض" الزوج، أو الإيقاع بحبيب لجلبه للزواج.. يسعد الأطفال بهداياهم من اللعب، والتراشق بماء "زمزم" صباحا، وإشعال النار ليلا، فيما تظهر أولى تباشير اقتراب هذه المناسبة في تزيين الدكاكين، والأسواق المغربية بكل أنواع الفواكه المجففة "الفاكية". "عاشوراء"، هي اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري، يصادف اليوم، الذي قتل فيه الحسين بن علي، حفيد النبي محمد في معركة كربلاء، لذلك يعتبره الشيعة يوم عزاء، وحزن، لكن يعتبره السنيون يوما للاحتفال بنجاة نبي الله موسى عليه السلام، وصحبه من الطغيان، والغرق، ويوم صوم مستحب لديهم. مناسبة دينية.. تكثر فيها الشعوذة "أبو أنس"، "فقيه"، في مدينة الخميسات، أوضح أن "عاشوراء" في المخيلة الشعبية ارتبطت بأعمال السحر، والشعوذة، وهي مناسبة ضمن المواسم الدينية، التي يتم النشاط فيها من طرف الجن الشيطاني. وأبرز "أبو أنس"، أن مناسبات دينية محددة، تكثر فيها أعمال الشعوذة والسحر، ويتعلق الأمر ب"عاشوراء، وعيد المولد النبوي، وعيد الأضحى"، حيث تلجأ بعض النساء إلى "تثقيف" الأزواج ليصير "ملكا" لها، أو تثقيف أي شخص تربطه بهن علاقة حب خاصة، كما تلجأن إلى أعمال "الجلب، والاستقطاب"، لجلب شخص معين للزواج به. وأضاف المتحدث ذاته، أن النساء لا تفوتن هذه المناسبة، لأن أعمال السحر تكون ناجحة خلالها، لذلك تلجأن إليها، سيما يوم عاشوراء، وهو ما جعل الصيام مستحبا لدرء المشاكل. وعن الاعتقاد الراسخ لدى النساء، بكون وصفات السحر، التي يتم عملها خلال ليلة عاشوراء تبقى صالحة لعام كامل، يقول أبو أنس إن هذا الاعتقاد حقيقي، وذلك بسبب نشاط الشياطين، والجن في هذه المناسبة، حيث ييسر الأعمال السحرية للمشعوذات، اللائي يباركنه، أو يتبولن على القرآن الكريم.. وتنجح كل الأعمال الكريهة، التي يبتغي صاحبها إيذاء شخص آخر، بل لا تسلم حتى المقابر في هذه الأيام من انتهاك حرماتها، بدفن تلك الطلاسيم، وملابس "المسحور" داخلها. أوهام المشعوذين طقوس غريبة، تحدث يوم "الشعالة"، حيث يتم ضبط نساء، وفتيات يرمين بأشياء في النار، بسبب اعتقادهن بأهميتها في "تطويع" الأزواج، وجلب الأحبة للزواج. علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، استنكر استمرار هذه المعتقدات، بعد تطور العلم، وأوضح ، أن الشعوذة موجودة طوال السنة، ولا تتعلق بمناسبة دينية معينة. وأضاف المتحدث نفسه: "نعيش اليوم في عصر متطور، بفكر إنساني، وتجاوزنا المراحل البدائية الأولى، التي كان يعيشها الإنسان، لكننا لانزال نتعايش مع فئة تعيش على الإيمان بالخرافات. وعن تعاطي بعض للشعوذة، قال الشعباني إن المسألة تتعلق ببدايات الإنسانية، حيث كان المرء يجد نفسه عاجزا عن تفسير عدد من الظواهر، لذلك لجأ إلى الاعتقاد بها، والإيمان بالغيب للإجابة عن بعض مظاهر تلك الظواهر، إلا أن العلم تطور، ويمكن اليوم تفسير كل شيء..كيف نجد أنفسنا وسط هذه الترهات". وزاد الشعباني أن الشعوذة لها ارتباط وثيق بالفكر الخرافي، والعقليات، التي لاتزال تؤمن به من دون الاستناد إلى العقل، والمنطق، وهي عقليات تعيش في المرحلة الأولى، التي عرفتها البشرية منذ ملايين السنين. وشدد أستاذ علم الاجتماع أن اليأس، وانعدام ثقة المرء في إمكانياته، وذكائه، تظهر نواقصه، فيكون ملجؤه الوحيد هو الشعوذة والمشعوذين، حيث يستغل هؤلاء ضعفه، ويستغلونه في أمورهم الخرافية، مؤكدا ضرورة الإيمان بذكاء الإنسان، وعبقريته، عوض الإيمان بأشياء غير مرئية، والعيش في الأوهام. وفيما يخص الفئة المجتمعية، التي تلجأ إلى الشعوذة، قال الشعباني إن رواد المشعوذين ليسوا إلا أناسا جاهلين، والأمر لا يرتبط بالأمية، وأضاف "كم من أمي لا يعرف القراءة والكتابة، وهو ذكي وسلوكاته منفتحة، وكم من متعلم في مستوى عال، جاهل، يؤمن بالأساطير ويصدق الأكاذيب، ويعيش على الأوهام". وخلص المتحدث ذاته إلى أن الشعوذة "تبقى طريقة الخلاص بالنسبة إلى الضعفاء، وهروب من الواقع القاسي لبعض، وعوض البحث عن حل للمشاكل، يضعون أنفسهم في يد مشعوذين فيستغلونهم.. لكن بالعقل الاكتشافات، والاختراعات لم يأت بها المشعوذون الدجالون، بل جاء بها المفكرون.