يتزايد الإقبال خلال مناسبة عاشوراء على أعمال السحر والشعوذة سواء في بعض الأضرحة المشهورة بهذه الطقوس، أو في منازل الفقها و«الشوافات» من طرف النساء الراغبات في قضاء أغراضهن الشخصية التي لا تكون في الغالب إلا إسكات الزوج والتحكم فيه أو الإيقاع بحبيب والزواج به. تكاد لا تتوقف الحركة بضريح “للاعائشة البحرية” دفينة شاطئ جماعة سيدي علي بن حمدوش التابعة لدائرة أزمور طيلة أيام السنة حيث تؤمه الفتيات من كل حدب وصوب للتبرك به من أجل طرد النحس الذي زج بهن في طوابير العوانس. غير أن وتيرة الإقبال ترتفع بحلول بعض المناسبات الدينية كعاشوراء إذ تعتبر المعتقدات السائدة أن مفعول أعمال السحر والدجل تكون أكثر تأثيرا خلال ذات المناسبة. لالة عيشة البحرية قبلة الشعوذة في عاشوراء تبدأ رحلة الشعوذة بضريح للاعائشة البحرية باقتناء الشموع والقرابين من محلات بيع لوازم الدجل المنتشرة بمحيط الضريح، قبل ولوج هذا الأخير حيث تقوم الفتيات بالتمسح بقبر الولية الصالحة عساها تأتيهن – حسب زعمهن – بفرسان الأحلام الذين طال انتظارهم، ليتوجهن فرادى وزمرا نحو “ال خلوة” قصد الاستحمام بماء تقدمه لهن بعض العاملات بالضريح من خزان مجاور مقابل عمولة مالية تقدر ب 25 درهما، حيث يتركن بعض ملابسهن الداخلية زعما منهن بطرد “التابعة” قبل أن يسعين إلى تخضيب أياديهن بالحناء وكتابة أسمائهن وأسماء فرسان أحلامهن وأمانيهن على جدران الضريح... وحتى تكتمل كل صور “الزيارة” ويصير الهدف قريب المنال لا بد أن تعرج الفتيات الباحثات عن عرسان على كهوف المشعوذين والدجالين والعرافة الذين يتقنون فن النصب على هذه الطينة من الزوار، حيث يدعون القدرة على إبطال السحر الذي حال دون كسبهن ود الرجال بواسطة مجامير البخور و مادة “اللدون” فضلا عن تقديم الوصفات المساعدة على التعجيل بقدوم العريس والتي غالبا ما تكون عبارة عن حروز وطلاسم وجلود حيوانات ومساحيق مجهولة المكونات. داخل هذه الخيام أو الكهوف التي تعلوها أعلام من الثوب الأبيض والأخضر وتتصاعد من جنباتها أدخنة تكاد تخنق الأنفاس، يجد المرء نفسه أمام طقوس غريبة يزعم أصحابها من المشعوذين و المشعوذات أنها تفك قيود السحر التي تحول دون أن يطرق العرسان أبواب الفتيات اللواتي يقصدنهم، غير أنه في مقابل ذلك يقومون ب “أعمال شيطانية” يسعون من خلالها إلى تحويل فرسان الأحلام إلى عجين طيّع بين أيدي قاصداتهن وذلك بغرض كسب ثقتهن في أفق تحصيل مبالغ مالية ضخمة نظير ما يقومون به من طقوس يزعمون أنها كفيلة بتحقيق الغاية. ولعل ذلك ما يعكسه محجوزات عناصر الضابطة القضائية قبل مدة أثناء مداهمتهم لكوخ أحد أشهر المشعوذين خلال إحدى حملاتهم والتي احتوت رأس خنزير بري ومئات الصور الفوتوغرافية لنساء ورجال وعرسان ينحدرون من دول مختلفة، تحمل كل واحدة منها اسم الشخص ذاته واسم والدته، فضلا عن مبلغ مالي بعملات مختلفة هي الأخرى، قبل أن تتم إحالته على العدالة التي أدانته بتهمة النصب عن طريق الشعوذة. أكواخ وكهوف المشعوذين الذين يحيطون بجنبات ضريح للاعائشة البحرية أضحت أيضا محجا للرجال والشبان الذين ينتابهم إحساس بالتعرض لأعمال السحر، أملا منهم في الاستفادة من عملية “التفوسيخ” التي تسهر عليها بعض النسوة من خلال حرصهن على استنشاق “المسحور” لرائحة مادة “اللدون” وهي تنصهر بين لهيب الفحم، مع تزويدهم بما يلزم من الطلاسم والحروز التي تحصنهم –بزعمهن- من أية أعمال سحر مرتقبة. ويزداد إقبال هؤلاء الشبان على أكواخ المشعوذين بضريح للاعائشة البحرية –أيضا- بموازاة مع اقتراب مناسبة عاشوراء اعتبارا منهم بأن وثيرة أعمال السحر و الدجل التي يكونون عرضة لها من طرف الفتيات ترتفع بحلول هذه المناسبة خاصة أثناء طقوس ما يعرف ب “الشعالة”. عاشوراء مناسبة التقريب بين الأزواج لا يقتصر الأمر خلال ليلة عاشوراء على الإقبال على الأضرحة بحثا عن المشعوذين والدجالين، الذين يجعلون منها مكانا يجتمعون فيه من أجل ممارسة طقوس الشعوذة التي تكون مرافقة لهذه المناسبة الدينية. لكن عاشوراء تعرف رواجا منقطع النظير حيث تقصد النسوة الباحثات عمن يقضي لهن غرضهن المنشود والذي يتجلى في «تثقيف» شخص ليكون لها وحدها ولمنعه من معاشرة غيرها من النساء، وهذا العمل يدخل في خانة السحر الأسود أو «الخيوبة» كما يصطلح عليه في الدارجة المغربية. لكن تبقى غالبية الأعمال التي تقوم بها النساء خلال هذه المناسبة الدينية مرتبطة بالإيقاع بشاب قصد الزواج به أو« ربطه» كما يصطلح عليه في قاموس المشعوذين أو التقريب بين زوجين عرفت علاقتهما تنافرا كبيرا، من خلال القيام بالكثير من الوصفات التي تقرب بينهما من جديد كالوصفة المشهورة «بالشرويطة» والتي يتم خلطها بالكثير من الأعشاب والمستحضرات من قبيل شدق الجمل وغيره ويتم ملأ هذه «الشرويطة» وخياطتها بخيط أبيض وإحراقها. تحرص النساء على عدم تفويت مناسبة عاشوراء لاعتقادهن الراسخ أن وصفات السحر التي يتم عملها خلال ليلة عاشوراء تبقى صالحة لعام كامل، أي إلى عاشوراء المقبلة مما يعني أن الزوجة ستحضى بالتفاهم مع زوجها ولن تكون هناك مشاكل بينهما طيلة عام كامل. « شعالة» عاشوراء والشعوذة تعتبر « الشعالة» من بين أكثر الطقوس التي تنتظرها بعض النساء بفارغ الصبر، لما يتم ممارسته خلالها من طقوس الشعوذة التي تبدأ قبل حلول المناسبة الدينية ولا تنتهي إلى بانتهائها. وتستغل بعض الفتيات والنساء هذه الفرصة بالذات من كل سنة ليلقين مواد غريبة في النار المشتعلة، وتكون غالبا عبارة عن بخور ووصفات تشتمل على طلاسم وتعويذات شيطانية، يمنحها إياهن «الشوافات» والمشعوذين الذين يترددن عليهم، حتى يضمن بلوغ مراميهن ويحققن مرادهن على طول السنة، إلى أن تحل عاشوراء السنة الموالية، وأغلب تلك الأعمال السحرية تتركز حول تطويع الزوج، أو طرد العنوسة، إذ تلقي المرأة أو الفتاة العانس جزءا من أثر الرجل الذي تريده زوجا لها من قبيل ثيابه أو شعر رأسه أو جسده، أو حبات تراب وطئت قدمه عليها في النار الملتهبة. ومن الغريب أن الفتيات يعتقدن أن بإمكانهن الحصول على شعر جميل وطويل خلال هذه المناسبة الدينية، فيعملن على تقطيع جزء من شعورهن ويقمن بإدخال طرف منه في خاتم فضي، ويقطعن ما فضل منه، ويرمينه في نار الشعالة. مجيدة أبوالخيرات/ عبد الفتاح الزغادي