في إسبانيا يعتاد الكثير من الناس على الإستمتاع بالقراءة في كل مكان، جالسين أم واقفين ، في الحافلات والقطارات وفي أنفاق المترو، تجد الإسبان منهمكين في القراءة مع العلم أنهم حديثي العهد بثقافة القراءة، فالكتاب عندهم خير جليس، غير آبهين بمن حولهم من الغرباء حتى أصبحت القراءة عندهم تقليدا وطقوسا يمارسونها أينما حلوا وارتحلوا. في الجهة المقابلة لإسبانيا يوجد بلد جار إسمه المغرب، أصبحت القراءة فيه بمثابة العثور على إبرة في كومة من القش، فقلما تجدنا نقرأ في القطار أو الباخرة وقس على ذلك، على طول قطارات المملكة نفترس وجوه بعضنا البعض بعدوانية وعصبية مقيتة، ونقتحم الحميمية الخاصة بالأفراد بفضول زائد عن اللزوم ، قلة هٌمٌ المسافرون الذين يستغلون الرحلة على القطار أو أي وسيلة نقل أخرى ، في قراءة كتاب أو مطالعة رواية أو تصفح جريدة إشتراها من ماله الخاص، فحتى إذا وجدت من يقرأ تجده أجنبيا مع أننا أمة إقرأ، فجلنا نثرثر في مواضيع تافهة وثرثرات زائدة، معظمنا يُحنزز في أجساد الفتيات ويتحين الفرص للانقضاض على الفريسة في خرق سافل للأخلاق العامة وفي منظر أشبه بحيوانات الغابة، فلا نقرأ ولا نترك أحدا يقرأ، في قطاراتنا وحافلاتنا وكل وسائل نقلنا، تحلو الثرثرة والكلام الفارغ والأحاديث الثنائية المملة غالبا ، فيما تختفي عن الأنظار متعة القراءة ولذة التفرغ للكتاب، تاركة المجال للفراغ القاتل وللانتظار المُمل خصوصا إذا كانت الرحلة طويلة جدا، وما أطولها عندنا في وسائل نقلنا. هذا العام مكثت شهرا كاملا بمدينة برسلونة الاسبانية، رأيت أشياء جميلة ورائعة ستظل عالقة في ذاكرتي إلى الأبد، ومن بين هذه الأشياء التي رأيت، جرائد المترو التي توزع بالمجان. كثيرون هم الإسبان الذين يمسكون بتلك الجرائد بين أيديهم لتصفحها ومطالعتها ، لكن الكتلان لهم حفاوة خاصة بالقراءة فهم أكثر الإسبان قراءة في الفضاءات العمومية وفي القطارات والبواخر ووسائل النقل الأخرى، وتساءلت حينئذ بحرقة، لماذا تأخرنا وتقدم الإسبان، مع أنهم يشبهوننا في كل شيء؟. إن ثقافة القراءة في الفضاء العمومي هي جزء من ثقافة الشعوب وجزء من شخصيتها وعلامة بارزة على تحضرها ورقيها، ومقياسا لتقدمها وبروز مكانتها وإرادتهم إلى تغيير عقلياتهم نحو الأفضل. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: (إقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم). سورة العلق. السًلام عليكُم.