لكل وجه ومكان لون. للريف ألوانه أيضا. هذه بعضها الريف كان في السابق عبارة عن منفى- معتقل بأبواب مغلقة، والأن قد فتح في وجهه مجرد باب واحد. كان ذلك تفسير لما يعيشه الريف من تحولات راهنة هذه خلاصة قراءة سريعة لمواطن ريفي يعيش في تخوم الريف العميق. رشيد من قبيلة تمسمان الشهيدة، شاعر بالفطرة، يمتلك ناصية النباهة دون أن يكون قد درس ضوابط التحليل السياسي في الجامعة أو المعاهد العليا. انه سياسي بالفطرة. والانسان الريفي غالبا ما يجنح الى نوع من الممارسة السياسية الفطرية. قد نسميها ب "الراديكالية". انه واحد من ألوان الريف الشامخ في نفس الفضاء والزمن. شاب اخر من احدى قرى الريف ولا يتجاوز عمره 23 سنة. نموذج لشاب مرتبط بعمق الريف ومعانق لقيم الكونية. تحليلاته التلقائية لمجتمع الريف جعلته يؤكد لي أن الريفيين كانوا في السابق يمتلكون الوعي الأخلاقي، أما الان فهم لم يعودوا يمتلكون لا الوعي التاريخي ولا الوعي الأخلاقي. انها نوع من المعضلة التي أفرزت لنا هذا الوضع، وهو أمر ممنهج ومقصود يؤكد شوقي. حديث حماسي ختمه بترديد احدى أغاني مجموعة بنعمان "نونجا". قد يكون هو الأخر واحد من ألوان الريف وعلى ايقاع هدوء أمواج واحد من شواطئ البحر المتوسط الواقع بين تمسمان وأيت سعيد، كان صديق اخر ومناضل أمازيغي، سعيد، سليل ماورو ومقيم بالديار الهولاندية، منشغل بنفس الهواجس التي تسكن عادة جيل من الشباب والأفكار، كان يلح على ضرورة اعادة الاعتبار لكيان القبيلة – كمؤسسات وبنيات- كمدخل لتحديد مستقبل ومصير الريف. انه لون الارتباط والعودة الى الأصل بين هذا وذاك، كانت هناك ألوان أخرى تتراءى لنا. كانت قد حدثت زوابع كثيرة. زوابع جعلت مدينة الناظور تعيش على ايقاع صيف ساخن. زوابع تعكس واقعا اخر. كانت المسافة كبيرة بين ما تحدثه هذه الزوابع من فرقعات، وبين واقع الاغلبية الصامتة انشغالات وتطلعات لا زالت تشكل حلما بسيطا لدى فئات عريضة من الريف العميق تعتقد انها خارج اللعبة ومن يصنع اللعبة غير مبالي كانت المسافة كبيرة وواضخة اذن. كما كانت اسباب ذلك واضحة وكثيرة. مسافة ومفارقة تعكسها مظاهر اخرى. مظاهر مرتبطة بالاقصاء الاجتماعي والتهميش الاقتصادي والتفاوتات القائمة بين مناطق مختلفة. تفاوتات تؤسس لريف الواجهة وريف العمق واذا كانت بعض الواجهات الساخلية قد عرفت دينامية ظرفية من خلال انجاز الطريق الساحلي أو أنها ستعرف ذلك خلال السنوات المقبلة عبر المشاريع المزمع انجازها، فان المناطق الداخلية من الريف قد عرفت تراجعا الى الوراء بحكم تدني مستوى البنيات التحتية وضعفها، في وقت كان من المفروض فيه تعزيز هذه البنيات وتقويتها وفك العزلة على قرى ومداشر ومراكز حضرية. فأن تذهب مثلا الى كرونة يعني انك ستعرف بدقة معنى "بئس المصير". أما اذا كان قصدك أن تذهب الى تافرسيت عبر تيزي عزا، أو أن تذهب الى أيت وليشك عبر طريق الموت لعسارة او حتى أن تذهب الى اجرماواس أو ماورو أو أيت مايت، فذلك تعني أنك شاهدث معنى "ضربة تهميش". وأن تذهب الى أكزناية وتسافت وأيت بويخلف وحواضر تمسمان وتزغين...فعنوان ذلك سيكون من دون شك هو: صور الفرص الضائعة المعضلة أن المغرب أضاع وقتا طويلا في السياسات الترددية، الا أنه مازال يكرس الفرص الضائعة والمفارقات. لا زال يتحاشى لمس الجرح. يعالج الجسد والهيكل ويتردد في علاج القلب النابض للريف الشيء بالشيء يذكر. فمن جملة النقاش الذي دار خلال ندوة الريف، تحولات ورهانات، يوم 24 يوليوز2010 بالناظور، كيفية جعل هذا الواقع بكل تناقضاته وتحولاته ورهاناته، أرضية نضالية مؤطرة سياسيا وتنظيميا وحقوقيا على النقيض من ذلك، وفي نفس الاثناء، كان مهرجان الناظور"خباطا" غبر ٱبه الا بنفسه. كان الناظور في لقاء مع العالم، لكن لم يكن العالم في لقاء مع الناظور. ولم تهدأ زوبعة المهرجان حتى كانت حرب الصقور قد بدأت، ولا يبدو أنها انتهت. ستأتي الأيام بأخبار أخرى ما يهم من هذه الألوان الأخيرة هو ان أمورا كثيرة حدثت. بعضها مر في صمت وبعضها تحت ايقاع ضجيج اعلامي وسياسي، قبل ان تمر مياها كثيرة تحت الجسر وما أن مرت سحابة المهرجان وتداعياته، حتى كانت غيوم اخرى تحوم حول سماء العلاقات المغربية الاسبانية. ايضا جرت مياه كثيرة تحت الجسر، قبل أن تتبدد بعض هذه الغيوم. غيوم يبدو انها حملت هذه المرة أمطارا علها تطفئ قليلا من نار أزمة سبتة ومليلية، المدينتان "المغربيتان، العربيتان، الافريقيتان".! يتبع