شدت شخصية المواطن "الريفي" الأنظار إليها داخل وخارج المغرب، بعد الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها عدة مدن بمناطق الريف في الأسابيع القليلة الماضية، عقب مقتل محسن فكري، بائع السمك الذي فرمته آلة الضغط بشاحنة للأزبال، والتي اتسمت بكثير من الرقي والمسؤولية. ورغم توالي الاحتجاجات التي كانت تجري في أكبر شوارع الحسيمة والناظور، وغيرهما من مدن الشمال والريف، فإنه لم يتم تسجيل أي انفلات أمني طيلة تلك الأيام، بل برهن شباب المنطقة عن تحضر وكياسة أذهلا الكثيرين، من خلال تشكيلهم لسلاسل بشرية تحمي المنشآت وممتلكات الدولة والمواطنين. ولأن "ريافة" أبانوا عن مقدرة هائلة على التنظيم والانضباط رغم الغضب العارم الذي كان يعتري صدورهم، فإن باحثين وأكاديميين شرعوا في سبر أغوار هذه الشخصية الريفية التي تُعرف بشكل عام بصرامتها وجديتها، ولكن أيضا برفضها للخضوع والخنوع، ومقتها لسلطة "الحكرة". وفي هذا الصدد تقول نعيمة المدني، أستاذة علم الاجتماع والأنتربولوجيا بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن "التحليل الموضوعي لشخصية الريفي ينبغي أن يعود معه علم الاجتماع إلى حضن الوضعية، من خلال الاعتماد على معطيات من الواقع، وليس على قوالب جاهزة كنظرية الأنماط المثالية، أو أصناف الأمزجة". وأوردت المدني، في تصريحات لهسبريس، أنها تعرفت على شخصية الريفي، من خلال اشتغالها على دراسة ميدانية تخص الكلفة الاجتماعية لحوادث السير، فوجدت حسب المعطيات المتوفرة أن أدنى الأرقام المتعلقة بهذه الحوادث هي تلك المسجلة بشمال المملكة، والريف عموما. وتابعت الأستاذة الجامعية بأنه "إذا كانت جل الدراسات المتناولة للموضوع تلقي باللائمة الأولى على السلوك البشري الذي يعتبر العامل الأساسي وراء حوادث السير، فإن الملاحظة الميدانية أثبتت أن انخفاض معدل حوادث السير بالريف يعود إلى الوضع الاعتباري الذي يحظى به الراجل عموما من قبل السائقين". واعتبرت الباحثة ذاتها أن "القيم الاجتماعية والثقافية تتفوق في هذه المناطق على سلطة القانون، في مشهد حضاري تقدم فيه عادة جميع الإمكانيات لضمان سلامة الراجل، من خلال الإبقاء على المسافة الكافية، وتقليل السرعة بشكل ملائم، مع ما يتخلل ذلك من تبادل إيماءات التحية والشكر بين الطرفين". ولاحظت المدني أن "الريفي يهتم عادة بالحالة الميكانيكية للعربة حتى لا تصير بمظهر ووضعية متهالكة"، موردة أن "هذا الاهتمام يدخل في إطار عناية الريفي بمظهره العام عادة داخل البيت وخارجه، بغض النظر عن مستواه السوسيواقتصادي، إذ لا يقبل أن تخدش كرامته ولو من خلال صورة سيئة قد ترسم في ذهن الآخر". وعزت المتحدثة مظاهر الاحترام التي انغرست في شخصية "الريفي" إلى أن "الشخصية الريفية منبثقة من الأرياف، التي لم تستطع بعض الظواهر الاجتماعية السلبية أن تخترقها بحدة، كتلك التي تعبر عن العزلة الاجتماعية للآخر؛ مثل التشرد والتسول ومشاكل أخرى عديدة، لأنها ظواهر حضرية ولدت مع المجتمع الصناعي". وخلصت المدني إلى أن "الريفي يعبر عن الشخصية المغربية الأصلية التي تطفو على السطح، عند الحاجة، مهما علتها نتوءات الحياة وإكراهات العيش"، مشيرة إلى الطابع الحضاري الذي رافق مسيرة الراحل فكري، والذي خيب ظن الأعداء من خلال منع أي انفلات، ومن خلال حماية الممتلكات وتنظيف الشوارع".