بحلول هذا اليوم، تكون قد مرت 13 سنة على رحيل الكاتب المغربي محمد شكري؛ الذي فارق الحياة ذات يوم ماطر بالمستشفى العسكري بالرباط بعد صراع طويل مع مرض السرطان الذي فتك ب "الشحرور الأبيض" . محمد شكري؛ الذي ولد سنة 1935 بقرية بني شيكر، تلك القرية القابعة على سلسلة جبال الريف إقليمالناظور، لم يكن يدور يوما في خلده أنه سيتحول في يوم من الأيام إلى "أسطورة أدبية" وهو الذي عاش عشرين سنة من حياته "أميا" لا يعرف القراءة والكتابة. عندما تصنع المعاناة الأمجاد معاناة الراحل والظروف القاهرة التي عاشها خلال مرحلتي المراهقة والشباب؛ كانت عاملا أساسيا ساهم في شهرة شكري ووصوله إلى العالمية، إذ تعتبر معاناة "الكاتب شكري" تجربة استثنائية لم يعش مثلها كاتب آخر بالعالم. وشاءت الأقدار أن تصبح تلك الظروف القاسية التي عاشها شكري هي المضمون الرئيسي لرواية "الخبز الحافي" التي صنعت مجده الأدبي كله. وحتى في إبداعاته الأخرى؛ فإن المعاناة والبؤس والتهميش والفقر شكلوا العمود الفقري لجل إبداعاته التي حظيت باهتمام في المغرب والعالم العربي وفي باقي أنحاء العالم . الخبز الحافي الذي رفضه الجميع لقد خلقت رواية "الخبز الحافي" رجة في الحياة الأدبية المغربية؛ خصوصا وأنها صدرت في وقت كان فيه المغرب"محافظا" أكثر من أي وقت مضى. هذه الرواية التي كتبها شكري باللغة العربية سنة 1972 وترجمها إلي الإنجليزية بول بولز سنة 1973 ثم إلى الفرنسية الطاهر بنجلون سنة 1981 ولم تنشر بالعربية حتى سنة 1982، ترجمت إلى ثمانية وثلاثون لغة أجنبية؛ إلا أنها ظلت ممنوعة لسنوات طويلة بالمغرب بالإضافة إلى دول عربية أخرى. ولعل السبب وراء هذه الرقابة التي تعرض لها "الخبز الحافي" يرجع إلى كون أن الرواية كانت "أكثر جرأة" وتخطت "الخطوط الحمراء" عندما تطرقت لمواضيع جد حساسة كالجنس والدعارة والمثلية الجنسية وغيرها من الأشياء التي كان ولا يزال يصنفونها الناس ضمن خانة "الطابوهات". وبما أن كل ممنوع مرغوب؛ فإن الفضول قاد العديد من المهتمين إلى البحث عن هذا الكتاب الذي منعته السلطات المغربية؛ وهنا كشفت فتحية الخياطي التي اشتغلت خادمة لشكري لأكثر من عشرين سنة في حديث صحفي سابق عن كيف كان شكري يوزع نسخا من روايته مجانا وخفية على كل من كان يسأل عن الرواية التي أزعجت جهات كثيرة في مغرب الحسن الثاني . رفع الحظر عن "الخبز الحافي" سيتم سنة 2000، لينتشر "الكتاب السابقة" لشكري في جل مكتبات وفضاءات مغرب الألفية الثالثة الذي عرف نوعا من "الإنفتاح" الثقافي والسياسي وكذا الإجتماعي. شكري الذي لن يرحل لقد واجه شكري الحياة بإرادة صلبة لا تلين، وحتى عندما أدرك أن موعد رحيله قد حان ليفارق دنيا الناس؛ فإنه واجه الموت بجسارة. لقد ظلت سيرة شكري تتردد على الكثير من الألسن؛ كما ظل موروثه الأدبي حاضرا بقوة في الساحة الثقافية المغربية . إن محمد شكري ليس مجرد كاتب فحسب، ولكنه تجربة إنسانية استثنائية فريدة في الحياة تقدم العديد من الدروس والعبر.. محمد شكري.. روح تأبى أن تنسى يقول الصحافي طلحة جبريل الذي جمعته صداقة طويلة بالراحل في شهادة سابقة له عن شكري : "كان إستثنائيا في حياته وسيظل كذلك بعد رحيله.. سيبقى محمد شكري كاتبا عاش حياة قلقة مليئة بالثقوب والفوضى وجرأة التفكير والبوح. كانت حياته جرعات، عندما قرر أن يمحو أميته، وأدركته حرفة الكتابة كتب عن المهمشين والهامشيين. عاش مهمشا، لكنه لم يكن هامشيا.. قط على الإطلاق لم يكن كذلك" . (الصحافي طلحة جبريل – محمد شكري.. جرعة الحياة).