تحصلت ناظورسيتي على حوار يعود إلى سنة 1999 وهو أول حوار يجرى مع الفنان والناشط الأمازيغي محمد شاشا مع جريدة مغربية بعد عودته لأرض الموطن. حاوره: أحمد زاهد محمد شاشا شاعر وروائي أمازيغي غاب عن بلده المغرب منذ 1973 مهاجرا باحثا عن الحرية والديمقراطية، لقاؤنا به كان دائما عبر قنوات الكابة... رغبتنا في معرفته دفعتنا إلى الالتقاء به في بيته بهولندا، فأجرينا معه في هذا الحوار الصريح: تامزيغت: يعرف محمد شاشا في الأوساط القافية والسياسية ماذا عن محمد شاشا الإنسان؟ محمد شاشا: أنتمي إلى منطقة رأس الماء الجميلة، التي لم تدخل بعد في البرنامج التنموية رغم إمكانياتها السياسية "شواطئ جبال، مزارع..." وبها تابعت تعليمي الأولي ثم بعدها انتقلت الى المدينة من أجل دراسة الثانوية إلا أنني طردت بتهمة الشغب داخل المؤسسة. اشتغلت بحارا في إحدى سفن الصيد غير أن مجموعة من الممارسات كاستغلال العمال دفعتني إلى التفكير من أجل البحث عن مكان أمن وعادل وبالضبط هاجرت إلى أوربا منذ عام 1973 إلى الأن، أما عن وسطي العائلي، فأنا أنتمي إلى أسرة تتكون من سبعة أفراد وأنا ثانيهم تامازيغت: تقيم في الهجرة زهاء 22 سنة، هل لكم أن تشرحوا لنا سر كل هذا الإغتراب؟ محمد شاشا: في الفترات الأولى لم يكن يسمح لي بالعودة إلى المغرب نتيجة لأنشطتي النقابية حتى أن السلطات إعتبرتني بما يسمى في الثقافة الأمريكية "وانتد" واعتقلت اخوتي وجردتهم من جوزات السفر واصبح أحدهم معقدا بفعل الضرب والتعذيب، الأمور في الفترة الراهنة على ما يبدو تغيرت بعض الشيء نحو التحسن لكن ليس هناك للأسف ما يشجع على العودة، فكل الأخبار الأتية من هناك لا يزال حاضرا في الشارع المغربي وكذلك منع الحريات، فبكل صدق لا أستطيع تحمل هذا الوضع، فبأ حق تمارس سياسية العصا الغليضة على الانسان حتى وإن كان مجرما، فما بالك لو كان طالبا يدافع عن حقه في الشغل أو أن تعتقل عائلة بكاملها بمبرر أن طرفا فيها يخل بالنظام العام ويمارس لعبة السياسة. أقول هذا وفي نفسي رغبة أكيدة من أجل العودة إلى بلدي والإلتقاء على الأقل بعائلتي وبالذين يقرؤون كتاباتي ويودون الالتقاء بي. إلا أن عشقي للحرية وحرية التعبير فوق هذه الرغبة تامازيغت: أنتم من الأوائل الذين حاولوا التخلص من أحد أخطاء إيمازيغن الكبرى، بتعلق الأمر بالشفوية عبر مؤسسة "إيزوران" التي تهتم بالنشر والطباعة، نريد أن نعرف نحن في المغرب شيئا عن هذه المؤسسة التي تترأسونها محمد شاشا: بدأ النقاش حول هذه المؤسسة منذ بداية الثمانينات إلا أن تأخير الانتقال بها إلى النطاق العملي كان ضحية النقاش السياسي في علاقته مع الثقافي، لكن بمساعدة الشاعر حسن أكروح استطعنا أن نجعل هذه المؤسسة تقوم بمهامها وتصدر عدة انتاجات في حقل الأدب الأمازيغي، فقد نشرنا خمسة دواوين شعرية وثلاث مجموعات قصصية وغيرها لكتاب معروفين أمثال المغني الكبير الوليد ميمون وامحمد واشيخ واحمد الزياني ومصطفى أينيض وأخرون. أريد أن أشير هنا إلى أنه رغم كل هذه المجهودات، فإن هذه الكتب لا تعرف إقبالا كبيرا، فالجمعيات الأمازيغية المهتمة لا تتلقى الدعم "عكس الجمعيات العروبية والإسلامية" كما أن الشباب الأمازيغي رغم كثرته، فإنه يتجه أساسا نحو الفلكلور والموسيقى، ثم إن النخبة المثقفة التي تهتم بالأدب المغربي قليلة جدا في أوروبا مقارنة مع الفأت العريضة من الأميين الذين لا يفكرون إلا في جمع الأموال تامازيغت: النظرة العامة إلى كتاباتكم تنم عن خاصيتين الأولى هي التنوع في الكتابة "الشعر والقصة والرواية" والثانية إعتماد أسلوب تكسير الطابو، ما هي أسباب اعتماد محمد شاشا لهذا النهج؟ محمد شاشا: بخصوص النقطة الأولى فإنه يحكمها اعتبار ذاتي له علاقة بعشقي للأدب بكل أغراضه والذي يشكل إحدى الثوابت في حياتي الخاصة، واعتبار موضوعي له علاقة بالثقافة الأمازيغية التي تربيت في أحضانها والتي هي أيضا محتاجة إلى استكمال نسقها الأدبي، وذلك بطرق كل الأبواب الأدبية بما في ذلك الشعر والقصة والرواية... الحقيقة أننا تأخرنا كثيرا من هذه الزاوية إذا ما قارنا ما هو كائن بالتاريخ الأمازيغي وأدبه. أما عن أسلوب تكسير الطابو فأعتقد أنه ألية متحضرة للتخفيف من معاناة وألام الشعوب المقهورة حتى أن عدم تكسيره يعتبره علماء النفس أحد أسباب ومظاهر التخلف، فهناك كثيرا من الظواهر التي تدخل في خانة المحرمات كالجنس والمقدسات رغم ارتباطها الوثيق بحياة الفرد، مما يفرض بالضرورة فهمها، لذا فإنه وجب تكسير الطابو، إن هذه المهمة بالنسبة لي نوغ من النضال بأسلوب أخر. فمن اللازم إذن تحرير الناس من هذا الطابو وقبضته، فلا يمكن أن نتحرك أو أن نبدع في حضور هذه الطابوهات التي هي بمثابة لجام يقيد المرء تامازيغت: شاركتم خلال الأشهر القليلة في المناظرة الدولية التي نظمتها مؤسسة دافيد هارت وجريدة الصدى بمحور نادر لم يكن محط نقاش أدبي هو موضوع "إزران" ما هي الغايات التي كنتم ترمون إليها؟ محمد شاشا: إن إيمازيغن للأسف يحتقرون أدبهم رغم أهميته القصوى في التعريف بشؤونهم لدى الشعوب الأخرى لما ينم عنه من مستوى عال في الإبداع والتخيل غير أنه ما زال يعيش مرحلة التهميش واللامبالاة ولا يمنح له أية قيمة حتى من الأمازيغي نفسه عكس ما هو عند الشعوب الأخرى مثل اليابان التي تولي اهتماما خاصا لهذا الصنف الأدبي "أي إزران" وهو ما يعرف عندهم بالهايكو إن إزري بيت واحد مستقل بذاته له حمولته تتكون من مضمون ومحتوى يجعلانه قصيدة إنه بعبارة وجيزة "بيت القصيد"، واسمح لي أن أستدل ببعض الأبيات حتى ندرك مدى جمالية مخيال الشعراء والشاعرات الأمازيغيين Ucay ed rekwasi ad aaderx aghimi LLIf aad da mezyan lhub yeqda xafi Arwah ad am inigh min da yenne umcum Yenna yi ad am arigh x tirest....... البيتان لشاعرتين مختلفتين الأولى تشتكي بعذرية تامة صغر سن حبيبها وكثرة هيامها وعشقها له، والثانية تشتكي أيضا إباحية عشيقها لخليلتها، وكل هذا في بيت واحد وإيجاز كبير A ya sidi rebbi jmma anzar nec Tinaacin n uliman hesen zi lxir nec هذا البيت للشاعرة الكبيرة ميمونت ن سروان، تشرح فيه تمردها على الله وارتباطها بالعملة الصعبة، وهو بيت عفوي أنشدته في أحد الأعراس A ya talimanet ma wam yewci wur nem Jjit ad yargeh ccehar inew aam nem من خلال هذا البيت بتبين أثر الهجرة في المرأة الريفية بحيث دخلت في مساومة مع المرأة الألمانية التي أخذت منها زوجها وتخاطبها في مناجاة بأن تتركه لها شهرا واحدا على أن تأخذه الألمانية عاما كاملا. إن هذه الأبيات – القصائد وعددها يفوق الألاف ذات حمولة فكرية غنية وتتناول قضايا بمثابة مفاتيح نفهم من خلالها الحياة العامة لإيمازيغن لكي نلخص أقول أننا الأن في مرحلة تفرض علينا عملية التدوين حتى لا نبقى شفهيين عرضة للإتلاف والتلاشي، وإزري أحد مظاهر الإبداع الراقي عندنا وحتى أضعك في الصورة –وهذه وجهة نظر- أقول أن كل ما كتبته لا يساوي "إزري" واحدا في عفويته وتلقائيته بعيدا عن أية إديولوجية التي بقينا نحن الشعراء المعاصرين سجناءها حتى لو حاولنا التخلص منها. إننا لا نستطيع الوصول إلى شاعرية ميمونت ن سروان والشيخ علال ويامنة الخمارية في الريف والحاج بلعيد في سوس، إن الذي ينقصنا هو إدراك قيمة ما أنتجه أجدادنا لأن ذلك الوعي يكسبنا ثقة في النفس ويمكننا من وعي الذات الأمازيغية، وهي أحد الأساليب التي بها سنرد الاعتبار الذي كان لإيمازيغن عبر التاريخ