قبل سنوات قليلة فقط، لم أكن أعتقد البتة وجود صوت نسائي بين مجتمع تحول بين ليلة و ضحاها إلى بطريريكي، يؤمن بسلطة الذكر، بعدما ما كان أميسيا لمئات ألاف السنين، لكن هذا الإعتقاد أخذ بالتلاشي شيئا فشيئا، بعد ظهور نسوة ريفيات مبدعات، يمارسن حقهن في جنون الإبداع بمختلف أنواعه، فلا يمكن أن نذكر المسرح بالريف مثلا دون ذكر لويزا بوسطاش، و لكبير…في الغناء من ميمونت ن سروان إلى ثاميري، فردوس ثازيري، فطوم، إيمان بوسنان ( ثيفيور)، ثاغريبت… في الفن التشكيلي نجد أيضا أسماء من قبيل سعاد شكوتي و سهام أحلي و غيرهن، في الأدب بصفة عامة بصمت كل من فاضمة الورياشي، مايسا رشيدة، عائشة بوسنينة، سميرة يدجيس إدورار نآريف، عائشة الكردي …بصمتهن بشكل لا يمكن أبدا تجاوزه. فالمرأة الأمازيغية بالريف كان لديها حضورها الوازن”داخل النسق الرمزي و الثقافي …فكانت مبدعة في فن الغناء و الرقص و الإنشاء و إنتاج الإيزري الذي يعتبر من أرقى الإنتاجات الشعرية الريفية التي أرخت لنفسية المجتمع الأمازيغي”(1) كما يرجع كل الفضل في بقاء اللغة الأمازيغية حية إلى التي كانت و لازلت ذاكرة لا تنضب تحمل في كنهها الأحجيات و الأساطير و تنقلها من جيل لآخر. قديما كانت للمرأة مكانتها المتميزة داخل المجتمع الامازيغي الأميسي، فالتاريخ يذكر لنا ملكات حكمن في فترة ما من هذا التاريخ الطويل، بل قاومن الغزو العربي كديهيا، و أسسن لمجتمعات بأكملها كثين-هينان و بسطن نفوذهن بعدل كبويا، دون أن أغفل أن معنى اسمها في اللغة الامازيغية يعني الزعيمة ( ثامغارت، مفرد أمغار) بآيث ثوزين و بميضار الأعلى بالضبط كتب لنقطتنا المحورية الحياة، بهذا الفضاء الساحر تسلل جنون الشعر ليسكن وجدانها، “أتذكر جيدا حين قالت لي الشاعرة الكبيرة مايسا رشيدة أن بدايات نعيمة كان من خلال مشاركاتها في البرنامج الإذاعي المشهور آنذاك “أوار ذي رميزان” مع شعراء، اليوم مع نعيمة لديهم مكانتهم المتميزة داخل الحقل الادبي بالريف.”(2) كما يفيدنا موقع “ثيمازيغين ن نذرلاند” كون بدايات نعيمة كان باللغة العربية، حين كانت تبلغ من العمر الثالثة عشر من عمرها، لكن إحساسها بلغتها الأم تدفق كنبع في كينونتها، نبع لا تحتاج لترجمة داخلية لتعبر عما يخالج وجدانها و نظرتها للعالم و لمجتمعها، و لانتمائها الامازيغي،هذا ما اكتشفته في إحدى أيام 1995 الذي شهد أول قصائد نعيمة بالامازيغية. نعيمة كباقي الريفيين و لظروف نعلمها جميعا، هاجرت إلى هولاندا، و بالضبط إلى روتردام، هنا شاعرتنا الميضارية الريفية لم تنزوي إلى زاوية الصمت، بل خرجت إلى العمل الجمعوي، و هي الأن عضوة بالجمعية النسائية “ثيمازيغين ن نذرلانذ” آي “أمازيغيات هولاندا”، كما أنها شاركت في عدة ملتقيات شعرية كان أخرها الذي نظمته جمعية صيفاكس في تكريمها للأديب الريفي محمد شاشا بأوتريخت. نترجم مقطعا من قصيدة “أراغي” إلى العربية : “أيتها الحياة، قولي لنا… أ ليست لقصصك المرة نهاية، أو، أ ليس لنا مكان… في أيامك إن كانت جميلة نعيش فقط على بقايا البارحة، أو لكنا طوينا، هذه الأوراق المتبقية” من خلال هذا المقطع الشعري يتبين لنا و بالملموس، أننا أمام شاعرة كبيرة بالفعل، لكن منسية من طرف بلد يفترض أن يكون بلدها، ففي الوقت الذي تتألق نجوم ريفية في الغربة، يتنكر لها الكل هنا، يتنكرون لطيورنا المغردة و يتذكرون غربانهم التي تنعق بالعربية، و يبقى الشاعر الريفي منسيا لا من طرف إتحاد الكتاب المغاربة المتخصصون في كتابات الشرق، و لا لمعهد يقال عنه أمازيغي و الله أعلم، و لا لوزارة للثقافة “العربية”، لكن لنا أمل في المستقبل، و مع تمنياتنا لنعيمة لمسيرة موفقة، و لديوان تجمع فيه إبداعها و إحتراقها. إحالات: (1) : سعيد بلغربي، الحركة الإبداعية النسوية بالريف، -ج- ثاويزا، -ع- 162 (2)، أنديش إيدير، نعيمة فاريسي واحدة من آيث ثوزين، -ج-ثاويزا –ع-159 أنديش إيدير، شاعر أمازيغي – عضو حركة شعراء العالم