في مقالي السابقة كتبت عن اللجوء اللغوي، محاولا أن أبين أن اللجوء يفترض أولا حالة اضطرارية أو عوز أو عجز أو نقص ثم ثانيا وجود اللاجئ واللاجئ له... وحين حاولت تطبيق ذلك على وضعنا اللغوي نحن الأمازيغ اكتشفت خللا فظيعا في تلك العلاقة، بحيث أن لغتنا لا هي في عوز أو عجز أو اضطرار أو نقص، هي لغة كاملة الأوصاف حسب الدارسين واللسانيين ومع ذلك فإننا مدفوعين لاختيار اللجوء اللغوي عبر سياسات التعريب والتهميش والإقصاء... وهي السياسة التي أرادت أعلى سلطة في البلاد القطع معها من خلال خطاب أجدير... لكن السيد الوزير الأول استعمل ويستعمل شتى الوسائل لفرملة وعرقلة ترجمة الخطاب الملكي إلى أرض الواقع، ولعل تدخله الجبان أمام منتخبي حزبه يحضهم على سن سياسة الضرب في الخفاء من خلال شحذ الهمم فيهم وحثهم بالاستعانة "...على قضاء حوائجنا بالكتمان لأن هناك من لا يريد سياسة التعريب " لكاف لإثبات كيف أن حقد حزب الاستقلال على الأمازيغ لا يزال يعشش في صدره، وكأن عباس الفاسي اختلطت عيه الأمور بين قضاء حاجته الشخصية في الحافظات متكتما وبين قضاء حوائج الشعب علانية على اعتبار أنه وزيرا أولا... !!! وحين نهم نحن بشحذ حناجرنا مدافعين عن لغتنا يتهموننا بالعنصرية حينا وبالعمالة حينا آخر مع العلم أننا من طين هذه الأرض ولم يشهد التاريخ أننا غدرنا بها يوما بقدر ما أننا استقبلنا عليها ثقافات وأجناس مروا من هنا دون أن يغيروا من لغتنا ولا من أصلنا شيئا... ونحن في الأول والأخير لا نبتغي سوى تقدم هذا الوطن ورفاهية مواطنيه إيمانا منا بأن التقدم ذاك يستحيل أن يتحقق مع قمع اللغة الأصل... فعلا، فالعالم المتطور يجتهد لاستخدام اللغة الأم نظرا للعائد الاقتصادي الذي تحققه بعد أن ثبتت نظريات اقتصادية (نظرية النمو الجديدة) أن توظيف اللغة الأصلية في التكنولوجيا ينعكس بشكل ايجابي على المدى البعيد على التطور الاقتصادي للبلد، كما أن دراسة " أجريت على 41 ألف طالب أمريكي من أصول مهاجرة قسموا إلى فئتين: فئة تدرس بالإنجليزية وحدها، وفئة تدرس بلغتها الأم إلى جانب الإنجليزية، فوجد أن الذين يدرسون بلغاتهم الأم تفوقوا على الذين يدرسون بالإنجليزية، ومن هذه الدراسة، ودراسات كثيرة مشابهة لها أصبح مؤكدا أن التعليم باللغة الأم يجعل التلميذ أكثر استيعاباً وقدرة على التكيف مع ما يتعلمه (...) فكل الشعوب تدرك أهمية لغاتها، فلتوانيا وهي آخر دولة استقلت عن الاتحاد السوفييتي كان أول قرار لها هو التدريس باللغة اللتوانية، واتخاذها اللغة الرسمية للدولة ". هذه الحقائق تدفعنا للتساؤل أولا عن سر تأخرنا، وتقاعسنا ووجودنا في مؤخرة اللوائح والقوائم التي تصنف فيها البلدان وتقاس فيها مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي... وثانيا عن نتائج سياسة التعريب التي تم نهجها منذ فجر الاستقلال دون فائدة... أليست سياسة التعريب كانت فقط سياسة للقضاء على اللغة الأم للمغاربة وفرض اللجوء اللغوي عليهم؟؟ أليست هي نفسها السياسة التي فوتت فرصة استيعاب العلوم والتكنولوجيا على الناشئة بلغتها الأم فأزاغت قطار تقدم المغرب عن سكته...؟؟؟ فالمغاربة كلهم، المتكلم بالدارجة والناطق بالأمازيغية حين يفكرون ويستوعبون إنما يفعلون ذلك بمكانيزمات عقلية وذهنية تكونت لديهم بفعل تأثير ثقافة ولغة يتفاعلون معها يوميا، وبالطبع فاللغة العربية ليست تلك اللغة، فهذه الأخيرة، حتى في الدول العربية نفسها، ليست سوى لغة الأدب والشعر... وبالتالي فعملية التحصيل وان تتم قصرا باللغة العربية فان الاستيعاب لن يتم إلا بعد تدخل لغة الأم. فمهلا، أيها الوزير، إذ لم يعد التاريخ يرحم وما عاد الزمن له متسعا من الوقت كي تضيعه في تفاهة اسمها التعريب... 50 سنة مرت عن الاستقلال، ونحن في أسفل سافلين، لأكثر من كافية بكثير كي تعود بنا لنهج نفس الخطأ وهذه المرة بخطة ماكرة وبليدة تستغفل فيها الشعب المغربي... وهو ما يدل على أنكم في حزب الاستقلال لازلتم في حرب على اللغة الأصلية للوطن... فالكتمان خطة من الخطط الحربية... والكتمان ضد الديمقراطية والتطور العلمي والتكنولوجي... وبلا عقد... إذا كان عباس يريد القضاء على اللغة الأم للمغاربة...وينهج من أجل ذلك طريق الكتمان... ليفرض علينا اللجوء اللغوي... فان الدراسات أثبتت أن استعمال اللغة الأم في مناهج التعليم طريق نحو تحقيق التقدم العلمي وبالتالي تفادي اللجوء الاقتصادي... ورغم ما يفعله عباس في الخفاء بما يتوفر عليه من أدوات لوجستيكية (تنظيم حزبي، رجال فكر، قوة المال والنسب، سلطة...) يستكثرون علينا، نحن الحازقين إلا من رأسمال هو هويتنا، حقنا في الدفاع عن لغتنا وثقافتنا !!! والسؤال الحصول... ألا ترون أن اللجوء اللغوي قادنا ويقودنا بلجام نحو اللجوء الاقتصادي...؟؟؟