تعد مرحلة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) ومشاركة المغاربة فيها بعد تجنيدهم من طرف فرانكو، واحدة من صفحات التاريخ المشترك، وهو الموضوع الذي ذكر بخصوصه العربي المساري أنه موضوع في " منتهى لدقة خلف التباسات ما زالت قائمة، إذ كانت لتلك المشاركة غير المرغوب فيها من لدن المغاربة، مخلفات جد سيئة، بل خطيرة على صورة المغرب والمغاربة في الذاكرة الإسبانية. ومن جراء الالتباسات التي أحاطت بتلك المشاركة، ترسبت في الذاكرة، من كلا الجانبين المتحاربين، صورة كريهة عن المغاربة الذين شاركوا في هذه الحرب". 5-تجنيد المغاربة في جيش فرانكو: لعب المراقبين دوراً كبيراً خلال عملية تجنيد الريفيين ضمن جيش فرانكو، وكذا دور القياد الذين ألزمتهم إدارة الانقلابيين في بداية الأمر بتجنيد 500 جندي في كل قبيلة. ففي منطقة الشمال وعشية 18 يوليوز 1936 "بلغت القوات العسكرية تحت راية الحماية الاسبانية حوالي أربعين ألف رجل. بالإضافة إلى أعداد التجنيد الإجباري (سبعة عشر ألف رجل)، كانت هناك قوات احترافية تنقسم إلى خمسة آلاف أوروبي و تسعة آلاف مغربي. وبالنسبة لهذه الأخيرة، إضافة إلى النظاميين، كانت هناك القوات المساعدة التي بلغت ثمانية آلاف". وتضيف "ماريا روزا": "لقد انخرط المغاربة بكثافة في صفوف الجيش الاسباني، وكان ذلك بسبب سنوات الجفاف الأولى (1934-1935) وظروف سنوات الحرب الأولى (1937)، الأمر الذي سهل مأمورية القياد. وبالمقارنة مع راتبهم الشهري كانوا أكبر عدد من المجندين رهن إشارة فرانكو. وبالمقابل كان الجنود المغاربة يحصلون على الأكل والشرب، واللباس والراتب". واضح إذن أن الباحثة تشير هنا إلى مجموعة من دواعي انخراط تجنيد المغاربة في جيش فرانكو، خاصة ما يتعلق بالظروف الطبيعية والاقتصادية القاسية التي كانت سائدة آنذاك. إضافة إلى الدعاية التي تم القيام بها لإقناع المغاربة بضرورة الجهاد إلى جانب "فرانكو" من أجل مواجهة "الملحدين" و"الشيوعيين" و"الكفار". لكن المؤرخة الإسبانية تقر بأن أهم سبب هو الفقر والجفاف، والظروف الاقتصادية الصعبة والقاسية، الأمر الذي فرض على بعض المغاربة الانخراط في الجيش الإسباني، رغم الصعوبات التي اعترت هذه العملية بسبب رفض بعض الأسر انخراط أبنائها في جيش فرانكو. وحسب بعض الإحصائيات التي تذكرها "ماريا روزا"، فقد وصل عدد المغاربة المجندين إلى 50.000 سنة 1937، وأن مجموع المغاربة المجندين وصل إلى ما يقرب 65.000 مجند. وبجانب منطقة الشمال المغربي، فقد كانت هناك مناطق أخرى شملتها عملية التجنيد مثل منطقة آيت باعمران، وخاصة سيدي إفني، التي كانت خاضعة هي الأخرى "للحماية الإسبانية"، وقد برع سكان هذه المنطقة في سلك الرماة. ومن الأرقام التي أوردتها "ماريا روزا" حول هذه النقطة، أن 9000 من الرماة كانوا ينتمون إلى هذه المنطقة. ومن المناطق الأخرى التي كانت مصدر المجندين في جيش فرانكو، بعض المناطق التي كانت تحت نفوذ "الحماية الفرنسية". وما تجدر الإشارة إليه هو أن الحرب الأهلية الإسبانية لم تعرف مشاركة المغاربة فقط، بل كانت وفق المسوغات السابقة تحت إمرة وسلطة الإسبان، ومشاركة الألمان والإيطاليين والروس. 6-موقف "الحركة الوطنية" بالشمال من الحرب الأهلية: تتوقف "ماريا روزا مادارياغا" عند جذور "الحركة الوطنية" بشمال المغرب باعتبارها منطقة "الحماية الإسبانية"، وكذلك الإشارة إلى أن هذه الحركة لم تكن تفكر في الاستقلال بقدر ما كانت تفكر في بعض "الامتيازات والمصالح الإدارية والسياسية والاجتماعية والثقافية في ظل نظام جهوي"، بعد أن تقدمت بمذكرة –وثيقة مطلبية بتاريخ 1 ماي 1931. ومن بين الأسماء التي تقترن بها "الحركة الوطنية" بشمال المغرب نجد: عبد السلام بنونة ، عبد الخالق الطريس، محمد داود... أما بخصوص موقف هذه الحركة من مجريات الحرب الأهلية الإسبانية فتشير الباحثة إلى وجود تعاطف بين "الحركة الوطنية" بشمال المغرب واليسار الإسباني، قبل أن ينقلب زعيم هذه الحركة عبد الخالق الطريس لنصرة فرانكو، ابتداء من سنة 1936 بعد أن سمح له بتأسيس حزب "الإصلاح الوطني" كنقطة بداية مسلسل دعم فرانكو "القائد المظفر العظيم"، لاسيما مع انطلاق تسرب وانتشار أفكار القومية العربية مع زيارة شكيب أرسلان الذي كان يساند بدوره الألمان، وقد أثنى على عبد الخالق الطريس لموقفه من الإسبان (الفرانكاويين) ولانخراطه في الحركة الماسونية في يناير 1936، قبل أن تتساءل ماريا روزا "إذا كانت قمصان الفاشيين الإيطاليين سوداء والنازيين داكنة، وجبهة الكتائب الإسبانية زرقاء، فأي لون إذن بالنسبة للوطنيين المغاربة". ومن الإجابات الأخرى التي يتضمنها هذا الفصل، التذكير بموقف الدعم والتعاطف لخليفة السلطان الحسن بن المهدي تجاه فرانكو والموقف المساند لبعض الشخصيات الأخرى مثل خالد الريسوني باشا مراكش. والمعروف أن فرانكو اعتمد على مواقف العديد من هذه الشخصيات السياسية والدينية خلال مرحلة الحرب الأهلية لدعم وحشد التأييد لحركته. 7-القوات الاستعمارية في إفريقيا خلال الحرب الأهلية: يعد "جيش إفريقيا"، كوحدة مستقلة مكونة خصوصا من النظاميين واللفيف الأجنبي، والدور الرئيسي الذي قام به كقوة صدام في المراحل الأولى للحرب الأهلية، تقوية للنفوذ الفرانكاوي". كما أن تتوقف "ماريا روزا" عند مسار دعم قوات فرانكو بعناصر اللفيف الأجنبي ومن بينهم المغاربة، وتتوقف الباحثة أيضا عند تطور هذه المسألة وبداية الحرب الأهلية الإسبانية، ومجريات الأحداث آنذاك وفصول هذه الحرب وكذا مساهمة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، قبل أن يتم تعيين الجنرال فرانكو جنرالا للجنرالات الذين سيشكلون جبهة الدفاع الوطني في 21 شتنبر 1936، وتعيينه في 28 شتنبر 1936 رئيسا لحكومة إسبانيا ليتحول إلى رئيس الدولة وقائد كل الأركان العليا. ومن بين القضايا التي يثيرها هذا الفصل، تقنيات القتال عند المغاربة (ومن بينهم محمد أمزيان الذي بدأ مسيرته كضابط سامي) في القتال أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. ومن الأمور التي يتم تجاهلها بصدد الحديث عن هذه المسألة، هو عدد القتلى والضحايا المعطوبين الذين خلفتهم هذه الحرب في صفوف المغاربة الذين كانوا بمثابة حطب النار. 8-صور من الحرب الاستعمارية : يعكس هذا المحور طبيعة الخدمات التي كانت تقدم للجنود المغاربة، ومن أهمها إحداث مرافق خاصة ومركزين لشؤون المغاربة، واحد في الجنوب والآخر في الشمال. ولقد كان من مهام هذين المركزين إعطاء بيانات عن عدد الموتى وإيصال المعلومات إلى مندوبية شؤون الأهالي بتطوان وإشعار عائلاتهم. وقد كان عدد المغاربة المتوفون خلال هذه الحرب كبيرا. علاوة على ذلك، فقد كانت هناك خدمات أخرى ترتبط بوظيفة كل من الفقهاء والأئمة الكتاب والمترجمين والإداريين... الذين تم توفيرهم للجنود المغاربة، ومنهم الموسيقيون كجانب من الترفيه والتسلية التي يمكن أن تنسيهم "قسوة الحرب" و"مشاهد الموت". ومن الإشارات الأخرى التي يحملها هذا الفصل، ما يتعلق بحملات التبشير الديني في صفوف المغاربة من قبل بعض الرهبان والقساوسة، رغم معارضة الفرانكاويين لذلك. كما تتوقف "ماريا روزا" عند ممارسات المغاربة خلال هذه الحرب والتي تجلت أساسا في السلب والقتل والاغتصاب وهو ما تعبر عنه ب"كوارث الحرب" و"الأعمال الوحشية"... وتقر الباحثة الإسبانية بأن ذلك كان بمباركة المسؤولين الإسبان وتنفيذا لأوامرهم، وهي أعمال قامت بها عناصر وفرق اللفيف الأجنبي التي كانت تضم جنود من جنسيات أخرى. وتعتبر هذه الأعمال والممارسات نقطة انطلاق صورة "المورو" عند الإسبان. وفي هذا الصدد تقول ماريا روزا: "ربطت صورة المورور بكل الأعمال الوحشية، لأنها في نظر الإسبان لا يمكن أن يمارسها إلا متوحشون. حينما مورست في المغرب، كان ينظر إليها على أنها طبيعية، لأنها ضد "همج" لكنها لم تقبل في إسبانيا لما مورست في بلد "متحضر" ضد أناس "متحضرين". لم يتم التعامل بنفس المقياس مع الريفيين "المتوحشين" والإسبان "المتحضرين". وإذا كان أهم ما ميز المغاربة في البداية هو الحماس الذي انتابهم، فإن ما ميزهم أيضا مع توالي الأيام هو الإحساس بالضجر والاشمئزاز من جراء إرغامهم على المشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير. ومن الأمور التي عانى منها المغاربة المجندين في هذه الحرب، عدم الحصول على رواتبهم ونقص الأغذية والألبسة والمؤونة، إضافة إلى أمور أخرى تتعلق بالرخص والإجازات، هو ما كان السبب الرئيسي في للفرار من الجندية وتمرد المغاربة في صفوف الجيش النظامي وتذم أسرهم. ومن هنا بدأ مسلسل الهروب والفرار قبل أن تنتهي مأساة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). وما استتبع ذلك من إجراءات تحدد المعاشات المخصصة لمعطوبي الحرب والأرامل، و"حسب مصطفى المرون فقد حصل حوالي 5000 مغربي من القوات النظامية على معاشات من الدولة الإسبانية سنة 1985". وتختم "ماريا روزا" هذا الفصل بالقول: "وفي أبريل 1937 وجه فرانكو خطابا بعبارات فضفاضة مروجا لديماغوجية مجانية: " حينما تزهر ورود النصر سنقدم لكم أجمل الزهور". كم هم المغاربة الذين قالوا واكتشفوا بأن هذه الورود كانت في الواقع أشواكا". 9-الإئتلاف المقدس: يتحدث هذا الفصل عن "الإئتلاف المقدس" الذي نسج بين المسيحيين والمسلمين ضد "العدو الماركسي"، وهي الصورة التي تم الترويج لها على أساس أن المغربي المسلم مساند لأخيه الإسباني المسيحي، من قبل أمثال "أسين بلاثيوس" و"فيكتور رويث ألبينيس"... وهي الصورة التي كانت تنطوي عليها خطابات "التقارب والتآخي الإسباني المغربي" مثل الذي ألقاه المراقب العسكري القائد "غارسيا فيغيراس"، كما كانت تتردد هذه الخطابات في المناسبات الرسمية والإذاعات والصحافة وعلى لسان المسؤولين الإسبان. كما كان يتم مغازلة الشعور الديني لدى المسلمين عبر العمل على بناء المساجد (مسجد تطوان، مليلية...) كأهم معالم السياسة الدعائية التي قادها الفرانكاويين. في مقابل هذه الصورة التي ظل يروج لها أنصار فرانكو، كانت صورة "المورو الشرير" قد بدات تأخذ مكانها في خطاب اليسار، وهي الصورة التي ظلت عالقة بالأذهان لدى الإسبان وتعود بهم إلى أيام الهزائم خلال حرب الريف التحريرية (1909-1926م)، رغم وجود بعض الاستثناءات في وسط الجمهوريين الذين تحدثوا عن مقتل المغاربة المغرر بهم. 10- معارضة تجنيد المغاربة في جيش فرانكو: لقد كانت هناك محاولات عديدة تروم ثني المغاربة عن الانخراط في جيش فرانكو، كما كانت هناك حملات عبر الإذاعة والنداءات الموجهة للجنود في شأن التعاون مع الجار الصديق. ومن المحاولات الأخرى التي عمد إليها الجمهوريون، العمل على تجنيد المغاربة ضمن القوات الجمهورية، خاصة مع محولات المسمى "ابن جالا" عبر دعواته المتكررة وأيضا دعوات الحزب الشيوعي، وتذكر "ماريا روزا" في هذا الصدد أن عدد المغاربة المتواجدين ضمن القوات الجمهورية كان يعد على أصابع اليد الواحدة. إلى جانب ذلك، كانت هناك آليات مختلفة عمد على توظيفها الجمهوريون الإسبان، مثل مفاوضة "كتلة العمل الوطني" عبر وساطة بعض الاشتراكيين الفرنسيين قصد زعزعة أنصار فرانكو والقيام بانتفاضة ضدهم . علاوة على القيام ببعض المبادرات الدبلوماسية الأخرى من قبل حكومة "لاركو كاباييرو"، وكنموذج لذلك تقديم خطة في يناير-فبراير 1937 لأن تصبح الجمهورية عضو في عصبة الأمم. وتختم "ماريا روزا" هذا الكتاب بالقول: "في نهاية المطاف، كل المحاولات والخطط التي تم نهجها لمنع المغاربة من الانخراط في جيش فرانكو باءت بالفشل. لقد كانت آلة الحرب التي أطلقت عنانها القوات الفرانكاوية، في 18 يوليوز بتراب الحماية، لا تعرف التوقف".