ربما يتساءل القارئ، لماذا أثرنا معانات هذه الشريحة من المجتمعالمغربي بالضبط، و هي التي حاربت إلى جانبجنرال دكتاتوري ضد نظام جمهوري ديمقراطي ؟. الفرق واضع جدا ، هؤلاء المغاربة لم يرغبوا يوما في المشاركة في هذه الحرب ، لقد أقحموافيها قصرا ، منهم من نزل يوم السوقالأسبوعي للتسوق ليجد نفسه يقاتل ببندقية على أرض لا يعرف حتى تضاريسها , يتلقىأوامر من رؤساء لا يعرف بأي لغة يتكلمون ,و آخرون سيق بهم مكبلي الأيدي إلى مراكز التسجيل . إنهم لايُقارنون بالذين ينتمون لجيش نظامي داخل دولة مستقلة كالجنود المغاربة الذينشاركوا في حرب أكتوبر 1973 سواء علىالجبهة السورية أو الجبهة المصرية أوالذين أرسلوا إلى زايير . هذه الثلة من الشعب المغربي كانت بلدها محتلة و حالتهاالاقتصادية جد سيئة, ( انظرالجزء الأول ) بالإضافة أنها لا تُحسنفنون القتال ، تم استغلالها بشكل بشع غير إنساني ، حيث كان "الحاج فرانكو" يتعمد الزج بهؤلاء الشباب فيالصفوف الأولى على جبهة القتال ، بينما كان يحتفظ بالجيش الإسباني في الصفوفالخلفية . كانوا يُستعملون كأدوات لفتح الطرق الملغمة وكذلك كدروع بشرية لحماية الجنود الإسبان ، و هذا ما يُفسرهالعدد الهائل من القتلى و الجرحى فيصفوفهم. سنعرض بعض الشهادات ، منها الحية المباشرة و الأخرىالمكتوبة، تبرز و بشكل واضح معانات هذه الفئة التي لم تُنصف في حياتها ، و تركتعائلا ت في ظروف جد سيئة بعد مماتها . من هو الجنرال"فرانكو"؟. فرانسيسكو فرانكو منمواليد 4 دجنمبر 1892 ، وصل إلى السلطة بعد انتصاره في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) , بعد انقلابه على الحكومة الشرعية، انطلاقا من شمال المغرب و بضبط من مدينةتطوان . حكم فرانكو إسبانيا بقبضة من حديد لمدة 36 سنة إلى حين وفاته في 20 نونمبر1975 عن عمر يناهز 83 سنة . لم يكن ليقلب موازينالقوى أثناء الحرب لصالحه و انتصاره علىالجمهوريين ،(الجبهة الشعبية الإسبانية ) لولى مساندة ألمانيا و إيطاليا له من جهةو إقحامه لشباب من شمال المغرب بالقوة في الحرب من جهة أخرى . الشهادة الأولى : مصطفى الفرجي (من أبناء الجنود المغاربة فيالجيش الإسباني). إسبانيا الديمقراطيةتدير ظهرها للجنود المغاربة الذين خدموا الجيش الإسباني منذ 1913 إلى حدود .1956 قرار جمهوري من الرئيسالفرنسي السابق جاك شيراك برفع التعويضات المادية للجنود المغاربة الذين حاربوا فيصفوف الجيش الفرنسي ، أعاد الاعتبار ، بعد أزيد من نصف قرن على انتهاء الحربالعالمية الثانية ، لحماة فرنسا . و في مقابل الالتفاتة الفرنسية ، تدير إسبانياالديمقراطية ظهرها لقضية الجنود المغاربة الذين خدموا بالجيش الإسباني منذ 1913إلى حدود سنة 1956 ، مئات الآلاف من الجنود المغاربة الذين خاضوا معارك إسبانياالداخلية ، قضوا دون اعتراف ، على الأقل الاعتراف المادي بجسامة التضحيات التيقدموها في خدمة إسبانيا . بعد قرابة نصف قرن علىمغادرة الجيش الإسباني ، يعيش الجنود المغاربة الأحياء ، بعد أن قضى السواد الأعظممنهم ، على أمل ضعيف أن تصحح إسبانيا خطأتاريخيا ، تحول إلى مثال حي المتنكر لخدمات جنود بواسل ، كما تحكي عن تفاصيل الحربالأهلية الإسبانية . إسبانيا الديمقراطيةالتي قطعت أشواطا في تجاوز أعطابها الداخلية الناجمة عن سنوات الحرب الأهلية تقفعاجزة عن طي الملف الإنساني الشائك ، هؤلاء الجنود ينتشرون بأكثر من مدينة مغربية، بتطوان بنسبة كبيرة ، بطنجة و العرائش،القصر الكبير ، بشمال المغرب كما بجنوبه ، حيث تحتضن مدينة إفني عددا كبيرا منالجنود المغاربة الذين خدموا الجيش الإسباني . و في الوقت الذي يعتبرالجانب الاجتماعي العنوان الأبرز لهاته القضية , تبقى قضية الحقوق المادية و الاجتماعيةللجنود المغاربة معلقة مع ما يعنيه ذلك من تعاظم معاناة جنود ينتظر أغلبهم الموت فيصمت . و مع إقرار الإسبانبمعاناة هذه الفئة التي عوقبت بذنب غيرها ، فإن ذلك لا يغير من واقع الجنود شيئا ، إسبانيا ا التي قاتل هؤلاءالقدمين من وراء المتوسط في صفوفها ، مازالت تقدم لهم تعويضات هزيلة و ذلك باعترافالإسبان أنفسهم التي تمنح للمغاربة بالظلم التاريخي ، يخوضون معركتهم الأخيرة منذسنوات دون سند واحد ، و كأن هؤلاء المغاربة لا ينتمون إلى المغرب الرسمي الذي لايثير هذه القضية ، في الوقت الذي يزعج الجانب الإسباني المغرب بالكثير من القضاياحتى التافهة منها . عائلات و أرامل و أبناءالجنود يتشبثون بالانتصار لحقوق هضمت لذويهم على مدار العقود الأربعة ، و يعتبرونأنفسهم أحق بتعويضات أقاربهم ، أما على الصعيد الوطني ، فلا أحد يلتفت إلى معاناةهؤلاء الأبطال ، إلا نادرا ، و في مناسبات بعينها . هذه القضية ما تستحق منأهمية بما يدفع الحكومة الإسبانية إلى مراجعة موقفها من هذه القضية الإنسانية التيتعيش أخر فصولها بتساقط هؤلاء الجنود بعيدا عن ساحة المعارك ، و قد هزمهمالفقر ، و نال منهم المرض و الحسرة علىسنوات قضوها في الجيش الإسباني ربحوا فيها الكثير من المعارك ، إلا معركة العيشبكرامة . الشهادة الثانية : ميمون حدو الطاهر منمواليد 1919 بأيت بويغمان ببني شيكر تم تجنيده عام 1937 و عمره لم يناهز 17 سنة ,فقد عملت السلطات الاستعمارية الإسبانية على التقليل من فرص العمل و تجويع الأهاليحتى لا يجدون بدا سوى التطوع بجيش "فرانكو" . يقول ميمون : لقد أجبرناعلى التجنيد بعدما نال منا الجفاف و تم توقيفنا عن العمل الذي كان مصدر عيشنا , لمأكن الوحيد الذي تم تجنيده كان أيضا شقيقي و بعض القاصرين من شباب أيت بويغمانببني شيكر , كان ذلك تحت ابتزاز خليفة تطوان , فقد أوهمونا أن هذه الحرب "جهاد" في سبيل الله . لقد تلقيناالتدريب على حمل السلاح لمدة شهر يضيف ميمون ، بعدها تم نقلنا إلى تطوان و بعدها نقلنا عبر ميناء سبتة إلى قاديس . حصل ميمون على التقاعدسنة 1965ٍ كان يتقاضى 120 درهم شهريا و هو مازال جنديا ، أما التقاعد فلا يتجاوز منذتقاعده سنة 1965 ، 1500 درهم الشهادة الثالثة(مصورة) : تتضمن أيضا المقابرالجماعية التي دُفن فيها الجنود المغاربة بشمال إسبانيا ، بمنطقة "أستورياس" http://youtu.be/z-LnUuIwm5M الشهادة الرابعة(مصورة) : شهادة أرامل الجنود المغاربة سواء الذين ماتوابإسبانيا ، أو أولائك الذين ماتوا بعد عودتهم إلى المغرب. http://youtu.be/gZhQGgfPnjQ نجيب البقالي