زوار معرض مراكش الدولي للطيران يتعرفون على قدرات الجيش المغربي    الملتقى الدولي للتمر بالمغرب يكرم المتميزين في عمليات الإنتاج والتسويق    قضية الصحراء المغربية تحت المجهر .. اندحار البوليساريو وهشاشة الجزائر    النيابة العامة تشرّح جثة ممرضة    الفتح يستقبل الوداد في "ملعب البشير"    إنييستا: نسخة مونديال 2030 فريدة    المغرب يرحب باعتماد مجلس الأمن "القرار 2756" بخصوص الصحراء    الحبس النافذ لمتهم بالابتزاز والشعوذة    هيكلة جديدة لوزارة الشؤون الخارجية    مالك صحيفة "هآريتس" العبرية يصف الفلسطينيين ب"مقاتلي الحرية" ويدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل    فيضانات إسبانيا.. ارتفاع حصيلة القتلى إلى 158    الصحراء المغربية.. الرباط ترحب بقرار مجلس الأمن بتمديد ولاية المينورسو    توقيع اتفاقيات خلال "مراكش إيرشو"    مهنيو النقل الطرقي عبر القارات يعلقون إضرابهم    انخفاض طفيف لأسعار المحروقات.. الغازوال يتراجع ب20 سنتيمًا والبنزين يستقر    الصحراء.. مجلس الأمن يمدد مهمة المينورسو سنة جديدة ويؤكد مجددا على عودة الجزائر إلى طاولة المفاوضات    فيضانات إسبانيا.. ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 158 قتيلاً واستمرار البحث عن المفقودين    السيد السكوري: الوزارة منفتحة على جميع التعديلات التي ستتقدم بها الفرق البرلمانية بشأن القانون التنظيمي للإضراب    بنسعيد.. الوزارة تعمل على سن برامج تروم تقوية الرابط الاجتماعي،تثمين الفضاء العمومي وتعزيز مكانة وسائل الإعلام    فيضانات إسبانيا.. وزارة الخارجية تعلن استعدادها لتقديم المساعدة للمغاربة بالمناطق المتضررة    الإيرادات السياحية.. تقدم المغرب 10 مراتب في التصنيف العالمي    جماهير اتحاد طنجة تتوجه بنداء لوالي الجهة لإنهاء حرمانها من حضور المباريات    المغرب يتابع أوضاع مواطنيه في إسبانيا ويسجل حالة وفاة واحدة    نشر أخبار كاذبة والتبليغ عن جريمة غير واقعية يجر شخصاً للاعتقال    7 نوفمبر بالمسرح البلدي بتونس "كلنا نغني" موعد العودة إلى الزمن الجميل        ائتلاف مكون من 20 هيئة حقوقية مغربية يطالب ب "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن فؤاد عبد المومني        المنتخب المغربي للفوتسال يواجه فرنسا وديا يوم 5 نونبر القادم    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يُكرم الراحلة نعيمة المشرقي، والممثل الأمريكي شون بين، والمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ    المحكمة تقرر تأجيل محاكمة "الستريمر" إلياس المالكي    الكاتب المغربي عبد الله الطايع يفوز بجائزة "ديسمبر" الأدبية    مريم كرودي توثق رحلتها في ورشات الشعر بكتاب "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة"    حماس ترفض فكرة وقف مؤقت لإطلاق النار وتؤيد اتفاقا دائما    الشرطة الألمانية تطلق عملية بحث مكثفة عن رجل فرّ من شرطة برلين    موسم أصيلة يحتفي بمحمد الأشعري، سيرة قلم لأديب بأوجه متعددة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    طقس الخميس.. امطار ضعيفة بالريف الغرب وغرب الواجهة المتوسطية    موقع "نارسا" يتعرض للاختراق قبل المؤتمر العالمي الوزاري للسلامة الطرقية بمراكش    مولودية وجدة ينتظر رفع المنع وتأهيل لاعبيه المنتدبين بعد من تسوية ملفاته النزاعية    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    اعتقال ومتابعة صناع محتوى بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء"    "فيفا" يعلن عن أول راع لكأس العالم للأندية 2025    مانشستر سيتي وتشيلسي يودعان كأس الرابطة الإنجليزية    توقيف شخص بسلا يشتبه تورطه في جريمة قتل    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    إسرائيل تدعو لإقالة خبيرة أممية اتهمتها بشن حملة "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين    وزير: الإنتاج المتوقع للتمور يقدر ب 103 آلاف طن في الموسم الفلاحي 2024-2025    التحكيم يحرم آسفي من ضربة جزاء    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    إطلاق حملة وطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف الإسلام من الغلو..
نشر في ناظور سيتي يوم 31 - 05 - 2012

لا يخفى على كل عاقل أن الغلو في الدين مسألة قديمة قدم الأديان نفسها، أصابت كثيرا من الناس، لأسباب ترجع إما إلى الرغبة في تحقيق العبودية الخالصة لله عز وجل، في غياب تام لفقه النصوص الشرعية، وإما بسبب الإتباع والتقليد لأناس ضالين مضلين، يستغلون جهل العامة بدينهم، وبعدَهم عن تعاليمه السمحة فيوهمونهم أن هذا النموذجَ من التدين الذي يدعون إليه، هو وحده النموذج للتدين الصحيح، وأن ما يقوم به غيرُهُمْ باطل. وهؤلاء يصدرن في الواقع عن قصور صريح في الفهم، بل يعبرون عن أزمة فكرية، نتيجة ابتعاد أصحاب هذه المفاهيم القاصرة التي نشأت بعيدة عن روح الوسطية كمبدأ إسلامي سامي، ومقصد شرعي عظيم.
مما ينبغي التنبيه عليه كذلك أن ظاهرةَ الغلو في الدين، موجودة في أتباع جميع الأديان، ولا تقتصر هذه الآفةُ الخطيرة على أتباع دين الإسلام وحدهم، كما يريد بعضُ خصوم الإسلام أن يوهموا الآخرين بهذه الحقيقة الزائفة. بل يمكن القول: بأن الغلو في الدين أصبح ظاهرة عالمية، ومشكلة حقيقية وخطيرة على مستقبل الإسلام، وسوف تزداد خطورتها أكثر إذا لم يتصد لها العلماءُ وأهلُ الاختصاص، ويواجهوها مواجهة فكرية وتربوية بالدرجة الأولى. لأن قضايا الفكر، أو القناعات الفكرية إنما تعالج بالفكر المُؤَسَس على الحجة والبرهان، كما تعالج معالجة تربوية عن طريق ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال في نفوس النشء، كما يستدعي الأمر العلاج الاجتماعي لهذه الآفة التي لا مكان لها في ديننا الإسلامي الحنيف. بهذا الأسلوب العلمي، وبهذا المنهاج التربوي، والعلاج الاجتماعي يمكن القضاء على ظاهرة الغلو في الدين وتطهير الحياة الإسلامية منها، بمقتضى أن العملةَ الجيدةَ تطردُ العملةَ الرديئةَ.
لقد اعتبر الإسلام الغلو شرا ينبغي تطهيرُ حياة المسلمين منه، وعَملَ على صد جميع الأبواب في وجه الغلو والتشدد، عن طريق إقرار قيم التوسط والاعتدال وإقرار قواعد رفع الحرج واليسر والدعوة إلى الرفق في كل شيء.
إن الله وضع هذه الشريعة المباركة - كما يقول الإمام الشاطبي- حنيفية سهلة حفظ فيها على الخلق قلوبَهم وحببها إليهم، فلو عملوا على خلاف السماح والسهولة لدخل عليهم فيما كلفوا به مالا تحصى به أعمالهم.
إن الدين في وضعه الطبيعي، وكما يعرفه علماء الإسلام أنه: وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل" أو بعبارة أخرى: الدين وضع إلهي يرشد إلى الحق في الاعتقادات، وإلى الخير في السلوك والمعاملات.
إن معالجة مشكلة الغلو في الدين يبغي أن تكون شغلَنَا الشاغلَ، باعتبار ذلك واجبا شرعيا. ولأن الدعوة إلى التدين الصحيح القائم على التوسط والاعتدال له انعكاسات إيجابية على حياة الأمة بأسرها، فلكي يكون المواطن صالحا لأمته ووطنه فلابد أن يتشبع بقيم التدين الصحيح، لأنه ذلك من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة. ألم يقل الحق سبحانه وتعالى:"مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [المائدة: 6]
ولما كان الغلو في الدين منافيا لمقاصد الشريعة الإسلامية، بل مصادما لروح الشرع الحكيم الذي يحرص كل الحرص على سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة فلا بد من بيان مفاسد الغلو وتشخيصه تشخيصا دقيقا كمرض فكري له أسباب وآثار متداخلة، ينبغي معالجتها وتبصير القراء الكرام بأضرارها.
مفهوم الغلو:
الغلو مصدر، فعله الماضي غلا يغلو غلوا... وهو يدل في وضعه اللغوي على معنى واحد، وهو مجاوزة الحد والقدر، يقال: غلا في الشيء يغلو غلوا، وغلا السعر يغلو غلاء إذا جاوز العادة وارتفع.
والغلو في الشرع المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز حد التوسط والاعتدال. عن طريق إلزام النفس أو الآخرين بما لم يوجبه الله عز وجل، أو تحريم الطيبات التي أباحها الله عز وجل أو ترك الضروريات كالأكل والشرب والنوم والزواج ...
وإذا كان الغلو يعني التشدد والمبالغة في الشيء فإن التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف من شأنه أن يجنب الإنسان الوقوع في الغلو، ثم إن محاربة الغلو لا تعني الدعوة إلى التحلل من الدين، فإذا كان الإسلام ينهى عن الغلو في الدين فإنه في المقابل يحث على التدين الصحيح الموافق للفطرة السليمة.
لقد تحدث القرآن الكريم عن الغلو وفضح الغلاة من مختلف أتباع الأديان يقول سبحانه وتعالى:" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً" [النساء : 171] ويقول أيضا:" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ" [المائدة: 77]
فقد اشتملت هاتان الآيتان على تحذير أهل الكتاب من الغلو في الدين بصفة عامة والغلو في العقائد بصفة خاصة.
كما نبه القرآن الكريم أن الشريعة الإسلامية قائمة على اليسر ورفع الحرج قال تعالى:" يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.| [البقرة: 185]. وقال أيضا:" مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ." [المائدة: 6] وقوله كذلك :" وقوله:" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" [الحج : 78]
والمسلمون هم الذين يقولون:" رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا. [البقرة : 286]
وقد ورد النهي عن الغلو في الدين صريحا في الحديث الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال:" قال لي رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا في حصى الرمي، وفيه: وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين.
وقد روى الإمام مالك عن إسماعيل بن حكيم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تصلي من الليل، فقال من هذه ؟ فقيل: الحولاء بنت تويت لا تنام الليل، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى عرفنا الكراهة في وجهه ثم قال: :" إِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة.
يقول الحافظ ابن عبد البر في شرحه لهذا الحديث:
قوله: إن الله لا يمل حتى تملوا، معناه عند أهل العلم: أن الله لا يمل من الثواب والعطاء على العمل حتى تملوا أنتم، ولا يسأم من أفضاله عليكم إلا بسآمتكم عن العمل له، وأنتم متى تكلفتم من العبادة ما لا تطيقون لحقكم الملل، وأدرككم الضعف والسآمة، وانقطع عملكم، فانقطع عنكم الثواب لانقطاع العمل، يحضكم صلى الله عليه وسلم على القليل الدائم، ويخبركم أن النفوس لا تحتمل الإسراف عليها، وأن الملل سبب انقطاع العمل. (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للحافظ ابن عبد البر 1/194 تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الطبعة الثالثة 1988).
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الرفق واليسر:
- قوله صلى الله عليه وسلم" أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة" أي أحب الأديان إلى الله دين الإسلام إلي هو الحنفية السمحة.
- قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الدين يسر، ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه." أي كان الدين غالبا.
- قوله صلى الله عليه وسلم عندما بعث عليا معاذا إلى اليمن:" يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا"
- وقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت:" ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثم. والمراد من الإثم ما دلت الشريعة على تحريمه.
- قوله صلى الله عليه وسلم:" إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله.
وصفوة الكلام فإن الغلو في الدين آفة اجتماعية تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية القائمة على السماحة واليسر ورفع الحرج، كما أن هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة من أسباب الهلاك التي تصيب الأفراد والأمم، ومن ثم وجب تطهير حياة المسلمين منها، لأنها تشويه صورة الإسلام وتسهم في التنفير منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.