"الموسيقى ألغت احتمال أن تكون الحياة غلطة " نيتشه. شعور غريب اجتاحني حين فكرت في كتابة بورتريه حول صديق عزيز، جمعتني معه لحظات ومحطات موشومة في ذاكرتنا المشتركة. شعور ممزوج بالخوف والتردد، لأن الأمر يتعلق بقامة فنية كبيرة، أخاف أن لا أنصفه بهذه الكلمات التي لا تسعف دائما البوح بما في الفؤاد، فأكون قد ظلمت نفسي قبل غيري، خاصة وأن المعني هو الفنان الوليد ميمون الذي كان مجرد ذكر اسمه في سنوات الرصاص كاف ليستنفر أصحاب الحال أجهزتهم العلانية والسرية التي تعسفت عليه أكثر من مرة، رغم أنه ليس بزعيم لتنظيم سياسي جذري... تهمته الوحيدة؛ امتلاكه لسلاح محشو بكلمة وصوت ولحن يجعل السامع يناجي السماء كي تستمر أغانيه في تغذية سغبنا الروحي الذي هو بوابة العقل والفطنة في زمن أريد للعامة المسحوقة أن تساق وهي مجردة من أبسط شروط الآدمية، وتحمد الحامد على ما هي عليه!. الوليد ميمون لم تستهويه يوما الشهرة ولا الإغراءات المادية، فهو بطبعه ميال إلى العزلة في شقها الإيجابي الذي يقوده نحو اكتشاف أنغام الطبيعة مع التنقيب عن تراث الريف الموسيقي المبعثر هنا وهناك قصد الاستفادة منه دون السقوط في التقليد الممل. وقد سطع نجمه إبان فترة السبعينات والثمانينات التي عرف فيها الريف عموما نهضة موسيقية موازية لباقي الفنون بفضل احتضان الجمعيات الجادة لهذه الطاقات الإبداعية خاصة جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور وجمعية البعث الثقافي بالحسيمة وجمعية إلماس فيما بعد، الشيء الذي يجعلنا نتحسر على ما مضى حين نقارنه بالحاضر وما يحتويه من تفاهات في الأغنية الريفية سواء تعلق الأمر بالأداء أو المضمون أو اللحن.. والتي طغت على الإعلام الرسمي إلى درجة جعلتنا نشك في حقيقة نواياه، فالترويج للأغنية الرديئة كمعيار للأغنية الريفية يحمل أكثر من علامة استفهام؟؟؟.