في هذا الشهرالكريم، تتغير ملامح المدينة والشوارع وكذلك الناس ، قديما كان لهذا التغيير طعما خاصا, بداية من الشوارع والاسواق نزولاً إلى الأنوارالتي كانت تزين بعض واجهات المقاهي وبعض المبانى ومداخل محلات الشباكية والملاوي والبغرير...والبينتشيتو والصوصيت..., مرورا بليالي المدينة النضيفة من كل شيء.. الان تغير كل شيء. من زحام جميل إلى فوضى قبيحة في الشارع و الاسواق, الشوارع تختنق ، الحركة في الأسواق ومَرْجان تنتعش بشراهة ، وكأن فرصة الشراء ستختفى بعد هذا الشهر ، ترى الناس يتخبطون بأكياسهم البلاستيكية التي تلونت ولم تعد كلها سوداء اللون كما كانت من قبل، تدفُّق المصلين يزداد على المساجد وقت التراويح ، ويقل وقت الفجر كما في أوقات أخرى, دخان السجائر يملأ أجواء ساحات المساجد بعد العشاء، صوت القرآن يخرج من المحلات والسيارات وحتى من عربات صغيرة يدفعها ويجرها أطفال صغار كنوع من أنواع مصادر الرزق يختلط بصوت وضجيج الحياة الذي لا ينقطع إلا بعد الفجر . خليط غريب عجيب من المظاهرالحياتية والاستهلاكية تضع للمدينة صورة جديدة غير التي اعتدناها . رواج وحركة اقتصادية غريبة جدا داخل الشوارع والاسواق, زائفة في آلياتها , يزداد معدل أرتفاع الاسعار بشكل مفتعل واستغلالي لكثير من المواد والسلع ، هكذا ضاع الكثير من الاشياء الجمبلة التي كانت تميز شهر رمضان و اندثرت في زحمة حمّى الاستهلاك التي غلبت على الحياة والاسر. باستثناء بعض العائلات التي مازالت تحافظ على ذلك الإرث الرمضاني الجميل.. في هذا الشهرالكريم تتبلد ذهنية بعض الصائمين , و معدل الملاسنات والمشادات وبكل أنواعها الكلامية منها و الجسدية يزداد ويكثر, ليطرح معه السؤال وبإلحاح, أوَ ليس إفطار هؤلاء الناس احسن وأفيد من صومهم بهذا الشكل ( آزُومِي نَ جْمِيلْ), والذي هوأساسا, باطل ولا يُرجى منه شيئا (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر). صدق رسول الله (ص) حتى أصبح الحديث عن الصيام في مثل هذه الاجواء أمرا محيرا, الكثير من الأشخاص لا يربطهم بالصلاة الشئ الكثير . الصلاة عندهم مواسم ..يصلون في رمضان وفي بعض الاعياد , ويغيبون بعد ذلك عن الأنظار في أماكن ...لا يعلمها إلا الله والمقربون... نجدهم طيلة شهر رمضان يحتلون الصفوف الامامية لصلاة التراويح.. ينهون ويأمرون, يقدمون النصائح والمواعظ ,,يحللون ويحرمون..وحين ينتهي شهر رمضان ويغيب, يغيبون هم أيضا ليضربو موعدا آخر مع قدوم رمضان أو عيد آخر . هكذا يتحول شهر رمضان عند البعض , من شهرالصوم والتزهد والرحمة والعتق والتأمل الروحي الى كرنفال ساذج و باذخ وفرصة لنشر قيم متردية . وبالتالي تزداد الاغراض غموضاً وتتوسع التأويلات وتتشعب خارج مقتضيات المنطق والضرورة. فما اقتناء المأكولات والمشروبات والتفنن في اعداد أنواع لا حصر لها من المأكولات وتحضيرها بكميات ونوعيات مبالغ فيها ولاضرورة ولالزوم لها أحيانا إلاَّ تقويض لمفهوم التوازن الغذائي السليم عند الانسان وهدم لاقتصاد العائلة.. كل هذا ناهيك عن اجتياح بيوتنا سيول غامرة جارفة من مسلسلات وافلام تلفزيونية هابطة وجارحة للذوق ,مكدرة للنفس ، تفسد صيام الصائمين وقيام القائمين... نراها في هذا الشهر تمر أمامنا دون استأذان ولا استحياء, تكرر قصصها المقيتة و اشخاصها المملين جدا وحكاياتها الخالية من اية معنى أوهدف ملموس "قريباً في رمضان ...على شاشتنا في رمضان...حصرياً خلال شهر رمضان... وما إلى ذلك من تفاهات إشهارة تجارية لا تحترم فيها تلفزاتنا لا ذوق المشاهد ولا قدسية هذا الشهر العظيم.. صدق صديق سألته في يوم ما عن تلفزاتنا وآشياء أخرى عن الناس ورمضان حين أجاب وقال أن التلفزة للاسف شرلا بد منه وأن على الانسان الذي يصوم أن يعرف الفواصل بين المسموح وغير المسموح بين الحق والواجب بين المنطقي وغير المنطقي أن يصوم رمضان بشكل عادي جدا غير آبه بالناس ولا بما تراه عينيه طوال اليوم من مأكل ومشرب وأشياء أخرى (هي في هذا الشهر أجدى بالسرية ) سواء في العمل أو في الشارع , لان الصائم الحقيقي هو ذاك الذي لا يكون صومه فقط للناس أويكون فقط عن الطعام و الشراب والجنس , بل يجب أن بكون أيضا عن كل ما من شانه ان يضر بالآخرين ويؤذيهم, فالصيام درجات اعظمها الامتناع والصوم عن الاساءة للاخرين وآخرها الامتناع عن الطعام والشراب , و أن يكون مصحوباً بالصلوات والصدقات من أجل اكتساب طاقات روحية تمكن الإنسان من تنقية الأفكار والأقوال والأفعال من الكذب و الغش, الشئ الذي يجعله في حالة تصالح مع نفسه ومع الآخرين . و إن كان هناك غضب "فاللهم إني صائم" تذهبه، أو ليتذكر الانسان قول النبي(ص): " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". وآخر السطر: أحلم بالنظافة والهدوء واحترام قدسية هذا الشهر ... كل رمضان وأنتم صائمون ..