نُواصِل الإبحارَ معكم أيها الأحبة الكرام في تاريخ علمائنا و مشايخنا حتى ننهل منهم الوسيلة و الفضيلة، و حتى يكونوا لنا قُدوةً في الدين و العلم و التواضع و الاعتدال. وجه اليوم هو فقيد علّامة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. رجل تشبع بقيم ديننا الإسلامي.. له العديد من الجولات و الصولات في شتى العلوم.. صاحب حديث موزون يُجامع بين الجد في موضعه و المستملح الظريف في موضعه.. إنه الفقيد العلّامة سيدي الحاج عمر أشركي. ولد المرحوم سيدي الحاج عمر أشركي سنة 1921 بقبيلة بني توزين مشيخة بني عكي دوار تعمرت، و هو ابن الفقيه العلامة محمد أشركي الذي كان قاضيا للناحية على إقليمالناظور، و قاضيا على عدة قبائل بمنطقة الريف، و كان أيضا قاضيا للقضاة بإحدى قبائل بني ورياغل في عهد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، و قاضي قبيلة بني توزين و كذا قاضي الدائرة على خمس قبائل بتفرسيت حيث كان رجلا متفقها في الدين و ضليعا في الأحكام الشرعية. تلقى الراحل أولى دروسه القرآنية بكُتاب قريته.. ثم تابع دروس المرحلة الابتدائية بالمعاهد الدينية بالناظور و العرائش.. أما دراسته الثانوية والجامعية فقد كانت بمدينة فاس من سنة 1946 إلى غاية سنة 1956 حيث تخرّج من جامع القرويين في شعبة الشريعة. تقلد الفقيد عمر أشركي عدة مناصب إدارية قام بتأديتها خير قيام لما كان يمتاز به من سِعة الاطلاع وحُسن الخلق و كَريم التواصل حيث اشتغل أستاذا للسلك الثاني بالقرويين بفاس من سنة 1956 إلى غاية 1958، و بعدها تولى منصب مدير المعهد الديني بالناظور من سنة 1958 إلى غاية سنة 1970، ثم مديرا لثانوية الشريف محمد أمزيان من سنة 1972 إلى غاية سنة 1982. و قد سبق لفقيدنا العزيز أيضا أن أدى مهمته بوفاء كمحتسب على إقليمالناظور سنة 1982. و نَظير كل خصاله الحميدة و علومه الغزيرة، فقد تبوأ الراحل العديد من المناصب الدينية و العلمية كترؤسه لفرع رابطة العلماء بالناظور لمدة 15 سنة، و إخلاصه في تقلده لمسؤولية خطيب المسجد الحسني بالناظور لمدة 3 سنوات. كما شغل رحمه الله عضوية المجلس العلمي الإقليميبالناظور، و نائب رئيس المجلس العلمي بالناظور. و قد تم إيفاده إلى الخارج في بعثة للتوعية والإرشاد لمرتين سنة 1972 و 1986 ليتولى بعدها رئاسة المجلس العلمي الإقليميبالناظور بموجب ظهير مؤرخ في 21 غشت 1995 خلفا للمرحوم سيدي مقدم بوزيان. هذا كما تم تعيينه كذلك بظهير شريف عضوا للمجلس العلمي الأعلى للمجالس العلمية الإقليمية بالمملكة في سنة 2001. و لا يفوتنا التذكير هنا أيضا أن وزارة التربية الوطنية أوفدته إلى الجامعة الأمريكية ببيروت للمشاركة في العديد من الندوات و الدروس التربوية و الإدارية ضمن بعثة من مديري الثانويات. كل هذا المسار الحافل بالوعظ و الإرشاد و نشر علوم الدين و الدنيا ساهم في توشيحه بوسام الرضى من الدرجة الأولى سنة 1974. لقد تربى الراحل في أسرة علم و قضاء محلي وإقليمي لمدة تزيد عن 60 سنة تخللتها عدة ظهائر سلطانية وخليفية للتولية.. فعاش رحمة الله عليه بسيطا ودودا زاهدا متواضعا.. عاش ينشر العلم و الفضيلة و الخُلق النبيل إلى أن وافته المنية ذات يوم جمعة 24 مايو 2002 و الموافق ل 12 ربيع الأول 1423. إن أمثال الراحل سيدي الحاج عمر أشركي لا نحسبهم في عِداد الموتى، بل هم أحياء في قلوبنا بفضائلهم و مناقبهم و تواضعهم.. و ها نحن نستحضر بعضا من ماضيهم المُشِع في هذا الشهر الفضيل علّنا نكون بذلك نستطيع أن نربط الصلة بأرواحهم الطاهرة الزكية.. نَم قرير العين سيدي الحاج عمر أشركي.. فيكفيك فخرا أن الجميع يذكرك بخير، و أن صداك الطيب مازال يعيش وسط إداريي ثانوية الشريف و أساتذتها و تلامذتها و كل الآباء و الأمهات.