قال عتيق السعيد، باحث في القانون العام و العلوم السياسية، والمحلل السياسي، إن خطاب الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش،جاء في سياق وطني حافل بالمكتسبات و التحديات . وأوضح عتيق السعيد أن الخطاب قدم تقييما دقيقا لوضعية الاصلاحات التنموية بالبلاد و كشف عن مجموعة من الأمور السلبية، مشيرا إلى أن الانتماءات القبلية و الحسابات السياسية شكلت عائق دون توفر خدمات اجتماعية لبعض المناطق المعزولة عن مخططات التنمية. وأكد السعيد، أن المفارقات التي تحدث عنها جلالة الملك هي نتاج لضعف العمل الجاد وفق مقاربة تشاركية بين جميع الفاعلين، وغياب البعد الوطني والإستراتيجي، والتنافر بدل التناسق والالتقائية، والتبخيس والتماطل، بدل المبادرة والعمل الملموس الذي يعود بالنفع على المواطن المقهور في غياب تام وممنهج أحيانا للوعي بالمسؤولية و الأمانة. وأضاف السعيد في تصريح للقناة الثانية ، "ففي ظل ما تعرفه الدولة من تطور و ازدهار يساير التحولات الاقتصادية لدول العالم المتقدم أصبحنا حقيقة نلمس تناقضا يجعل المتتبع للشأن المغربي يشكك في موقع هذا البلد الذي لطالما أبان عن تجربته الرائدة في التحديث ومساير للزمن الاقتصادي، حيث أن بعض مناطق المملكة لازالت تفتقر لأبسط الحاجيات كالمستشفيات، الكهرباء والماء.. و هو الأمر الذي يجعلنا أمام الحاجة الملحة لتفعيل مقتضيات الجهوية المتقدمة و ما تحمله من مبادئ التضامن و التكافل بين الجهات، لاسيما المتعلقة بالفصل 136 من الدستور الذي ينص على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن و يؤمن مشاركة السكان في تدبير شؤونهم و الرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة و المستدامة". هذا واعتير المحلل السياسي أن التفعيل السليم للجهوية المتقدمة سيحول دون بروز نقاط سوداء في مسار التحولات الاجتماعية و الاقتصادية لبعض المدن و الأقاليم، كما أن مجالسها مطالبة بتفعيل الفصل 139 الذي ينص على المقاربة التشاركية للحوار و التشاور، لتسيير مساهمة المواطنين و كذا الجمعيات في إعداد برامج التنمية و تتبعها، و هو ما جعل بعض المناطق تعرف غياب للتواصل و التتبع للمشاريع التنموية حيث أن برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تزال بعيدة عن مسار التطور القانوني للمملكة. واقع الإدارات العمومية و الحاجة إلى تجويد الأداء الإداري و المالي وفي السياق ذاته وفيما يخص وضعية الإدارة العمومية، أوضح السعيد أن جلالة الملك قدم تقييما دقيقا للوضعية التي أصبحت تعرفها إداراتنا العمومية نتيجة عوامل بشرية بالدرجة الأولى، حيث أن بعض الموظفون العموميون لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم ، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية،وهو ما يجعل الإدارة فارغة من جوهرها الأساسي المتمثل في تقديم خدمات للمواطن و تلبية حاجياته اليومية " يقول السعيد. ومضى السعيد في حديثه،" أصبحت للأسف إداراتنا تشهد ظواهر يندى لها الجبين تتمثل في الموظف الشبح أو الذين يقضون سوى أوقات معدودة، داخل مقر العمل، ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون، على قلته ، بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي. بالإضافة إلى تفشي المحسوبية و الزبونية و غياب تام للضوابط الإدارية، حيث عدم احترام توقيت العمل و غياب التنسيق بين المصالح و الهياكل الإدارية و كذا الشطط الممنهج في استعمال السلطة و الرشوة أو عزلة بعض الإدارات عن المحيط الجامعي و التطور العلمي هي أسباب و أخرى عديدة تساهم في تخريب الدور المنوط بالإدارات و المتمثل في تجويد الخدمات العمومية و الرقي بالعمل الإداري خدمة للصالح العام و منه للمواطن بشكل مباشر خالي من الرواسب السلبية التي تشع على النفور و الاحتقان الاجتماعي". أي دور للأحزاب السياسية في ضل التحولات السياسية و الاجتماعية ؟ وفي ذات الصدد أشار السعيد إلى أنه "من خلال حديث صاحب الجلالة عن القدرة على التنفيذ والإبداع المرتبط بمكانة الأحزاب السياسية يجعلنا أمام تصور واضح لمدى فعالية الكثير من الأحزاب السياسية التي لم تواكب التطور السياسي والتنموي، ولتطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة". واسترسل المتحدث نفسه، "لطالما شعر المواطن في غير مناسبة أن العديد من الأحزاب تتسابق نحو ركوب أمواج النجاحات التي عرفتها المملكة حيث تهرول بشكل خال من أدنى درجات العفة السياسية، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة و هو ما لا نلاحظه بشكل ملح عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه". و "بالرجوع للعديد من الأحداث السابقة سنجد أن تواجد أحزاب سياسية أصبح عبئ على الدولة بمعنى أنها تحيى فقط في الحملات الانتخابية أو للدعم العمومي، لعل تقارير المجلس الأعلى للحسابات كشفت في غير مناسبة عن غياب الترشيد للنفقات المقدمة لها، كما أن تفريخ الأحزاب السياسية دونما تفعيل أدوارها في توعية المواطن و جعله مهتم بالعمل السياسي أصبح وجودها يشكل مضرة للدولة أكثر من نفعه لها، يقول السعيد مستطردا، "من أجل ذلك حان الوقت لتقليص الأحزاب السياسية فعددها اليوم تكاثر بما لا ينفع الناس و بالتالي فإحياء الكتلة و كذا دمج أحزاب في أخرى مع فرضية تفكيك بعضها يمكن أن يخرجها من مأزق لاتفاعل و الصمت المحرج سياسيا ". وتابع السعيد حديثه قائلا، "أمام هذا الوضع، أصبح المواطن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات الحزبية، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين ، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل، و بالتالي فهم اليوم مطالبون بتقديم الاستقالة من العمل السياسي الذي عرف عبر التاريخ بالقوة و التفاعل مع المواطن".