«نتحدث كثيراً عن الملاحة وسفننا تغرق» تصدق هذه العبارة الساخرة للشاعر أودن عن وضع حرية التعبير في المغرب بعد إقدام وزارة الداخلية المغربية على حجز العددين الأخيرين من «تيل كيل» الناطقة بالفرنسية و«نيشان» (استقامة بالدارجة المغربية) الناطقة بالعربية. وجاء هذا القرار بعدما نشرت المجلّتان استطلاعاً للرأي أُجري بالتعاون مع أشهر صحيفة فرنسية هي «لوموند» عن حصيلة السنوات العشر الأولى من حكم ملك المغرب محمد السادس. وقد علّلت وزارة الداخلية قرار الحجز هذا بالاستناد إلى المادة 77 من قانون الصحافة الذي يشير في القسم الثالث المتعلق بالحجز والإيقاف والمنع إلى أنّه «يجوز لوزير الداخلية، بقرار معلّل، أن يأمر بالحجز الإداري لكل عدد من جريدة أو نشرة دورية تمسّ بالنظام العام أو تتضمن الأفعال المنصوص عليها في الفصل 41». وصرّح مدير مجلة «تيل كيل» و«نيشان» أحمد رضى بنشمسي للصحافة المغربية أنّ الشرطة جاءت إلى محل إقامته صباح السبت الماضي وطلبت منه التوقيع على قرار الحجز بعد أن يطلع عليه. إلا أنّه رفض «لأنّ القرار غير معلل، خلافاً لما تنص عليه المادة 77 من القانون». وأضاف أنّ مؤسسته تكبدت خسارة مالية كبيرة بسبب هذا الحجز. وعليه، سيقدّم طعناً لدى المحكمة الإدارية ضد قرار وزارة الداخلية. ويكون هذا تخشى السلطة أن تتحوّل استطلاعات الرأي إلى عادة في المملكة القرار قابلاً للطعن أمام المحكمة الإدارية التي يجب أن تبتّ فيه خلال أجلٍ لا يتعدى 24 ساعة من تاريخ تقديم الطلب. وفي هذا السياق، أكّد محامي المجلّتين يوسف الشهبي «أنه إذا أتلفت وزارة الداخلية الأعداد المحجوزة، فإنها تكون قد جانبت القانون. وفعلاً تناولت مجموعة من المنابر الإعلامية أنّه تم فعلاً إتلاف النسخ المحجوزة من «تيل كيل» و«نيشان» بين يومي السبت والأحد الماضيين. وقد استغرقت عملية الإتلاف 24 ساعة في مقرّ المطبعة». وقد تناول الاستطلاع الذي أجراه مكتب دراسات مغربي دولي، آراء حوالى 1000مواطن مغربي عن حصيلة حكم محمد السادس. وقد قوبل الاستطلاع بسخط وزارة الداخلية على رغم أنّ نسبة 91 في المئة من المستطلعين قالت إنّ حصيلة الحكم كانت «إيجابية» أو «إيجابية جداً». إلا أن السلطات انزعجت وتخوّفت من أن يفتح هذا الأمر الباب أمام استطلاعات أخرى قد تغدو عادةً وتقليداً. وهدّد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري من أن المعاملة نفسها ستطبَّق على أي جهة تنشر الاستطلاع في إشارة واضحة إلى جريدة «لوموند» الفرنسية التي تم منع عددها الذي حوى الإستطلاع أمس. وأضاف أنّ «النظام الملكي في المغرب لا يمكن أن يكون موضع جدل بما في ذلك من خلال الاستطلاع». وأضاف «هذا النوع من الاستطلاعات محرَّم والجميع يعرف ذلك». من جهته، اعتبر يونس مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة أنّ الحجز الذي تعرضت له المجلّتان «غير مبرّر قانونياً»، وأضاف في تصريح آخر أنّه «لا قانون يمنع تنظيم استطلاعات مماثلة لأنه ليس هناك أصلاً قانون ينظِّمها. ولذلك، فانّ الاستطلاعات أمر معمول به في الدول الديموقراطية، وليس هناك من مبرر قانوني للحجز على المجلتين». تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة المغربية سبق أن أعدت قانوناً في عام 2006 وضع قيوداً على استطلاعات الرأي. وجاء هذا القرار على خلفيّة نشر مجلّة «الجريدة الأولى» استطلاعاً للرأي عام 2005 لاختيار شخصية العام. وفي هذا الاستطلاع، جاء الملك محمد السادس في المرتبة الثانية بعد الراحل إدريس بنزكري رئيس «هيئة الإنصاف والمصالحة» الذي أنجز الكثير في مجال حقوق الإنسان في المغرب. كما سبق للحكومة المغربية أن أعربت عن استيائها من استطلاع آخر قبيل الانتخابات التشريعية عام 2007 أنجزه معهد أميركي منح المرتبة الأولى للحزب الإسلامي «العدالة والتنمية» في تلك الانتخابات. غير أنّ مشروع القانون بقي على أرفف الأمانة العامة للحكومة بعد تدخّل السفير الأميركي السابق في الرباط الذي اعتبر المشروع مناقضاً لحرية الرأي والتعبير التي يعمل المغرب منذ سنوات على تكريسها وممارستها. وعلمنا أنّ الطاقم الصحافي في المجلتين يعكف على إصدار نسختين جديدتين من العددين مجرَّدتين من الاستطلاع الذي أثار حفيظة السلطة. وعلّلت مصادر من المجلّتين أسباب ذلك ب«التزامات مع المعلنين من جهة، والقيمة الصحافية لبعض المواد الأخرى». أما بالنسبة إلى الخسائر التي ستتكبدها «تيل كيل» و«نيشان» جراء عملية الحجز، فيمكن فقط ذكر أن الأمر يتعلّق ب 100000 نسخة من المجلّتين. يشار إلى أنّ المجلّتين نشرتا في السابق مقالات انتقاديّة من دون أن تتعرّضا لأي منع أو حجز.