أمر وزير الداخلية شكيب بنموسى، أول أمس السبت، بحجز عددي شهر غشت الجاري من مجلتي «تيل كيل» و«نيشان» إثر نشرهما لاستطلاع رأي مشترك مع جريدة «لوموند» الفرنسية، أنجزته شركة أجنبية حول رأي المغاربة في 10 سنوات من حكم الملك محمد السادس. وهو الاستطلاع الذي رأت فيه السلطات المغربية مسا بشخص الملك والمؤسسة الملكية. واستندت وزارة الداخلية في منع العددين الأخيرين من مجلتي «تيل كيل» و«نيشان» إلى منطوق الفصل 77 من قانون الصحافة الذي يجيز لوزير الداخلية، بقرار معلل، الحجز الإداري لأي جريدة أو نشرة دورية تمس بالنظام العام أو تخل ب«الاحترام الواجب للملك والأمراء والأميرات»، كما هو منصوص عليه في الفصل ال41 من القانون نفسه. ورفض بنشمسي، مدير نشر المجلتين، يقول مصدر مقرب منه، توقيع محضر الحجز، الذي حررته السلطات الإدارية، معتبرا أن «هذا الحجز غير قانوني لأن الوزير بنموسى لم يرفق قراره بتعليل مقنع كما يقضي بذلك الفصل ال77 من قانون الصحافة». واعتبر خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة حجز العددين الأخيرين من مجلتي «تيل كيل» و«نيشان» بعد نشرهما لاستطلاع رأي يمس بثوابت المغاربة قرارا سليما واحتُرمت فيه جميع القوانين المنظمة لمهنة الصحافة، مشيرا في هذا في السياق، في اتصال مع «المساء»، إلى أن «المؤسسة الملكية هي موضع إجماع وطني ولا ينبغي أن تكون موضوع نقاش في استطلاع رأي، ومن ينشر مثل هذه الاستطلاعات وهو يعرف مسبقا أنها غير قانونية، فإنه لا يمارس الصحافة وإنما يمارس الاستفزاز السياسي». وحول ما إذا كان قرار الحجز سيشمل أيضا جريدة «لوموند» الفرنسية التي أنجز نفس استطلاع الرأي لفائدتها، قال الناصري: «إن القرار سيشمل «لوموند» وغير «لوموند» وجميع الصحف التي ستنشر الاستطلاع المذكور». وفي الوقت الذي يستغرب فيه الناصري كيف أن البعض حاول تكييف قرار إداري احترمت فيه كل الضوابط القانونية على «أنه تراجع في حرية الصحافة وعودة إلى سنوات الرصاص»، قال يونس مجاهد الكاتب العام للنقابة الوطينة للصحافة المغربية «إن قرار حجز العددين من المجلتين قرار غير سليم وينبغي التراجع عنه تماشيا مع حرية الرأي والتعبير»، مضيفا في اتصال مع «المساء» أنه لا يوجد في المغرب قانون يمنع إنجاز استطلاعات للرأي». وحسب مجاهد، فإن النقابة عبرت، في بيان لها بالمناسبة، عن قضية مبدئية في حادث حجز العددين من مجلتي «نيشان» و»تيل كيل» وهي أن «الحجز ينبغي أن يمر عبر أجهزة القضاء وليس عبر أجهزة الداخلية»، مشيرا في الوقت نفسه إلى «أن نتائج استطلاعات الرأي وخلاصاتها هي مجرد اجتهادات نسبية خاضعة للمناهج وللشروط والأهداف التي تتحكم فيها». وينتظر أن يعقد بنشمسي، اليوم الإثنين، ندوة صحفية لشرح خلفيات هذا الحجز الذي تعرضت له المجلتان وتحديد حجم الخسارة المالية التي تكبدتها المؤسسة الناشرة لهما، وهي خسارة فادحة بالنظر إلى عدد النسخ المطبوعة من المجلتين والذي يصل 100 ألف نسخة.وفي تعليقه على قرار حجز المجلتين قال نور الدين عيوش، الفاعل الجمعوي، أن ما قامت به المجلتان يعتبر منافيا للقانون لأن استطلاع الرأي وضع الملك محل مساءلة، في حين أن الملك ليس رئيس حكومة أو فاعل سياسي وإنما هو رئيس الدولة ووضعه الاعتباري يضعه فوق الجميع. وأضاف أنه من حق الصحافة أن تنتقد طريقة عمل الملك لكن ليس من حقها أن تحاكمه أو تضع مؤسسته موضع مساءلة، لأن المؤسسة الملكية هي ضامنة الاستقرار والديمقراطية والتطور. وأضاف عيوش أن ما وقع لا يعني أن المغرب يتراجع في مجال حرية الصحافة، مشيرا إلى أن الذين يعقدون المقارنات بين الصحافة في العهد القديم والجديد لكي يخلصوا إلى أنه لم يتغير شيء هم كذابون وغير موضوعيين. وأضاف عيوش أن دور الصحافة هو الإخبار والتعليق وليس أخذ مكان المحاكم ولا محاسبة الملك لأنه ليس رئيس لديه ولاية محدودة، وإنما هو ملك حكمه ممتد في الزمن. ودعا عيوش إلى ضرورة عقد لقاءات موسعة تشارك فيه كل القطاعات المعنية بقضايا الصحافة والنشر من أجل تسوية الخلافات العالقة في هذا المجال.